في وقت مضى، كانت البناية المصنوعة من الطوب الأحمر عند ناصية الشارع الرئيسي داخل هذه القرية المزدهرة في كولومبيا كاونتي، عبارة عن مصحة وفندق وحانة ومتجر أثاث، ومقر توكيل لبيع السيارات. أما اليوم، فقد تحولت البناية في أحدث صورة لها إلى مقر دائم لـ«متحف شيكر»، الذي يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره المجموعة الأهم والأبرز من قطع الأثاث والعناصر والمواد الأرشيفية المنتمية للطراز المعروف باسم «شيكر» أو «المهتزين».ومن المقرر أن يفتح المتحف أبوابه عام 2023. وسيتضمن إضافات جديدة. وستضع المهندسة المعمارية أنابيل سيلدورف تصميم المتحف، وتتضمن مشروعاتها الراهنة توسعة «مجموعة فريك» في نيويورك وإدخال إضافة جديدة لمتحف الفن المعاصر في سان دييغو لا هويا.
وتقول سيلدورف: «يميل المعماريون الحديثون إلى تفضيل الوضوح والبساطة المميزة لقطع الأثاث والتصميم المعماري على طراز (شيكر)، لكن بالتأكيد الأمر أعمق بكثير عن ذلك. إنّه يتعلق بالمساواة والاستدامة والمجتمع، من بين قيم أخرى كثيرة. وقد راق هذا الأمر لي كثيراً».وقد خُزّنت قطع المجموعة المعروضة عبر الإنترنت، داخل بنايات ريفية متهالكة وظلت بمنأى عن أنظار الجمهور طوال عقد. ومن المقرر أن يضمّ المجمع الجديد البالغة تكلفته 18 مليون دولار، منشأة لترميم القطع وتخزينها، وأخرى لمعارض دائمة ومعارض دوارة، بجانب غرفة للقراءة العامة ومساحة للنشاطات الاجتماعية.
وقد صممت المعمارية البارزة سيلدورف سلسلة من الروابط الزجاجية لتصل بين الهياكل القديمة والأخرى الجديدة. ومن المفترض أن تؤدي البناية إلى مساحة واسعة من المناظر الطبيعية مستوحاه من طراز «شيكر» من تصميم شركة «نيسلون بيرد وولتز»، التي تضمّ نباتات طبية وأخرى أصلية تنتمي للمنطقة، بجانب حديقة صغيرة من دوائر متحدة المركز مستوحاة من رقصات «شيكر».
وتُعرض حالياً القطع التي صممتها سيلدورف، بجانب بعض القطع نجمية الشكل، في معرض «المستقبل هبة» في تشاتام، وهي قرية تقع قرب معقل طائفة شيكر الدينية في نيو ليبانون بنيويورك وهانكوك في ماساتشوستس.
ويعتبر المتحف الجديد أحدث مثال على ما أطلق عليه ويليام دي. مور، مدير برنامج الدراسات الأميركية ودراسات نيو إنغلاند في جامعة بوسطن، «حمى شيكر». وربما يكون جون ستانتون ويليامز (1902 - 1982)، أكثر من تأثر وبشدة بهذه الحمى الجديدة، وكان سمسار البورصة الثري القادم من نيويورك، الذي تحول إلى نبيل ومزارع، وقاده شغفه بالأدوات القديمة المرتبطة بالزراعة في نهاية الأمر إلى مزارع وتجمعات طائفة «شيكر»، حيث تمكن من حصد مجموعة هائلة تجاوز عدد عناصرها 18 ألف قطعة تشكل العمود الفقري للمنشأة الجديدة.
وعلى النقيض من منافسيه، الذين اشتروا مثل هذه القطع سعياً وراء إعادة بيعها، انصبّ اهتمام ويليامز فيما يخص جمعية طائفة «شيكر»، على براعتهم في مجال المشروعات وكذلك المجال التكنولوجي. ودفعه هذا الاهتمام لعقد صداقات مع أفراد من أبناء الطائفة، وجمع قطع بالغة الأهمية تخص طائفة دينية اشتهرت في ذلك الوقت بممارساتها المجتمعية التي تضمنت الامتناع عن الزواج والتشارك في الموارد الاقتصادية وتشارك الرجال والنساء في القيادة وكراهية الإفراط وممارسة نوع مميز من الرقص أكسبهم اسمهم الشعبي «شيكرز»، أي «المهتزون».أما أكثر سمات طائفة «شيكر» التي جذبت اهتمام ويليامز فكانت اعتمادهم على التكنولوجيا الحديثة واكتفائهم الذاتي اقتصادياً وبراعتهم في النشاط التجاري. ومن بين المواد التي كان أبناء طائفة «شيكر» يقدمونها للاستهلاك التجاري، بذور في عبوات جديدة من نوعها ومركبات دوائية ومقاعد ومكانس وسترات ودلاء خشبية وملابس نسائية (باللون الأحمر الفاتح، على عكس الأسود الذي ترتديه أخوات «شيكر»).
وبجانب قطع الأثاث التي تتميز بألوانها المميزة، ومنها «أزرق شيكر»، اشترى ويليامز غسالات ومعدات إطفاء وأنوال يدوية للنسيج وأغطية وأدوات حدادة، من بين أشياء أخرى كثيرة.
الملاحظ أن أبناء طائفة «شيكر» أعادوا كذلك استخدام أغراض مألوفة. على سبيل المثال، واحدة من القطع الأكثر إثارة للفضول، كرسي هزاز من ثلاثينات القرن التاسع عشر مزود بعجلات خشبية لاستيعاب الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أنّ هناك مثال مبكر على أحذية طبية.
في الوقت الراهن، ما تزال المعارض التي سيضمها المتحف في مراحلها الأولى. وأوضحت ماغي تافت، أمينة المتحف، أنّ المعرض الدائم سيتناول الجوانب الجوهرية من فكر طائفة «شيكر»، التي بلغت ذروتها في أربعينات القرن الـ19 بتوسعها داخل 18 قرية من مين حتى كنتاكي، إضافة إلى موضوعات أخرى فرعية غير متوقعة.
جدير بالذكر، أنّ هذه الطائفة تأسست عام 1774 على يد الأم آن لي، الابنة الأمية صاحبة الشخصية الكاريزمية لحداد إنجليزي. ويعتبر واحداً من المآزر التي كانت ترتديها من بين أكثر القطع القيمة التي يملكها المتحف.
ورغم أنّ طائفة «شيكر» معروفة بالمساواة بين الجنسين، فقد أشارت تافت إلى أنّ النساء والرجال «منقسمون على نحو يشبه تقسيم الأعمال الدنيوية»، مع عمل الرجال في الخارج بالزراعة ومهام أخرى، وعمل النساء داخل المنازل. ويستعرض المعرض كذلك الأجيال المختلفة من أتباع «شيكر»، خاصة الجيل الثالث بعد وفاة الأم آن لي عام 1784. عندما تجلت «لقاءات» الشابات معها في شكل رسومات ونصوص اعتبرت «هدايا» من الأرواح. كما تضم المعارض مفروشات وتجهيزات اشتهر بها الـ«شيكر» ومنها الكراسي الهزازة، وذلك من أجل طابعها الجمالي. ولم تكن هذه القطع مخصصة للاستخدام الفردي، وإنّما كانت مشتركة بين أفراد المجموعة أو الرجال والنساء. وسبق أن تركزت الأنظار على عربة يدوية من خشب الصنوبر ظهرت في معرض «شيكر ديزاين» الذي نظمه متحف ويتني عام 1986. وقيل إنّها كانت تستخدم في تطهير الأرض. وكشفت أبحاث أنها استخدمت في نقل صناديق أدوية. وتدور الفكرة الرئيسية للمعارض الجديدة في السعي لتجاوز المظهر الخارجي والتركيز على الجوانب الإنسانية لقطع الأثاث.من ناحية أخرى، كان أتباع «شيكر» راديكاليين في القرارات التي يتخذونها بخصوص المساواة بين الجنسين، والمساواة العرقية واتباع النهج النباتي والتشارك في الملكية والتزام السلمية، مما يعكس خيارات أكثر تقدمية بكثير عن معاصريهم، ويتناول قضايا ما نزال نتصارع حولها حتى يومنا هذا، حسبما ذكرت تافت.ومن المتوقع أن يجذب المتحف 30 ألف زائر سنوياً، مما سيشكل دفعة إيجابية لمنطقة كولومبيا كاونتي. ومن المحتمل أن يثير المتحف اهتماماً أوسع بثقافة «شيكر» بوجه عام، والذي قد يتضمن قرية شيكر في منطقة بيتسفيلد في ماساتشوستس القريبة، والتي تعد بمثابة متحف حي لتاريخ هذه الطائفة.
قد يهمك ايضا
بايدن يخطط لتعيين حاكمة ميشيغان السابقة وزيرةً للطاقة
إيمان جودة ثاني سيدة من أصول فلسطينية تدخل الكونغرس الأميركي
أرسل تعليقك