تزداد أزمة اليونان تعقيدًا لاسيما بعدما أشاع سياسيون وخبراء ورجال أعمال ألمان أنَّها اقتربت من ساعة الحقيقة، وذلك في إشارة إلى أنَّ خروجها أو انفصالها عن منطقة اليورو وتخليها عن العملة الأوروبية الموحدة بات على قاب قوسين أو أدنى.
وتحسم الحكومة اليونانية الجديدة أمرها، الاثنين المقبل، وتحديدًا إذا ما كانت ستقدِّم طلبًا للحصول على برنامج إنقاذ مالي جديد من الترويكا الدولية، التي تضم صندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي، لاسيما بعد أنَّ قارب مفعول برنامج الإنقاذ الأول على الانتهاء الشهر الجاري.
وحال لم تحدد أثينا موقفها ورفض تسديد ما عليها من مستحقات آنية تصل إلى 10 بلايين يورو، سيصبح البلد في وضع الإفلاس في نظر المؤسسات المالية الدولية.
إلى هذا تؤكد أوساط حكومية ألمانية أنها لن تقبل بشطب الديون المترتبة على اليونان، وأنَّ برلين لا تخشى من إفلاس البلد وقادرة على تحمل تبعاته اليوم بفضل وضعها الاقتصادي والمالي الجيد.
في حين أعلن مسؤولو الاقتصاد الألماني أخيرًا أنَّ محاذير إفلاس اليونان لم تعد تشكل خطرًا على ألمانيا كما كان الأمر قبل بضع سنوات.
كما يشير خبراء ألمان إلى أنَّ اليونان تستورد الآن من ألمانيا بقيمة 25 بليون يورو سنويًا أقل مما كانت تستورده العام 2008، فيما هبط حجم استيراد ألمانيا منها بنسبة 80 في المئة.
ذكر رئيس الرابطة الاتحادية للتجارة الخارجية في ألمانيا، أنطون بورنر، أنَّ "أمام هذه الخلفية، ستتضرّر عدد محدود من الشركات الألمانية من خروج اليونان من منطقة اليورو".
وأكد ناطق باسم شركة المعادن الألمانية الضخمة "تيسّن- كروب" أنَّ مسؤولي الشركات الكبيرة في البلاد "يشاركون بورنر نظرته لاسيما أنَّ أعمالنا في اليونان تراجعت أخيرًا إلى حجم يقل عن واحد في المئة من مبيعاتنا".
ثم لفت ناطق باسم شركة "لينده" الضخمة إلى أنَّ قيمة مبيعاتها في اليونان البالغة 150 مليون يورو، لا تقارن بمبيعاتها في العالم البالغة 14.5 بليون يورو، كما عبّر مسؤولو شركات ألمانية كبرى أخرى، مثل ميترو، وسيكست، وأس أ بي، عن الموقف ذاته.
يقول المسؤولون عن قطاع إنتاج الآلات والأجهزة الصناعية، إنَّ صادرات القطاع إلى اليونان "لا تتجاوز 0.2 في المئة من الإنتاج الإجمالي".
كانت مؤسسات التأمين الألمانية الضخمة مثل "ميونيخ ري" و"أليانس"، انسحبت من اليونان في السنوات الأخيرة ولم تعد تملك شيئًا تقريبًا من السندات اليونانية، من دون أنَّ يعني ذلك عدم تعرض بعض المصارف الألمانيـة الصغـيرة إلى أضرار، وذلك وفقًا لما ذكره الخبير المالي في مؤسســـة "كبكو" للاستشارات المالية، برند ريشتر.
ورغم أنَّ حجم أعمال المصارف الألمانية في اليونان يبلغ 23.5 بليون يورو، إلا أنَّ ناطقًا باسم الرابطة الاتحادية للمصارف الألمانية خفّف من محذور ذلك بالقول إنَّ "4.6 بليون يورو منها فقط يعود إلى مصارف ألمانية خاصة، و3.6 بليون إلى شركات ألمانية، فيما الجزء الأكبر وهو 15 مليون يورو إلى مصارف ومؤسسات مالية عامة" مثل بنك الدعم الحكومي الألماني "كا اف في"، الذي شارك في تأمين برنامج الإنقاذ المالي الأول لليونان.
استنادًا إلى معلومات "البنك الألماني" الأكبر في البلاد، تبلغ ودائعه المالية في اليونان نحو 300 مليون يورو، وودائع "كوميرتس بنك" 400 مليون.
وعلى نسق خبراء مال ألمان، ذكر خبير مصرف "ج بي مورغن" الأميركي كيان أبو حسين، خلال دراسة حديثة، أنَّه "لا خطر على المصارف الألمانية المودعة في اليونان بسبب ضآلة المبالغ المذكورة"، لكنه لفت إلى أنَّ الخطر الأكبر يكمن في مدى تحمّل دول أخرى في منطقة اليورو تداعيات إفلاس اليونان.
ثم أشار هنا إلى أنَّ إيطاليا تحديدًا، التي تشكل ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، وإلى فرنسا التي تأتي في المركز الثاني بعد ألمانيا.
وأفادت الدراسة بأنَّ أكبر مصرفين فرنسيين في البلاد، "كريدي أغريكول" و"بي ان بي باريبا" يملكان ودائع في اليونان بقيمة 3.5 بليون يورو و700 مليون يورو على التوالي، تبعًا لبيانات نهاية العام 2013.
إلى ذلك، أفادت وكالة التصنيف الأميركية "ستاندرد اند بورز" بأنها "لا تخشى خروج اليونان من منطقة اليورو، وضمّت صوتها إلى أصوات خبراء ألمان يعتقدون أنَّه في إمكان دول منطقة اليورو تحمّل تبعاته".
كما رأى الخبير في معهد الاقتصاد الألماني "دي اي في"، يورغن ماتيس، أنَّ البنك المركزي الأوروبي "حزم أمره أخيرًا بشراء السندات الحكومية لدول اليورو المتعثرة، ما يعني الحدّ من أخطار انتقال الإفلاس إلى دول أخرى ومحاصرتها".
ويتغذى هذا المنطق المنتشر حاليًا في الأجواء الأوروبية بقوة من إعلان رئيس حكومة اليونان ألكسيس تسيبراس، رفض نهج التقشف المفروض من الترويكا على بلده، والإصرار على شطب جزء كبير من الديون التي تتجاوز 320 بليون يورو.
بالإضافة إلى ثمة أحاديث عن وجود بدائل أمام تسيبراس، واستعدادًا للحصول على تمويل من الصين ومن روسيا لتفادي الإفلاس، وهو ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة.
أرسل تعليقك