الشابندر ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في مقهى مرّ قرن على افتتاحه
آخر تحديث GMT11:48:45
 العرب اليوم -

شهد خلاله ثورات وانقلابات وتفجيرات مختلفة في أرجاء البلاد

"الشابندر" ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في "مقهى" مرّ قرن على افتتاحه

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - "الشابندر" ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في "مقهى" مرّ قرن على افتتاحه

مقهى الشابندر
بغداد – نجلاء الطائي

الذي يجلس في مقهى الشابندر، الكائن في شارع المتنبي ببغداد، لا يشعر أنه يأتي لقضاء الوقت أو للتسلية وشرب الشاي، فأغلب رواد المقهى الشهير، يأتون ليتزودوا من الثقافة والأدب من خلال ما تجري من محاورات وأحاديث في هذا المجال، فضلاً عن كونه ملتقى للأدباء الوافدين من المحافظات الأخرى، لغرض زيارة شارع المتنبي، لذا فهو برأي الكثيرين، حلقة أدبية وخيمة بغدادية لكل مثقفي العراق.

في قلب شارع المتنبي في وسط بغداد، أمضى عبدالفتاح النعيمي معظم سنوات عمره على طاولات مقهى الشابندر الذي مر قرن على افتتاحه شهد خلاله ثورات وانقلابات وتفجيراً واستحال "قِبلة المثقفين"، ويقول النعيمي، وهو باحث وأحد الرواد المواظبين في المقهى التاريخي "آتي إلى هنا منذ أكثر من 60 عاما ، منذ كان عمري 17 عامًا".
ويضيف بابتسامة ونبرة افتخار "أجلس هنا من الساعة التاسعة حتى الثانية أو الثالثة بعد الظهر، إلى أن يغادر الجميع".

يعود تأسيس مقهى الشابندر إلى العام 1917، وسمي باسمه الحالي الذي يعني كبير التجار باللغة التركية العثمانية، نسبة إلى صاحب المطبعة التي كانت في المكان عبدالمجيد الشابندر، ليصبح بذلك أول المقاهي التي تفتتح في المنطقة.

المبنى الواقع على إحدى زوايا شارع المتنبي، مصمم على الطراز المعماري البغدادي القديم الذي يستخدم فيه الطوب والجص، وتشهد هذه الفخامة العمرانية القديمة على التاريخ الذي عايشه هذا المكان.

الشابندر ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في مقهى مرّ قرن على افتتاحه

يقول صاحب المقهى منذ العام 1963 الحاج محمد الخشالي، الذي يرتدي دشداشة بيضاء تكسرها ألوان أحجار الخواتم في يده اليمنى، "اليوم صار عمر المقهى مئة عام. أنت تجلس في كتاب تاريخ"، ويرجع الخشالي بذاكرته إلى السنوات الأولى من استلامه لإدارة المقهى ويقول "قررت حينها منع كل أنواع التسالي، من دومينو وأوراق لعب".

ويضيف "تعهدت على نفسي أن يكون هذا المكان منتدى أدبيا، وهذا ما حصل".
منذ مطلع التسعينيات، وفي ظل الحصار الدولي الذي فرض على العراق، تحول شارع المتنبي ومقهى الشابندر خصوصا إلى ملتقى للمثقفين، ليصبح بعدها يوم الجمعة موعدا لكرنفال ثقافي أسبوعي.

واكب الشابندر ثورات مفصلية في العراق، بدءً من "ثورة العشرين"، مرورا بـ"ثورة 14 تموز" 1958 و"حركة 8 شباط/فبراير" 1963، وصولا إلى الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، إضافة إلى اجتياح تنظيم "داعش" للبلاد في العام 2014. لكن هذا التاريخ، أبى إلا أن يسجل اسم المقهى فيه بالدم.

ففي آذار العام 2007، استهدف شارع المتنبي التاريخي بما فيه المقهى بسيارة مفخخة، أودت بحياة العشرات، ودمرت أشهر المكتبات التي التهمتها النيران، وفي ذلك اليوم، تحول الشارع إلى ركام وأنقاض، قضى تحتها حفيد وأربعة من أبناء الخشالي.

يستذكر الحاج الثمانيني تلك الحادثة بغصّة، ويرفض الحديث عنها قائلا "الحمدلله على كل شيء"، صار للمكان اسم ثان هو "مقهى الشهداء"، كتب بخط صغير على اللافتة المعلقة عند مدخله، في الداخل، تحكي جدران القهوة الشعبية تاريخا طويلا من الحياة البغدادية والعراقية عموما، بعشرات الصور المعلقة التي تعود لأكثر من مئة عام شهد عليها ملوك وأمراء وزعماء من العراق وخارجه.
من الملك فيصل، ورئيس الوزراء العراقي في العهد الملكي نوري السعيد، وصولا إلى عبدالكريم قاسم أول حاكم للعراق بعد انهيار الملكية، كان المقهى منطلقا للعديد من التظاهرات التي مرت بها البلاد في القرن العشرين، وخصوصا تلك التي ندد بها العراقيون بمعاهدة بورتسموث في العام 1948.

يقول النعيمي المتأنق ببزة رسمية بنية وربطة عنق منتقاة وشعر أبيض مصفف بدقة، "هذه مدرسة متنوعة (...) أنظر هنا، لا يوجد أحد من الموجودين ليست لديه بصمة على الحركة الوطنية، من نساء ورجال".

ويضيف "كنت أتردد إلى هذا المقهى، المختص بالثقافات المتعددة. لم يقتصر على جهة معينة أو مذهب معين أو ثقافة معينة، كان يضم الكل"، وبين المقاعد الخشبية التي يتسع كل منها لثلاثة أشخاص، تعلو أصوات النقاشات السياسية والثقافية وحتى الفنية، تخرقها ندهات الزبائن "شايات اثنين آغاتي".

فيتنقل نُدل المقهى رافعين الصواني التي تحمل أقداح الشاي، فيحركونها على أكفهم بفن وخفة كأنهم يقدمون لوحة راقصة، وفي وسط هذا الازدحام، يجلس الشاب رماح عبدالأمير وفي يده كتاب عن التاريخ الحديث للسياسة.

يقول ابن الأعوام السبعة عشر إن المقهى "بات يشكل معلما تراثيا من بغداد القديمة. إرث لا يمكن التخلي عنه"، ويضيف "هذا المكان صار قِبلة للمثقفين، ومدرسة تتناقلها الأجيال".
ولهذا، يعتبر النعيمي أن "هذا المكان أنتج مدارس فكرية"، ويضيف "هنا الجميع يحترم أفكار الجميع، وأنا أدافع عن فكرك ولو أختلف معك، حتى الموت".
 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشابندر ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في مقهى مرّ قرن على افتتاحه الشابندر ذاكرة العراق الثقافية تتجسد في مقهى مرّ قرن على افتتاحه



GMT 06:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 09:52 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام
 العرب اليوم - أحمد حلمي يكشف تفاصيل لقائه بتركي آل الشيخ وجيسون ستاثام

GMT 10:40 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو
 العرب اليوم - الكرملين ينفي طلب أسماء الأسد الطلاق أو مغادرة موسكو

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس

GMT 07:06 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مقتل 6 في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين بغزة

GMT 17:33 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

حرب غزة ومواجهة ايران محطات حاسمة في مستقبل نتنياهو

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab