بغداد – نجلاء الطائي
ما زلت اتذكر تلك الليالي الرمضانية التي نقضيها مع العائلة ونحن نجتمع سوية على مأدبة الافطار، اذ كنا ننتظر بلهفة لنسمع صوت مدفع الافطار ولنعجل في شرب الماء او اكل قطعة من التمر واللبن، فلكل حي عدد من الطقوس التي توارثتها الاجيال الخاصة بشهر رمضان. اما اليوم بدأت بالاختفاء وتلاشت عند الكثير من العوائل العراقية فلم يعد الجيل الحالي يمارسها الا في ما ندر او بطريقة مغايرة.
ففي الماضي لم نمتلك التكنولوجيا التي تجعلنا نرسل رسائل قصيرة لتهنئة الاقارب والاصدقاء بحلول شهر رمضان، وهذا ما جعلنا حاليا نستغني عن الزيارات التي كانت لها نكهة خاصة خصوصا انها كانت تجمع العديد من الاهل والاصدقاء في منزل واحد .
لانعرف سبب ذلك هل هي الحالة الاقتصادية ،الحالة الاجتماعية ام الوضع الامني ؟هل الطقوس الرمضانية التي توارثناها عن ابائنا واجدادنا في السابق تختلف عما هي الان ؟هل تخلوا الناس عن عاداتهم وتقاليدهم الموروثة في هذا الشهر الكريم ؟هل هناك اناس مازالوا يمارسون تلك الطقوس والتقاليد ؟هناك الكثير من العادات والتقاليد قديما في رمضان يمارسها العراقيون حيث كانت موائد الافطار يقيمها الاهل بالتناوب في كل يوم في بيت من بيوت العائلة على ان يكون الافطار في اليوم الاول من رمضان في بيت كبير العائلة ان كان ابا او اخا او قريبا وتكون هذه الموائد عامرة بكل اصناف الطعام اهمها التمر واللبن والحساء فهي تتكرر يوميا وبعد الافطار بالتمر واللبن يتجمعون ليصلوا صلاة المغرب جماعة ثم يعودون لاكمال افطارهم وبعد الافطار يتم تناول الشاي .
من التقاليد المتوارثة الاخرى كان الجيران قديما يتبادلون يوميا الاطعمة، فالاطباق كانت تدور بين منازل الحي طوال الشهر الكريم فهي موروث اجتماعي يحافظ عليه العراقيون فضلاً عن انها اصالة تفتخر بها كل الاجيال .
في هذا السياق اشارت الحاجة ام رسول 73سنة من سكنة مدينة الكاظمية المقدسة ،ان الناس في هذا الشهر الكريم لهم عاداتهم وتقاليدهم وابرزها تبادل الاطعمة بين الجيران في وقت الفطور وهذه العادة تتعدى الى وقت السحور الى حد تصل اننا ذات مرة تسحرنا سوية على مائدة واحدة .
اما ام علي تطرقت الى ان تبادل الاطعمة بين الجيران اصبح حالة نادرة ولا تحدث الافي المناطق الشعبية مازلنا نتمسك بهذه العادات والتقاليد الرمضانية بهذه العبارات اشارت السيدة ام اسامة من منطقة حي العامل ،اننا مازلنا نتمسك بتبادل الاطعمة بين جيراننا فهذه العادة لها نكهة خاصة اننا نفرح عندما يأتينا صحن قبل الافطار كما نفرح بالصحون التي نتبادلها مع الجيران فهي تدل على الكرم .
فيما تحدثت السيدة ام مصطفى 47 سنة عن تقاليد رمضان في وقت السحور حيث هناك اشخاص مسؤولون يقومون بأيقاظ الصائمين يدعى (ابو الطبل ) ولكل منطقة او حي لها (ابو الطبل )الخاص بها حيث يتجول ليلا هذه العادة وجدت في بغداد منذ زمن العباسيين بعد ذلك في صباح العيد يتجول ابو الطبل على المنازل لتقديم التهاني وتلقي المكافأة (عيدية)جزاء خدمتهم خلال شهر رمضان .
تقاليد رمضانية اخرى يتجمع اطفال الحي ليلا وهم يحملون معهم اكياسا ويطوفون في ازقة الحي ويطرقون الابواب. يخرج اهل البيت لإعطاء الاطفال الحلوى والمعجنات او نقود لشراء مايريدون . هناك العديد من الالعاب الشعبية التي تتزامن مع شهر الطاعة والغفران يمارسها بعض الشباب ليلا في المقاهي منها لعبة (المحيبس) حيث ينقسمون الى فريقين ولكل فريق رئيس ويقوم احدهم بإخفاء المحبس في يد واحد من افراد فريقه وعلى الفريق الثاني معرفة اليد التي اخفي فيها المحبس، فان تم الكشف عليه ينتقل المحبس للفريق الاخر اما اذا لم يكتشف فتحتسب نقطة للفريق وتتكون اللعبة من(21)نقطة يكون على الفريق الخاسر تقديم الحلويات للجميع .
واشارت الى ان العيد اختلفت فيه الزيارات والمعايدات ففي عصر السرعة والتكنولوجيا وجدنا من مسجات العيد وسائل بديلة عن بعض الزيارات التي قد تكون غير متاحة في العيد لضيق الوقت او للانشغالات طارئة او الاكتفاء بالسلام عليه عن طريق الاتصال، مما ادى الى اختفاء 'اللمة' العراقية والالتقاء مع الاقارب .
خلاصة القول ان هذه التقاليد والطقوس الرمضانية بدأت بالانحسار والاندثار مع تقدم العصر والتكنولوجيا، فالأجيال الحالية لاتعرف تلك العادات التي تربى عليها الاجيال التي سبقتهم واصبحت نغمات الجوال سيدة الساعات الرمضانية. كم نتمنى ان تعود تلك الطقوس الجميلة في هذا الشهر الفضيل.
أرسل تعليقك