غزة – محمد حبيب
غزة – محمد حبيب
تعد كنيسة القديس بيرفيريوس من أقدم الكنائس الأثرية في البلدة القديمة في مدينة غزة، حيث بنيت سنة (425م) بمسعى (القديس بيرفيريوس)، وقد سُميت باسمه، وهي تحوي ضريحه الآن، كما تُسمى بـ(كنيسة المقبرة)، وتعرف محلياً باسم (كنيسة الروم الأرثوذكس).
ومن اللافت للنظر أن هذه الكنيسة تعانق في بنائها مسجد "كاتب ولاية" التي تقع ملاصقة
له حيث سمي المسجد بهذا الاسم نسبة إلى أحمد بيك "كاتب ولاية" والذي كان يقوم بإرسال الرسائل في زمن العصر العثماني إلى مدن الدولة الإسلامية، وفى عصره تم إعادة ترميم المسجد عام (995هـ، 1586م)، على نفقته الخاصة، وما يوضح هذا الكلام البلاطة الرخامية والتي بُنيت ووضعت أعلى باب الجامع الشمالي.
وبنيت هذه الكنيسة التاريخية والتي تعتبر من أقدم الكنائس في فلسطين بعد كنيستي المهد والقيامة في القرن الرابع الميلادي ومازال قبر القديس برفيريوس الذي توفي عن 73 عاما في الكنيسة.. حيث يحتفل المسيحييون في غزة في اليوم العاشر من شهر آذار من كل عام بعيد هذا القديس.
وتقع كنيسة القديس برفيريوس على مساحة ما يقارب ( 216 متر مربع ) في أحد أقدم الأحياء الشعبية بغزة وهو حي الزيتون. ولها بابان رئيسيان الباب الغربي المؤدي إلى المدخل الرئيسي للكنيسة والباب الشمالي، وقد فتح لها باب إضافي حل محل الشباك الجنوبي من أعلى وذلك ليكون مدخلاً ثالثً للكنيسة وهو مؤدي إلى الطابق العلوي عبر درجين يمتدان نزولاً إلى قاعة المدخل الرئيس التي تمتد إلى الهيكل.
وفي أحدى جنبات كنيسة الأرثوذوكس من الجهة الشمالية يوجد مقبرة على مساحة 600مترا مربعا تقريبا، ما زال يدفن فيها المسيحيين أمواتهم، وهى مقبرة صغيرة وقديمة جداُ يوجد بها قبور ترجع إلى عام 1790 م ويقع مدخل المقبرة من داخل ساحة الكنيسة.
وقد استغرق بناء هذه الكنيسة حسب المؤرخين ما يقارب الخمس سنوات من عام 402م وحتى عام 407م حيث دشنت هذه الكنيسة باسم كنيسة أفظوكسيياني نسبة إلى الإمبراطورة أفظوكسييا. وبعد موت القديس البار سميت باسم كنيسة القديس ( برفيريوس ).
ولـــد القديس برفيريوس في مدينة سالونيك في اليونان سنة 347م بعد الميلاد وعند بلوغه سن الثلاثين ذهب إلى مصر وعاش خمس سنوات ناسكًا، ومن ثم ذهب إلى القدس وزار الأماكن المقدسة فيها.
وسكن في البرية المجاورة لنهر الأردن ناسكا حتى عام 382م حيث مرض فجيء به إلى مدينة القدس وأقيمت صلاة خاصة من أجل القديس وشفى برفيريوس.
وفي سنة 392م سمى كاهنًا وعمل خوري في كنيسة القيامة، وبعد ثلاث سنوات أي في 18/3/395م سمى مطرانًا لمدينة غزة حيث كان المسيحيون في مدينة غزة قلة، وكانوا يشهدون للمطران بالقداسة وحنكة الوعظ فاختير لتعليم الناس ولتأسيس كنيسة المسيح في غزة.
وفي 21/3/395م نزل إلى غزة برفقة الشماس مرقص الذي كتب تاريخ حياة هذا القديس لأنه كان معه طيلة أيام حياته في مدينة غزة ولأن معظم الناس في غزة في ذلك الوقت كانوا وثنيين فقد رفضوا استقبال القديس برفيريوس، ووضعوا الحجارة والقاذورات في الشارع المؤدي إلي مدينة غزة.
وفي نفس السنة وحسب المؤرخون حدث جفاف ولم تسقط الأمطار فقام الوثنيون بالصلاة لأصنامهم سبعة أيام، ولم يستطع برفيريوس أن يدخل لأن الوثنيين كانوا قد أغلقوا بوابات السور الذي كان يحيط بالمدينة ، حينئذ وقف خارج السور يصلى فاستجاب الله لصلاته وهطلت الأمطار كما فعل النبي ( إيليا ) على جبل الكرمل فاغتاظ الوثنيون من هذه الآية وكان المسيحيون في تلك الفترة يلاقون الكثير من الاضطهاد والعذاب، فلم يسلم خادم وشماس المطران من الضرب، وكان الوثنيون إذا وجدوا أحدهم داخل السور يلقونه خارجها، ونتيجة ذلك أرسل القديس برفيريوس الشماس مرقص برسالة إلى القسطنطينية (اسطنبول) ليسلمها للقديس يوحنا ( ذهبي الفم) الذي كان بطريركًا في ذلك الوقت… ليقوم بدوره بإبلاغ الإمبراطور أركاديوس بأحوال المسيحيين في غزة، فأصدر الإمبراطور أوامره بإغلاق أماكن عبادة الأوثان في المدينة، وكان الإمبراطور في ذلك الوقت حاكمًا على كل الشرق، وكان مبعوث الإمبراطور إيلاريوس على رأس هذه الحملة يقبل الرشوة مقابل ترك الوثنيين وشأنهم، فأدى ذلك إلى إعطائهم الفرصة للقيام بثورة ضد الإمبراطور وفي سنة 402م سافر المطران برفيريوس والمطران يوحنا مطران كيساريا إلى القسطنطينية عند البطريرك يوحنا (ذهبي الفم) بطريرك القسطنطينية حيث ذهبوا معه إلى مقر الإمبراطورة أفظوكسييا زوجة الإمبراطور أركاديوس لطلب المساعدة ورغم أنها كانت على خلاف مع القديس يوحنا إلا أنها كانت تعمل الخير فباركوها وتنبأوا بأنها ستنجب طفلاً فوعدت إن صدقت النبوءة أن تساعدهم، وكان لها نفوذ عند زوجها الإمبراطور وفي نفس السنة أنجبت الإمبراطورة طفلاً. وفي يوم ُعماد الطفل قالت للقديس برفيريوس أكتب ما تريد من مساعدات وأعطه للإشبين في يوم العماد، والإشبين يضع الطلبات على رأس الطفل وعند تقديم الطفل لأبيه يضع المكتوب على رأس الطفل، ويقول وافقت الحكومة على طلبات القديس برفيريوس دهش الإمبراطور من هذا الأمر إلا أنه وافق وأمر بهدم أماكن عبادة الأوثان حتى لا يبقى لها أثر، ولما رجع المطران برفيريوس مع مطران كيساريا دخلوا المدينة في احتفال عظيم وأقيمت الصلوات وهدمت أماكن عبادة الأوثان، وبعثت الإمبراطورة المال والمهندسين والحجارة من المرمر عن طريق أنطاكيا مع المهندس روفيتوس ووضع القديس برفيريوس حجر الأساس للكنيسة التي استغرق بناؤها خمس سنوات وصار تدشينها في 14/4/407 م وكان اسمها الأول أفظوكسيياني نسبة للإمبراطورة ، وبعد أن توفي القديس برفيريوس عن عمر 73 عاماً بتاريخ 26/2/420م الموافق 10/3/420م غربي دفن في الكنيسة وما يزال قبره فيها حتى اليوم وصار اسم الكنيسة ( كنيسة القديس برفيريوس ) وفي اليوم العاشر من الشهر الثالث من كل عام يحتفل المسيحيون في غزة بعيد هذا القديس البار.
تعتبر الطائفة المسيحية الأقل عددا في غزة تنتمي للأقباط وعددها خمسة أشخاص من عائلة واحدة وحوالي عشرين شخصاً آخرين من الطائفة البروستانتيّة ومائتين من الكاثوليك والبقية من الروم الأرثوذكس، وجميعهم يعيشون تحت الحصار بعد وضع الاحتلال الاسرائيلي شروطاً تمنع المسيحي والمسيحية منذ سن السادسة عشر وحتى الخمسة وثلاثين عاما من مغادرة القطاع إلى مدن الضفة الغربية للصلاة أو الاحتفال بالأعياد أو زيارة الأقارب. وهذا بحسب مدير العلاقات الدينية في الكنيسة الأرثوذكسية جبر الجلدة.
أرسل تعليقك