الشحنات الإنسانية وراء أقنعة الأبطال الخارقين تلهم الألماني ديتمار دا
آخر تحديث GMT07:23:25
 العرب اليوم -

فرّوا من "الكوميكس" إلى سرديات فنية متعددة لتوعية جيل كامل

الشحنات الإنسانية وراء أقنعة الأبطال الخارقين تلهم الألماني ديتمار دا

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الشحنات الإنسانية وراء أقنعة الأبطال الخارقين تلهم الألماني ديتمار دا

كتاب "أبطال خارقون"
القاهرة - العرب اليوم

لا يتأمل الكاتب الألماني ديتمار دات تاريخه الشخصي وحده وهو يبحث عن آثار أبطاله الخارقين العالقة في ملعب طفولته، منذ أن كانوا حبرًا في تراث الكوميكس، فهو يتأمل في كتابه "أبطال خارقون" وعي وتفاعل أجيال كاملة مع قصة هؤلاء الأبطال أصحاب الأسماء المستعارة والأقنعة الفولاذية التي تُخفي وراءها شُحنات إنسانية ودرامية.

الكتاب صدرت أخيرًا ترجمته إلى العربية عن دار "صفصافة للنشر والتوزيع" بالقاهرة، وأنجزتها المترجمة المصرية الدكتورة نيرمين الشرقاوي، وفيه يتأمل ديتمار دات مدرسة الإنسان الخارق التي تخرّج فيها عشرات الشخصيات التي بدأت كرسوم كوميكس تعود بداياتها لنهايات ثلاثينات القرن الماضي. كما يتأمل في كتابه بذور الاهتمام بتلك الشخصيات الخيالية الذي تصاعد إلى ما يصفه الكتاب بـ"التماهي"، فيقول: "كنا في ملعب الطفولة نعد أن الخارقين والخارقات حقًا لا يتغيرون، ولا يموتون، ولا يتحللون، ونحن معهم ومثلهم، لأن واحدًا من أشكال الحب الأول لتلك الشخصيات هو التماهي، كنا نعرفهم هم أكثر مما يعرف بعضنا بعضًا".

ولهذا "الحب الأول"، كما يصفه ديتمار دات، علامات: أولها، إطلاع هذه الشخصيات الخارقة قارئها على أسرارها وانكساراتها، فـ"سوبر مان" الجبار الذي يُسلط شعاعًا من عينيه على باب المدرعة وهو يقول "لنرى" هو ذاته الصحافي المنغلق كلارك كينت الذي يكتشف في نفسه إمكانات خارقة، فينحاز لمساعدة البشر، في مقابل إلحاق الضرر بهم.

ويتساءل دات: "لماذا تمثل هذه الأشياء قدرًا عظيمًا لبعض الناس؟ وما هذه الأشياء أساسًا؟". أبطال فولاذيون أكبر من الحياة، أصحاب هُويات سرية، يتسع مسرحهم الزمني لهرقل وشمشون وسوبر مان.

يتكئ الكاتب إلى الرواج التجاري الذي حققته دار نشر "دي سي" الشهيرة بعد اختراعها للبطلين الأكثر شعبية (باتمان وسوبرمان) اللذين أرفقت بهما تسمية فانتازية وهي "أرقى من في العالم"، ويُمثلان طرفي الطيف لجموع الأبطال الخارقين على إطلاقهم، وهو ما كان يصاحبه صخب في الحكاية والرسوم. يقول الكاتب: "تتنوع التبريرات السردية لتلك المبالغات التصويرية في الرسم، فهم ينهلون من معين الأخيلة الواردة في التاريخ الثقافي، بكل ما يشتمل عليه من الميثولوجيا أو العلم أو الفانتازيا التي غذتها الجماليات"، ويمُر على أمثلة لصناعة التخييل التي خرجت منها شخصيات مثل "هولك" الذي تحول إلى كتلة من القوى المعذبة في أثناء هطول أمطار مُحملة بأشعة جاما، أو "سبايدرمان" الذي عضته عنكبوت ذات نشاط إشعاعي، وقتل والداه على يد مجرمين صغار، فصار لاحقًا يطارد المجرمين الكبار، أو رامي السهام "جرين آرو" الذي اضطرته الظروف إلى العيش على جزيرة معادية للبشر بعد نجاته من تحطم سفينة، وكان عليه أن يُطور قدراته إلى ما يتخطى حدود الطبيعة، فهم غالبًا لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه إلا بسبب يدٍ ما ألحقت بهم الأذى، إذ "يتصرفون في ركاب تربيتهم لذواتهم ليصبحوا شخصيات عظيمة قادرة على الاستمرار في الحياة تحت ضغط اضطرار يدفعهم إلى الانتقام أو إلى المعالجة الجيدة أو السيئة لجراح جسدية أو روحية صفعتهم بها يد القدر".

يُسخر دات أدوات بحثه للوقوف على الانتماء الأدبي والمعرفي لقصص هؤلاء الخارقين، مُبحرًا في أصول الفن لدى أرسطو الذي يرى أنه لا يدور في الأساس حول ما هو حقيقي، مرورًا بتسميات الخيال العلمي والرعب الخارق للطبيعة والفانتازيا العلمية، والمدرسة "الرومانتيكية" التي تنتسب إليها ماري تشيلي وروايتها "فرانكنشتاين" التي ألفتها عام 1818، ويعدها كثيرون أول نصوص الخيال العلمي، وصولًا إلى تحدي عدم التصديق الذي يغلب عليه السرد لدى الأبطال الخارقين: "إن المقاومة التي يتعين على الخرافة أو الفانتازيا أن تتغلب عليها من أجل أن تصل إلى أهدافها الجمالية ليست مثل مقاومة الأجناس الأخرى التي تُعبر عن ركود الحياة اليومية أو السدة عن التعاطف، وإنما تتمثل في عدم التصديق الشامل في العالم الذي تقدمه الفانتازيا وما تُقر فيه من معطيات".

يقف الكتاب، الذي يقع في 130 صفحة، عند تحوّل هذا الجنس الفني إلى صناعة ثقافية كاملة، تراوحت بين مد وجزر على مدار عصر فضي وذهبي وزئبقي، بما شكله كل عصر من ملامح أعادت صياغة هذا اللون، بما فيها التهديدات التي وصلت حد إيقافها، كما حدث من جدل حول التأثير الذي تُمارسه على شباب الولايات المتحدة، وهو ما ظهر في كتاب "إغواء البراءة" الذي صدر عام 1954 لعالم النفس فريدريك فيرتام الذي تحول إلى هجوم على الكوميكس بشكل عام، حتى وصل الأمر إلى انشغال الكونغرس الأميركي بها، وصولًا إلى ما يصفها المؤلف بـ"الانتصارات المظفرة" التي استطاع الأبطال الخارقون تحقيقها في موطنهم الأصلي في الكوميكس الذي يقول إنهم لن ينسلخوا عنه "بيد أن رحلاتهم إلى مجالات ثقافية أخرى صارت أكثر تواترًا"، على حد تعبيره، سواء كانت تلك الرحلات إلى السينما، كما حدث وتبناهم صناع أفلام جادين مثل كريستوفر نولان وجوس ويدون، عبورًا إلى الأدب، كما في روايات انطلقت من معين القدرات الخارقة التي يبحث فيها أصحابها عن الجدلية بين الواقع والمأمول، كما في روايات "المغامرات المذهلة لكافالير وكلاي" لمايكل شابون، و"حصن الوحدة" لجوناثان ليثيم، مرورًا بموسيقى البوب، والفن التشكيلي والتصميم، وذكر المؤلف مثالًا للعرض الضخم "أبطال خارقون... الموضة والفانتازيا" عام 2008، وكان من داعميه المصمم العالمي جورجيو أرماني، وأقيم في متحف المتروبوليتان للفن في نيويورك.

يمر الكتاب على أسماء رواد صناعة هذا اللون، وتحديدًا فرانك ميللر وآلان مور اللذين بلغا آفاق الشهرة في الثمانينات؛ ميللر رسام الغرافيك، ومور الذي يقول عنه "حكاء مثير متعدد الجوانب، كان -ولا يزال- يعرف أفضل من معظم من جاء قبله ما يمكن أن يقدمه وسيط الكوميكس".

ويتأمل في منحى آخر مصير هؤلاء الأبطال بعد ما وصفها بشيخوخة موضوعات العصر الذهبي، كما ظهر في إحالة "باتمان" للتقاعد، وشعوره في البداية بالمرارة، ثم لا يلبث أن يعود إلى المعركة بوازع شخصي تجاه مجتمعه. ويشير المؤلف إلى أن ميللر أشرك جمهوره في هذه المشكلة عبر رسومه التي ظهرت بها خطوط متهالكة وهشة، وكأنه يرسل رسالة مفادها أننا "إذا أردنا إنقاذ ماهية البطل الخارق، فلا مناص من اقتحام الطبقات السطحية لهذا الجنس الفني، وعرض ما فيها من شروخ، والاحتفاء بهذه الشروخ، بدلًا من السكوت عنها"، غير أن المؤلف ديتمار دات لا يشعر بقلق حول مصائرهم، ويأمل في أن يحافظوا على جوهرهم، وأن "يكون لديهم القدرة على النمو خارج جدران ذواتهم".

قد يهمك أيضًا

صدور الطبعة الثالثة من كتاب "أيام الشارقة المسرحية" للشيخ القاسمي

كتاب جديد يكشف موضع إعجاب غريبا لدى ترامب

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشحنات الإنسانية وراء أقنعة الأبطال الخارقين تلهم الألماني ديتمار دا الشحنات الإنسانية وراء أقنعة الأبطال الخارقين تلهم الألماني ديتمار دا



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab