بينما كانت ترانيم وفود الزوار تملأ مدينة "أبو مينا" القبطية غرب مدينة الإسكندرية قبل عدة قرون، فإن أصوات معدات وأدوات إنقاذ وتطوير الموقع الأثري تكسر سكون الصحراء المحيطة بالمدينة التي تواصل السلطات المصرية العمل على ترميمها وتطويرها حاليًا لحذف اسمها من القائمة الحمراء لمنظمة "يونيسكو"، بعد تعرض معالمها الرئيسية لمخاطر بيئية أثّرت عليها سلبًا.
وتضم منطقة "أبو مينا" الأثرية منشآت عدة، من بينها مركز الحج، الذي يعد المبنى الرئيسي بالمنطقة، ويقع في الجزء الجنوبي من المنطقة السكنية القديمة، ويضم فناءً واسعًا محاطًا بصفوف من الأعمدة كان يتجمع فيه الحجاج الوافدون قديمًا، وفي الجزء الشمالي من الفناء يوجد فندقان يتكونان من فناء داخلي حوله حجرات النزلاء، وفي أقصى الشمال يوجد حمامان مزودان بالمياه الساخنة اللازمة للحجاج بعد سفرهم الطويل، ويفتح الفناء القبلي على كنيسة المدفن والبازيليكا الكبيرة.
ومن المتوقع أن يزور بعض مسؤولي هيئة "يونيسكو" موقع دير "أبو مينا" الأثري خلال الفترة المقبلة لمتابعة أعمال الترميم والتطوير تمهيدًا لحذفه من القائمة الحمراء، حسب مسؤولين بوزارة السياحة والآثار المصرية.
مدينة "أبو مينا" منطقة أثرية كانت تحظى بمكانة دينية مرموقة في القرون السابقة. وتتضمن خطة الإنقاذ الجارية، تنفيذ مشروع خفض منسوب المياه الجوفية بالمنطقة، إلى جانب ترميم أطلالها وتدعيم الأعمدة القديمة.
ويتوقع أن يتم الانتهاء من عملية تجفيف المياه الجوفية التي تعد أكبر خطر يهدد المنطقة الأثرية نهاية العام الجاري، وفق محمد متولي، مدير الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية بمدينة الإسكندرية، والذي يقول إن "عملية التجفيف تعتمد على 170 وحدة رفع بتكلفة تقارب 15 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري)".
وتتضمن خطة العمل أيضًا إزالة الحشائش من محيط الموقع الأثري، بعد انتشارها بكثافة خلال الآونة الأخيرة بسبب أنماط الري التقليدية حول المنطقة، وفقًا لمتولي.
وارتبطت المنطقة الأثرية المهمة بذكرى وفاة القديس "أبو مينا"، وسُميت باسمه، وتشير المخطوطات القبطية والعربية إلى أن القديس "أبو مينا" مصري الأصل، اعتنق المسيحية في أثناء خدمته بالجيش الروماني، وجاهر بديانته في عهد الإمبراطور الوثني دقلديانوس وقد أدى ذلك إلى قتله عام 296 ميلادية، ودُفن رفاته في المنطقة التي توقف فيها الجمل الذي كان يحمل جثمانه بالقرب من نبع مياه، وقد انتشر اعتقاد حينها بأن هذا الماء يشفي من الأمراض فبدأ الحجاج المسيحيون بالتوافد إليه، ثم تحولت المدينة إلى أهم مراكز الحج المسيحي في مصر خلال القرن الخامس والنصف الأول من القرن السادس الميلادي.
ومع مرور الزمان هُجرت المدينة واختفت معالمها تحت الرمال إلى أن أعاد اكتشافها العالم كارل كاوفمان في بداية القرن الماضي، حيث عُثر على أنقاضها، وتوالت عمليات التنقيب بالمنطقة، وتم تسجيلها كموقع أثري في عام 1956 ثم تم تسجيلها على قائمة التراث العالمي لـ"يونيسكو" عام 1979 ميلادي.
ورغم نقل رفات القديس "أبو مينا" من المدينة القديمة إلى كنيستين بالقاهرة والإسكندرية، فإن المدينة لا تزال تتمتع بأهمية دينية وأثرية كبرى لدى المسيحيين في مصر وخارجها، والذين ينتظرون إعادة فتحها أمام الزوار بعد الانتهاء من مشروع الترميم.
ويتضمن الجزء الثاني من مشروع الترميم تدعيم بعض الجدران المعرضة للانهيار وفك بعض الأحجار وإعادة بنائها باستخدام مواد مناسبة؛ مع التركيز على تطابق الوصف الأثري والمعماري لها الموثّق تاريخيًا مع أعمال الترميم الحالية، وفق تصريحات غريب سنبل، رئيس الإدارة المركزية للترميم بوزارة السياحة والآثار.
قد يهمك أيضا:
موافقة خادم الحرمين على إيفاد هيفاء آل مقرن مندوباً دائماً لدى "اليونيسكو"
"اليونيسكو" توافق على تسجيل "كناوة" المغربي ضمن التراث الثقافي اللامادي
أرسل تعليقك