القاهرة- العرب اليوم
في مصر بدت صناعة النشر مثل أرض محروقة وتكبدت خسائر فادحة عبر عام ونصف العام من جائحة كورونا، ورغم مظاهر التعافي التي بدت مؤخراً على استحياء، فإن الأمر لا يزال مرتبكاً.
فبلغة الأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل، يستعرض سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين الظلال الكئيبة التي ألقت بها الجائحة على صناعة النشر، موضحاً أن عدد معارض الكتاب التي يشارك بها الناشر المصري والعربي تبلغ محلياً ودولياً 31 معرضاً، بما فيها معرض فرانكفورت، مشيراً إلى أن هذه المعارض ألغيت بالكامل، ما شكّل خسارة فادحة، لأنها تساهم بشكل مباشر في نحو 55 في المائة إلى 60 في المائة من دخل الناشرين العرب.
ويشير «عبده» إلى أن نحو 35 في المائة من دور النشر المصرية توقفت تماماً عن العمل، فيما تسعى الدور المتبقية إلى الصمود في وجه العاصفة من خلال إصدارات تهدف في المقام الأول إلى الوجود وعدم الاختفاء نهائياً من المشهد العام، لافتاً إلى أن هناك أكثر من 50 ناشراً لقوا حتفهم حتى الآن منذ بداية تفشى جتئحة كورونا.
من جهته، يشير محمود عبد النبي، مدير عام منشورات «إبيدي» إلى أن الجائحة عصفت بقطاعات كثيرة حول العالم، إلا أن صناعة النشر من الصناعات التي تضررت بشكل بالغ ومباشر، مثلها مثل السياحة والطيران ؛ حيث توقفت المطابع تماماً وتوقف التوزيع وتوقفت معارض الكتاب، وبالتالي توقفت دور النشر عن استقبال أعمال جديدة لتأخذ طريقها للنشر، وانعكس ذلك كله بالسلب علي الحركة الثقافية كلها.
ويوضح أنه كناشر اتخذ عدة إجراءات لتخفيف تلك الآثار السلبية للجائحة، منها توصيل الكتب «أونلاين» وإقامة معرض كتاب افتراضي على موقع الدار، فضلاً عن عرض أجزاء من بعض الكتب مجاناً على صفحة الدار والموقع الرسمي كي يظل القراء على تواصل، مضيفاً أنه قام خلال تلك الفترة باستقبال بعض الأعمال التي كانت خارج خطة النشر، والاستعداد للمشاركة بأي فعاليات مستقبلية، ولا سيما معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث أصدر 63 عملاً جديداً وسط توقعات وآمال تحدو الجميع بعودة النشاط، إلا أن الحضور الجماهيري في النسخة الماضية من المعرض لم تفِ بالمطلوب حيث انخفضت المبيعات إلى 50 في المائة.
ويؤكد «عبد النبي» أنه على صعيد المعارض الدولية للكتاب، كان يشارك في أكثر من 8 إلى 10 معارض سنوياً علي الأقل، لكن منذ ظهور فيروس كورونا تقلص العدد، ولم تشارك الدار إلا بـ3 معارض؛ بغداد، ثم أبوظبي، ثم القاهرة، ما أثّر سلباً على مبيعات بعض الأعمال التي كانت الدار تراهن عليها.
ويلفت مدير عام «إبيدي» إلى أن الدار استعدت جيداً لمرحلة ما بعد الجائحة من خلال إصدار ما يربو على 60 كتاباً ستخوض بها تجربة دورة معارض عربية على أمل تعويض جزء من خسارتها خلال العام ونصف العام الفائت، مثل معرض عمان الدولي للكتاب (23 سبتمبر – أيلول) المقبل، يليه معرض الرياض (أول أكتوبر - تشرين الأول) ثم معرض الشارقة في (نوفمبر - تشرين الثاني).
ومن جانبه، يؤكد شريف بكر، مدير النشر بدار العربي، أنهم كانوا يشاركون في 8 معارض على الأقل سنوياً بشكل مباشر، بخلاف 8 معارض أخرى كانوا يشاركون فيها عبر آخرين. وبسبب «كورونا» تقلص كل هذا إلى معرضين فقط.
ويكشف بكر عن مفاجأة، فقد توقعوا أن الانخفاض الحاد في إصدارات دور النشر الأخرى سوف ينتج عنه فراغ كبير في سوق الكتاب، وبالتالي ضاعفوا من إنتاجهم الذي بلغ في ذروة «كورونا» 90 عنواناً جديداً، 50 منها أعمال مترجمة، وهو ما يتفوق على إنتاج جهة متخصصة مثل المركز القومي للترجمة. أيضاً أصدروا سلسلة لروايات الجريمة المترجمة حققت نجاحاً، لكنه ليس النجاح المنشود في الظروف العادية.
وعلى العكس، فإن نورا رشاد، المدير التنفيذي للدار المصرية اللبنانية، اتجهت لتخفيض عدد العناوين لديها بشكل كبير نظراً لإلغاء إقامة كثير من المعارض العربية التي كانت الدار تشارك فيها جميعاً، مشيرة إلى أن أزمة «كورونا» جعلتها تركز على حلول بديلة مثل تنشيط البيع الإلكتروني عبر منصات قوية، مثل «أمازون» و«جوجل بلاى» وغيرهما، فضلاً عن تحويل الكتاب الورقي إلى كتاب صوتي، وهي الظاهرة التي شهدت رواجاً في الفترة الأخيرة. وترى رشاد أن خطر الجائحة لا يزال قائماً، وربما يستمر لفترة طويلة، لذلك يجب التحسب وبلورة نظرة ومنهج جديدين للنشر، لتحاشي التوقف وتكبد خسائر فادحة.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك