الرباط - العرب اليوم
وأنت تخطو أولى خطواتك في الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة المغربية، ترمق من بعيد صومعة شامخة تُطل على المُحيط الأطلسي نهاراً تسحرك بعلوها الشاهق، وليلاً تجذبك إليها بأنوارها الزاهية.. إنه مسجد الحسن الثاني، التحفة المعمارية التي أنشأها الملك الراحل الحسن الثاني، وجعل منه أيقونة دينية تُميز المملكة المغربية، ومسجداً يُصنف من بين الأكبر في العالم.
لوحة روحية وفنية
القادم إلى المغرب، وبالأخص إلى مدينة الدار البيضاء، لا بد له أن يزور هذا المسجد، وعند وقوفه بساحته سينبهر بما صنعته أنامل حرفية بإتقان وتفانٍ فعلى امتداد 9 هكتارات شُيد هذا المعلم الديني الفريد، الذي صممه المهندس المعماري الفرنسي ميشيل بينسو، نصفه على اليابسة وما تبقى منها يطفو فوق مياه المحيط الأطلسي.
وعلى الرغم من أن من وضع تصميمه فرنسي الجنسية، إلا أن جميع تفاصيله مغربية تقليدية بامتياز، جعلته لوحة فنية وروحية بدون منازع وكلما اقتربت من مرافق مسجد الحسن الثاني، تبدو لك تفاصيل تزيدك انبهاراً، فصومعته التي يصل ارتفاعها إلى 200 متر تُظهر من بعيد نُقوشا معمارية ذات طابع مغربي، برُخام بين الأبيض والأخضر نفس الصومعة حينما تقترب إليها، تتجلى منها تفاصيل أكثر جمالاً ودقة، قبل أن تدلف إلى أقواسه التي تُحيلك إلى ساحة صغيرة، ومنها إلى الأبواب العملاقة المصنوعة من النحاس الممزوج بمادة مقاومة للصدأ، والتي إذا فُتحت، تُظهر بهاء المعمار الداخلي للمسجد.
وتتميز قاعة الصلاة بتصميمها الفريد وزخارفها الرائعة المستوحاة من طراز العمارة العربية الأندلسية المغربية، وهي الزخارف التي اعتمد فيها الصناع والحرفيون الزليج والجبس، بالإضافة إلى خشب الأرز الذي يُزركش السقف المتحرك لقاعة الصلاة عراقة التصاميم تمتزج بتقنيات ذكية، إذ إن سطح قاعة الصلاة يُفتح ويُغلق تلقائيا، بالإضافة إلى أشعة ليزر تنبعث من قمة المئذنة، وتمتد حوالي 30 كيلومتراً نحو الكعبة المكرمة، للإشارة إلى مكان القبلة.
6 سنوات من البناء
عظمة هذه البناية الدينية تطلبت مجهوداً كبيراً من طرف المهنيين وفناني الصناعة التقليدية، دام 6 سنوات متواصلة من البناء وخلال هذه الفترة انهمك 2500 عامل، و 10 آلاف من فناني الصناعة التقليدية في تشييد الزخرفة التي تملأ المسجد من أبوابه وحتى قاعات الوضوء، مروراً بالمئذنة وقاعة الصلاة وشرع في بناء مسجد الحسن الثاني عام 1987، تم أكمل بنائه ليلة المولد النبوي يوم 11 ربيع الأول 1414 هـ، الموافق 30 أغسطس/ آب من العام 1993، وذلك في السنوات الأخيرة من حياة الملك الراحل الحسن الثاني، والد العاهل المغربي الملك محمد السادس.
وبُني مسجد الحسن الثاني عبر اكتتاب وطني، دام 40 يوماً وشارك فيه المغاربة بمختلف فئاتهم المجتمعية، وتقول وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إن مجموع مساهماتهم فاق 30 مليون درهم مغربي، أي ما يُناهز 3,13 مليون دولار أمريكي حالياً، إلا أن المبلغ حينها كان يُساوي قيمة أكبر بكثير.
مرافق متعددة
وتبلغ مساحة المسجد نحو 90 ألف متر مربع، وتصل طاقته الاستيعابية الإجمالية إلى 105 آلاف مصل، منها 25 ألفًا هي الطاقة الاستيعابية لقاعة الصلاة الرئيسية و80 ألفا هي الطاقة الاستيعابية لساحته الخارجية والطابق تحت الأرضي مخصص للوضوء، حيث توجد نحو 1400 نافورة و600 صنبور، موزعة على قاعات مُزركشة بفنون الصباغة التقليدية المغربية، التي تمتد لأكثر من 9 قرون.
ولا يقتصر المسجد على الصلاة والمرافق التابعة لها، بل أنه أيضاً بات مكانا لتعلم علوم القرآن، إذ خُصص جانبه الشرقي لإنشاء مدرسة لعلوم القرآن، تهدف إلى تعليم الجيل الجديد العلوم الشرعية واللغوية، على نهج ما كان يدرس في جامعة القرويين ومن المرافق التابعة للمسجد، مكتبة عامة تقدم خدماتها للقراء بمختلف الفئات العمرية، وتوجد بها مئات الكُتب القيمة. ناهيك عن المتحف الذي يضم أهم منشآت الصناعات التقليدية التي تم اعتمادها في بناء المسجد وفى عام 2012، تم استحداث أكاديمية الفنون للصناعة التقليدية لتخريج مهندسين في كل ما يخص المجال التراثي المعماري المغربي، بغرض ضمان بقائه وتمريره للأجيال القادمة.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
باحث مغربي يقترح صلاة جماعة "افتراضية" لمواجهة وباء "كورونا"
مسجد الحسن الثاني في المغرب تحفة معمارية إسلامية عملاقة
أرسل تعليقك