الفيلم السعودي المسافة صفربين السرد المتأنِّي والغموض المُربك
آخر تحديث GMT13:21:52
 العرب اليوم -

يعتمد على التشويق والأجواء الغامضة للسيطرة على المشاهد

الفيلم السعودي "المسافة صفر"بين السرد المتأنِّي والغموض المُربك

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الفيلم السعودي "المسافة صفر"بين السرد المتأنِّي والغموض المُربك

الفيلم السعودي "المسافة صفر"
الرياض _ العرب اليوم

يسعى السرد الروائي السينمائي دائماً إلى أسر انتباه المشاهد منذ اللحظات الأولى لعرض الفِلْم، فيبذل المخرجون قصارى جهودهم ليضمنوا ذلك. وهذا ما سعى إليه المخرج السعودي الشاب عبدالعزيز الشلاحي في تحقيق فيلمه الطويل الأول “المسافة صفر"، ونجح بالفعل في جعل فيلمه هذا جذَّاباً وشيِّقاً وغامضاً في الوقت نفسه.

عادة، يتوقَّف عنصر الجذب في اللحظات الأولى من أي فِلْم، ومن ثم طوال مدة عرضه، على توفُّر عدد من العناصر الأساسية التي غالباً ما تختلف بين فِلْم وآخر، ولكنها تبلغ أهميتها القصوى في أفلام التشويق والغموض.

ومن أهم هذه العناصر الممكِّنة من الاستحواذ على انتباه المشاهد الإيقاع السردي المتسارع، والحدث المفاجئ، والمونتاج الذي يكفل تداخل اللقطات بمددها الزمنية التي يُستحسن أن تكون قصيرة، فتؤدي بالمشاهد إلى الترقُّب وتشدُّ حواسه وعقله، وغير ذلك.. ولكن الشلاحي لم يتبع كل ذلك في فلمه "المسافة صفر" الذي جاء بهذا العنوان للإشارة إلى أن لا مسافة على الإطلاق بين البطل والفاعل المؤثر في مجرى الأحداث.

تبلغ مدة عرض هذا الفلم 73 دقيقة، كتبه للشاشة مفرج المجفل، أنتجته جمانة زاهد بدعم من مركز إثراء، وقام ببطولته كلٌ من خالد الصقر، ويعقوب الفرحان، وأسامة صالح، وعبدالله الزيد، وإبراهيم الحساوي، وإلهام علي.

ولو تأملنا التقنية التي اتبعها المخرج عبدالعزيز الشلاحي، سنجد أنه اعتمد على إيقاع بطيء، سواء في حركة الكاميرا أو طول اللقطات، وحتى في حركة الممثلين وحواراتهم، وكذلك في المؤثرات البصرية والصوتية والضوئية. وبالتالي، تخلَّى عن الإيقاع المحموم والحوارات المتوترة والأداء المشحون بالحركة السريعة والانفعالات العاطفية الحادة. فهل هذه ميزة الفلم أم نقيصته؟

الجريمة والغموض في الحبكة

تدور أحداث فِلْم "المسافة صفر" في عام 2004م، حول "ماجد" (خالد الصقر) المصوِّر الفوتوغرافي وصاحب استوديو تصوير في وسط العاصمة الرياض، ورفيقه "لامي" (يعقوب الفرحان) الذي أُودع السجن بتهمة الضلوع في الإرهاب.

وبعد أن هرب ماجد من ماضيه المضطرب، يجد نفسه وسط واقع غريب، عندما يعثر فجأة على علبة دواء لعلاج اضطرابات الذاكرة تحمل اسمه. كما يجد صورة لجثة على أرض شقته، ومسدساً ذا رصاصة ناقصة في سيارته، وغير ذلك من مفارقات وأمور غير متوقعة تؤكِّد إصابته بالألزهايمر والنسيان المتكرر، فيحاول جاهداً بمعاونة خطيبته "أبرار" (إلهام علي) إبعاد شبح المرض، ومن ثم الشبهة الجنائية التي حاصرته بها القرائن والأدلة من كل جانب.

منذ اللحظات الأولى، يبدأ الفلم ببث التشويق والأجواء الغامضة يجعلهما يسيطران على المشاهد، ويزدادان مع مرور الأحداث، حيث تتولد الأسئلة: هل ماجد فاقد للذاكرة فعلاً؟ أم أن أحداً يريد أن يوهمه بذلك، ويُعد له العدة ويخطط بمكر ودهاء بمعاونة عدة أشخاص لتوريطه في جريمة قتل لم يقترفها؟ ثم ما الدافع للقتل؟

استرجاع متداخل

لا جدال في أن أفلام الجريمة تكون دائماً مغلَّفة بالغموض، ولها توليفة خاصة تعتمد على الحبكة المترابطة والمناسبة بإيحاء مكثَّف، لتوليد الأسئلة الحائرة لدى المشاهد، بهدف إثارة حب الاستطلاع والتنبؤ بما سيجري من أحداث لتبديد الغموض. وبالطبع، فإن ذلك يأتي وفق منطق القصة التي يكتنفها الغموض، ولا يكتمل حلّ خيوطها سوى في المشهد الأخير.

ولتحقيق التشويق، اتبع المخرج في سرده لأحداث الفيلم على البدء من النهاية؛ أي إنه يطالعنا في المشهد الأول بمنظر جثة على الأرض غارقة في دمائها، فيما يقف ماجد مذهولاً من المنظر الذي أمامه. ثم يبدأ الفلم بالاسترجاع التسلسلي للأحداث؛ ليضع المشاهد في بؤرة الصراع الذي يفسِّر معنى وجود هذه الجثة. بما يؤكد بالقطع أن الميت تعرَّض للقتل، ولم يمت لسب آخر كالانتحار أو السقوط من مكان عالٍ. ولكن منظر الجثة يفاجئ صاحب المنزل ماجد الذي يبدأ بالتقصي عبر "الفلاش باك"

غير أن استرجاع الأحداث لا يسير في وتيرة منتظمة؛ إذ يتنقَّل بين مشاهد عديدة متداخلة؛ فتظهر شخصيات جديدة في كل مرَّة، وفي ذلك ما قد يكون مربكاً للمشاهد، غير أن المخرج صاغها بمنطق يقبله العقل، وهذا ما أضفى على الفلم طابع الجذب الذي أشرنا إليه في البداية.

وحرص صانع الفلم على تجويد محاكاة الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث، عام 2004م، فتذهب الكاميرا إلى الأماكن الحقيقية التي برزت في تلك الفترة، وتصوِّر الأحداث ضمن البيوت، والشوارع، والسيارات، ومدرسة البنات، وقسم الشرطة وغيرها، كما كان كل شيء في تلك السنة. وهي سنة ليس بعيدة كثيراً عنا الآن، لكن استرجاع التفاصيل الخاصة بها والمحافظة عليها تتطلب تركيزاً مكثفاً حتى لا يظهر ما يخل بزمن الرواية.

تميَّزت تلك الفترة الزمنية بتأثيرات التطرف الديني الذي أحدث تغييراً كبيراً في مفهوم الصحوة الدينية. وبسببه اختلطت المفاهيم لدى الشباب المنحازين والمنتمين للتيارات الدينية المتطرفة. ولكن الفلم لم يكن واضحاً في طرحه، وبدا الأمر وكأنه إقحام غير متجانس مع قصة الفيلم. فالحوار الذي يجري في المسجد يبدو حواراً منفصلاً لا يمت لقصة الفلم بصلة، رغم أنه مهم، إذ نخرج منه بفهم لمدى تأثُّر الشباب بشيوخهم، (وفاة الشيخ راجح). ورغم ما في المشهد من إجادة في الحوار والملابس والمكياج الذي بدا طبيعياً، نبقى نتساءل: من هما هذان الشخصان؟ الفيلم لا يقدِّم تمهيداً منطقياً للتعريف بالشخصيتين.

تأصيل الواقعية

تشدِّد التفاصيل البصرية في هذا الفيلم على جعله يبدو حقيقياً بلغة فنية تلامس الواقع. فبداية من عنصر التمثيل الطبيعي الذي أتقنه الممثلون جميعاً، فبدأوا في حالة تقمص كاملة، إلى الاهتمام بدقائق الخصائص الاجتماعية التي تميِّز أهل منطقة الرياض، مثل العلاقات بين أصحاب المحال التجارية، والعلاقة بين شاب وفتاة تربطهما علاقة حُب ووعد بالزواج ضمن العادات والموروث الاجتماعي، وصولاً إلى الأماكن الحقيقية والاستعاضة عن مواقع التصوير المصنوعة، كل ذلك يعزِّز الشعور بالمصداقية الفنية والصناعة السينمائية المجوّدة.

كما أن فهم "أبرار" لحالة خطيبها "ماجد"، وتفسيراتها لما يحدث له بحس أنثوي يرجح أن ماجد بصحة جيدة، هو أيضاً من النقاط التي تقرِّب من الواقعية، إنه إحساسها الصادق، والتفسير الواعي بالمنطق العقلاني الأنثوي... (النسيان رجل والذاكرة امرأة) هكذا قالت أبرار لماجد.

وفي مشهد مهم، نرى شخصاً يدعى مروان، خارجاً من السجن، يقابل ماجداً ويقول له إنه مدين له بنصف ما يملك، وإن لديه يومين لتسديد ما عليه. ولا يكون هناك مبرر واضح لذلك التهديد.

في كل تلك الأحداث يحاول المتفرج إيجاد إجابة عن أسئلة من نوع: ما هو مبرِّر جريمة القتل التي حدثت؟ ومن هو القاتل؟ ولماذا يريد القاتل توريط ماجد والزج به في السجن؟

في المشهد الأخير من الفلم يكشف صديق ماجد، لامي، عن دافعه لقتل مروان، وتوريط ماجد في ذلك، فيقول: "أحياناً تحس بأن شيئاً خانقك، تحس أنك لا تستطيع أن تكمل حياتك إلا إذا قتلته. تقتله ليس حتى تفوز، حتى تتعادل؛ فقط تتعادل".

ينتهي الفلم ولا تزال الأسئلة حائرة..

المُخرج والفِلْم

• حصل المخرج عبدالعزيز الشلاحي على جائزة أفضل مخرج في مهرجان الأفلام السعودية عام 2016م.

• من أبرز أفلامه «عطوى» 2015م، و«كمان» 2016م، و«المغادرون» 2017م.

• بلغت تكلفة إنتاج فلم "المسافة صفر" نحو 350 ألف دولار.

• حاز جائزة أفضل سيناريو في مسابقة أيام الفلم في عام 2017م. وجائزة أفضل فِلْم روائي طويل في مهرجان أفلام السعودية 2019م. وجائزة أفضل إنجاز سينمائي في مهرجان الإسكندرية السينمائي 2019م.

• وشارك في المسابقة الرسمية في الدورة الثانية من مهرجان الدار البيضاء للفلم العربي الذي حاز فيه الممثل خالد الصقر شهادة.

• وشارك في الدورة السابعة من مهرجان الشارقة السينمائي الدولي.


قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :

انطلاق فعاليات مهرجان الشارقة السينمائي للطفل

مهرجان الشارقة يؤكد أن الفنون تلعب دورًا مهمًا في تشكيل وعي الأفراد

 

arabstoday
المصدر :

Wakalat | وكالات

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفيلم السعودي المسافة صفربين السرد المتأنِّي والغموض المُربك الفيلم السعودي المسافة صفربين السرد المتأنِّي والغموض المُربك



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 15:16 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

"يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة
 العرب اليوم - "يوتيوب" يطلق أدوات جديدة لتحسين الجودة

GMT 12:06 2025 الإثنين ,27 كانون الثاني / يناير

أنغام في أول حفل بعد أزمة عبد المجيد عبدالله
 العرب اليوم - أنغام في أول حفل بعد أزمة عبد المجيد عبدالله

GMT 03:07 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الثنائي الشيعي في لبنان... ما له وما عليه!

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 03:23 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الذكاء بلا مشاعر

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

حكومة غزة تحذر المواطنين من الاقتراب من محور نتساريم

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 11:21 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

جريمة مدبّرة ضد شقيق عمرو دياب

GMT 16:22 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

"برشلونة يمدد عقد جيرارد مارتن حتى 2028"

GMT 16:01 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

ريهام حجاج تخوض تجربة جديدة وتعلن سبب غيابها سينمائياً

GMT 10:55 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

الجيش الإسرائيلي يحذر اللبنانيين من التوجه إلى الجنوب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab