صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة يتهدّدها خطر الانقراض
آخر تحديث GMT20:36:00
 العرب اليوم -

يعود عمرها إلى أكثر من 100 عام وتوقَّفت دورات تعليمها

صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة يتهدّدها خطر الانقراض

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة يتهدّدها خطر الانقراض

صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة
غزة ـ محمد حبيب


تُعتبر حرفة صناعة الخيزران من الصناعات الغزاوية العريقة التي تُعبِّر عن أصالة التاريخ الفلسطيني، والتي يعود عمرها إلى أكثر من 100عام، فيما يُخشى على تلك الحرفة الانقراض في قطاع غزة بسبب غياب الدورات التدريبية لإتقان وتعلم هذه الحرفة، والحفاظ عليها من الضياع، إضافةً إلى غزو المنتجات الصينية التي أثّرت على الأعمال اليدوية بشكل عام.
فبعد أن كانت تعج البلدة القديمة وسط غزة بمحال الحرفيين الذين يعملون في صناعة الأثاث المنزلي المصنوع من عيدان الخيزران، والذين كانوا يتسابقون ويتنافسون على تزيين واجهات محالهم بأبدع منتجاتهم اليدوية، التي كانت تبدو للمتسوق وكأنها لوحة فنان جميلة بات هذا المشهد مختفيًا تمامًا بشكل مفاجئ.
وأعلن الحرفي طارق خلف: "لقد تعلمت صناعة الخيزران من والدي الذي تعلمها هو أيضًا من جدي قبل أكثر من 100 عام تقريبًا، وذلك عندما انتقل جدي من إلى المدرسة المهنية في القدس ليتعلم حرفة صناعة الخيزران، موضحًا أن جده قام بافتتاح محل للخيزران في القدس، حيث كان هناك إقبال كبير على شراء تلك المنتجات المصنوعة من الخيزران، إلى أن تبدلت الأحوال بعد العام 1948، حينما هجر سكان القدس ويافا من أراضيهم، وكان شأن جدي كشأن باقي أهالي مدينة القدس هاجروا إلى غزة، الذي أكمل عمله في هذه الحرفة في البلدة القديمة في غزة.
وأثناء حديثنا مع خلف انهمك في عمله بسرعة كبيرة وكان يساعده أحد العاملين معه، عازيًا ذلك إلى اقتراب موعد قطع الكهرباء، مبينًا "انقطاع الكهرباء في قطاع غزة 8 ساعات يوميًا من اكبر المشاكل اللي نواجهها"، مشيرًا إلى أن ذلك سيتطلب أيامًا مضاعفه للإنتاج ما يسبب له خسائر واحراجات مع زبائنه، وأثناء الحديث اقتربت الساعة الثانية والنصف ظهرا فانقطع التيار الكهربائي، وقال: "الآن بنتكلم براحتنا خَلَص وقف الشغل لبكرة". فسألته عن معيقات أخرى؟ وبيّنَ أن منع إسرائيل منذ خمس سنوات إدخال المواد الخام لحرفته هي المعوق الأكبر، منوهًا: "كل الخيزران والدبابيس بنجيبها عن طريق الأنفاق وهذا يكلفنا كثيرًا"، مشيرًا إلى ستة أنواع من الخيزران المُهرب يتم استخدامه كالمَطوي الذي يوضع في الماء، والمَلكان العُود والمُقشر الذي يُثني بالنار والقش والأَمُويل والفرعوني.
أما محمد الدالي الذي ترك وآباؤه هذه المهنة فيشير لدويتشه فيله أن المنتج الصيني من الخيزران رغم رداءته إلا انه انتشر في الأسواق لتدني أسعاره عن المحلي مبينا :"انه من بين أسباب تهاوي تلك الحرفة".
أما أحمد سليمان "28 عامًا" صاحب محل الخيزران، يقول: "تعلمت صناعة الخيزران من والدي الذي تعلمها هو أيضًا من جدي قبل أكثر من "80 عامًا" تقريبًا، وذلك عندما انتقل جدي من الصفوف التعليمية في معهد دار الأيتام الإسلامية إلى المدرسة المهنية في القدس لتعلم أي من المهن، وكان نصيبه ونصيبنا من بعده تعلمه حرفة صناعة الخيزران".
وأضاف سليمان "عندما هاجر الفلسطينيون إلى غزة تركوا وراءهم كل شيء فخرجوا من دون أموالهم ولا ممتلكاتهم، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين، مما أثر سلبًا على صناعة الخيزران".
وأعلن: "كان اهتمام الناس في تلك الفترة، "النكبة" منحصرًا على توفير المسكن ولقمة العيش؛ لذلك عانى جدي من قلة العمل لفترة ليست بسيطة، الأمر الذي دفعه للتفكير في السفر إلى أي دولة عربية أخرى للعمل في مجال صناعة الخيزران".
وعن سبب اهتمامه بها حتى اللحظة، بيّن سليمان أن "مهنة الخيرزان مهنة الآباء والأجداد وتعلمتها أنا وإخوتي، وها نحن نمارسها إلى هذا اليوم رغم كل الصعوبات التي تواجه عملنا خصوصا في السنوات الأخيرة"، على حد قوله.
وعن كيفية الحصول على خشب الخيزران أوضح سليمان، أن خشب الخيزران المستخدم في هذه الصناعة لا يزرع في فلسطين، لأنه يحتاج إلى ظروف مناخية وطبيعية خاصة لزراعته، وإنما يتم استيراده من دول شرق آسيا (سنغافورة – الصين)، ومن ثم يتم تحويل هذه المواد البسيطة إلى قطع وأثاث منزلي بهذا الشكل الجميل والرائع.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت صناعة الخيزران في غزة أمرًا ضروريًا وأساسيًا وركنًا أساسيًا في كل بيت فلسطيني، وتنوّعت منتجاتنا ولم تعد تقتصر على صناعة الكراسي والأمور الأساسية، بل أصبحنا ننتج جميع أنواع الأثاث المنزلي والمكتبي والفندقي والديكور من غرف نوم وكراسي وكنب وطاولات وإكسسوارات بأشكال مختلفة -كما يقول سليمان-.
وعن الأدوات المستخدمة في هذه الصناعة أوضح سليمان أنه يستخدم بالإضافة إلى الخيزران بأنواعه المختلفة،القش، والمكابس، المقص، الشاكوش، وغراء "السيلكون" ومواد الدهان "اللكر"، الشرشور والمعدلة اللتان تستخدمان لتعديل خشب الخيزران".
وعن طبيعة العمل داخل الورشة يروي كبير العاملين أحمد سليمان "30 عامًا"، قائلاً "إن تحويل خشب الخيزران من مواد بسيطة لتأخذ الشكل المطلوب والنهائي تمر بخطوات عديدة تبدأ بإعداد الهيكل أو الجسم الرئيسي العظم، حيث يتم تشكيله وتليينه باستخدام النار، ومن ثم تبدأ مرحلة التشطيب الأولى، وفيها يتم استخدام "الربايط الاشكالات"؛ بهدف إخفاء نقاط التجميع بالإضافة إلى إعطاء القطعة قوة ومتانة حيث يصعب فكها أذا كانت مشغولة بشكل جيد".
وفي المرحلة النهائية يذكر شقيقه سليمان أن مرحلة التشطيب الثانية تبدأ لوضع الحشوة الداخلية بعد أن يتم تمرير النار على أجزاء القطعة المختلفة للتخلص من الشعيرات الصغيرة الموجودة عليها، وبعد ذلك يتم تجهيزها للدهان، حيث يتم استخدام ألوان مختلفة حسب رغبة الزبون، فخشب الخيزران الطبيعي يحتاج إلى طبقة واحدة من الأساس، بينما خشب الخيزران الصناعي يحتاج إلى ست طبقات حتى يعطي اللون واللمعة المناسبة، ومن ثم تبدأ مرحلة الخياطة والفرش، وكل ذلك يكون حسب الطلب أيضًا.
أما بالنسبة إلى المعيقات التي تواجه صناعة الخيزران في غزة فيؤكّد سليمان، أن الاحتلال الصهيوني هو الأساس في كل الصعوبات التي تواجه هذه المهنة، فالحصار المفروض على قطاع غزة منذ 8 أعوام أثّر بشكل كبير على استيراد أخشاب الخيزران من الخارج.
وأوضح: "كميات كبيرة من الأخشاب تتلف نتيجة ظروف التخزين السيئة أثناء انتظار الشاحنات على المعابر قبل السماح لها بالدخول إلى قطاع غزة"، مبينًا أن هناك عددًا كبيرًا من ورشات تصنيع الخيزران قد أغلقت؛ بسبب قلة الإقبال وعدم توفر المواد الأساسية.
وتبقى العديد من الصناعات الحرفية في قطاع غزة رهن الاندثار، نتيجة الحصار الصهيوني المفروض على قطاع غزة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة يتهدّدها خطر الانقراض صناعة الخيزران في غزّة حرفة أثريّة يتهدّدها خطر الانقراض



GMT 06:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 03:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 04:01 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 20:58 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الجيش الأميركي يقصف مواقع عسكرية في صنعاء

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

موسكو تسيطر على قرية بمنطقة أساسية في شرق أوكرانيا

GMT 14:19 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إلغاء إطلاق أقمار "MicroGEO" الصناعية فى اللحظة الأخيرة

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وفاة جورج إيستام الفائز بكأس العالم مع إنجلترا

GMT 17:29 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سائق يدهس شرطيا في لبنان

GMT 14:06 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

إصابات بالاختناق خلال اقتحام الاحتلال قصرة جنوبي نابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab