أحرز القطاع العقاري في المملكة العربية السعودية قفزات في السنوات العشر الأخيرة، على مستوى المشاريع واستهدافاتها وأحجامها وقيم الاستثمارات فيها. وواجه أيضاً عقبات وقفت أمام تطوره ونموه، إلى أن وصل إلى مستوياته الحالية من المقاومة والتماسك والقوة والمنافسة على المستوى الإقليمي. وكان للقوانين والتشريعات المعمول بها دور كبير في الحد من تطور القطاع، وجذب مزيد من الاستثمارات الخارجية، إذ سبقت الأسواق المجاورة القطاع العقاري السعودي، بتطوير قوانين الاستثمار وحركة رؤوس الأموال ونسب تملك الأجانب.
ولاحظت شركة "المزايا القابضة" في تقريرها الأسبوعي، أن المملكة "ركّزت خلال العاميين الماضيين على تطوير القوانين والتشريعات المتصلة بالقطاع العقاري لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتبشر هذه النقلة بتطوير القوانين بتحقيق مزيد من النتائج الإيجابية على مستوى العقارات والقطاعات الأخرى". وتوقعت أن "تعزز القدرات الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية الرئيسة، وصولاً إلى بنية اقتصادية قوية ونشطة ومنافسة، وقادرة على الصمود أمام الأزمات المالية والاقتصادية".
واعتبر التقرير أن السوق العقارية في السعودية "هي من الأسواق القوية والضخمة على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وتمثل العقارات التجارية والسكنية أقوى الحوافز للقطاع العقاري، وهي أيضاً سوق تأجير بالدرجة الأولى وليست سوق تملك"، مشيراً إلى بيانات أظهرت أن "نسبة التملك لا تزال 46 في المئة على مستوى المملكة و56 في المئة في الرياض، ما يوضح توافر فرص استثمار كثيرة لرفع هذه النسبة وصولاً إلى نظيراتها من الأسواق المجاورة". إذ رأى أن السوق العقارية في المملكة "تحتاج إلى مزيد من التقويم والتحليل لمعدلات الطلب والعرض، ومؤشرات الإيجارات والعائدات والعقبات التي تحول دون رفع نسب التملك".
واضطلعت قوانين الرهن العقاري في المملكة، وفق "المزايا" بـ "دور كبير في تمكين المواطنين من تملك المساكن وتحسين فرص التمويل، ودعم القطاع المصرفي من خلال توفير منتجات قابلة للتمويل والرهن. وخفّضت هذه القوانين أيضاً الأخطار ونظّمت نشاط التمويل العقاري والمطورين العقاريين وبرامج الدعم الحكومي، من دون إغفال أهميتها في ضبط الأسعار ومراجعتها".
وتطرّق التقرير إلى "التأثيرات الإيجابية المتصلة بقانون فرض الرسوم على الأراضي غير المستغلة في المملكة والمقدرة مساحتها بـ 4 بلايين هكتار، وهو يندرج في إطار تطوير الأنظمة والتشريعات المنظِّمة للسوق العقارية، والحد من الارتفاع غير المسبوق في أسعار الأراضي من دون مبررات طلب أو نشاط عمراني مصاحب". واستهدفت الجهات الرسمية من هذا التشريع "الحد من المضاربات على الأراضي البيضاء، إضافة إلى إيجاد حلول لأزمة الإسكان وتسريع وتيرة البناء على أطراف المدن والضواحي".
وأكد أن التطبيق الشامل للتشريعات "يدفع المواطنين نحو تملك المساكن بأسعار مناسبة، خصوصاً في ظل استمرار أزمة الإسكان في كل مدن المملكة". ولم يستبعد أن "تحمل السنوات المقبلة مزيداً من التأثيرات الإيجابية على مستوى رفع جاذبية الاستثمار العقاري، خصوصاً في المدن الرئيسة التي تصل نسب الأراضي الفضاء فيها إلى 20 في المئة".
ورصدت "المزايا" حركة سريعة في "وتيرة سن القوانين وتعديل التشريعات المتصلة بالقطاع والسوق العقاريين، والإطار المالي والاقتصادي عموماً، وكان آخرها الاتجاه نحو السماح للمستثمرين الأجانب بتملك الشركات في شكل كامل في قطاعَي الصحة والتعليم، إذ تشكل هذه التطورات أهمية كبيرة على مستوى جذب الاستثمارات وتحريك النشاطات المتعلقة بالقطاع". ورجحت أن "تفرز فرص استثمارية تتجاوز 180 بليون دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، مع بدء تطبيق هذه القرارات".
وأشار التقرير إلى أن السوق العقارية "لا تزال تنتظر مزيداً من التصحيح، على رغم الركود الذي تشهده منذ ثلاث سنوات وما رافقها من تراجع وتصحيح في الأسعار المتداولة، وما نتج منها من تأجيل قرارات الشراء والاستثمار على الأراضي والمنتجات العقارية". إذ سجل المؤشر القياسي للأسعار "انخفاضاً متراكماً وصل إلى 14.4 في المئة خلال السنوات الماضية، فيما تراجع المؤشر بنسبة 8.6 في المئة في الربع الثاني من هذه السنة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، والتي نتجت من ضغوط متواصلة على قطاع الأراضي التجارية والسكنية".
في المقابل، لفت إلى أن البيانات المتداولة "تعكس التأثيرات الإيجابية لحزمة القوانين والتشريعات الجاري تطبيقها، وتلك التي في طور الاعتماد، إذ أظهرت بيانات وزارة العدل أن العمليات العقارية المنفذة وصلت إلى 714 ألف عملية منذ بداية السنة. كما استمرت الزيادة في أحجام سوق التمويل العقاري لتصل إلى 270 بليون ريال، فضلاً عن أن القطاع المصرفي يستحوذ على أكثر من 110 بلايين ريال منها، ما يعكس حجم فرص الاستثمار القابلة للتمويل في ظل التطور الحاصل على المنظومة التشريعية وخطط الحوافز".
وخلُصت "المزايا" في اختتام تقريرها، إلى التشديد على "أهمية الاستمرار في عملية تقويم التحديات والأخطار التي يواجهها القطاع العقاري وتحليلها، لأن المملكة تمرّ حالياً في عملية إعادة هيكلة وخصخصة لكل القطاعات الاقتصادية وفي مقدمها هذا القطاع، والذي يمكن أن يكون أكبر المستفيدين من الحراك المالي والاقتصادي الحالي والمستهدف، في حال طُبّقت القوانين والتشريعات المتصلة بها كما هو مخطط لذلك، والتي تحفّز أداء القطاعات الاقتصادية".
أرسل تعليقك