عمليات البيع المذهلة في أسواق السندات والائتمان العالمية، منذ انتخاب دونالد ترامب ليكون الرئيس الأميركي الجديد، تركت وراءها العديد من الخسائر الكبيرة التي شهدتها صناديق التحوط، لتحيي شكوكًا كبيرة حول هشاشة النظام المالي لمنطقة اليورو، بحسب ما ذكرت صحيفة "تلغراف" البريطانية.
وأضافت الصحيفة أن "بنك اوف أميركا" كان قد حذر الأسبوع الماضي من جراء تباين عنيف داخل هيكل سوق السندات خلال الأسبوع الماضي، وهو الأمر الذي سوف يترك بدوره انعكاسات قوية.
وتحوَّل التجار بين ليلة وضحاها من مخاوفهم بشأن الانكماش المحتمل، إلى رهان مختلف تماما يقوم في الأساس على انتعاش الطلب بفضل السياسات التوسعية التي قد يتبناها ترامب، وهو الأمر الذي ساهم في انخفاض مؤشر السوق العالمي لـ"بنك أوف أميركا" بقيمة 114 تريليون دولار.
ويقول ستين جاكوبسون، الخبير في "ساكسو بنك": إننا "نشهد حاليا إعادة تسعير رأس المال في بيئة يبدو فيها الناس في أعلى درجات الحساسية... إنها أزمة حقيقية."
يقول صندوق النقد الدولي أن مجموع الأسهم غير المسددة من السندات والقروض في جميع أنحاء العالم بلغ حوالي 152 تريليون دولار بنهاية عام 2015، وهو ما يفوق مخزن الثروة العالمية من الأسهم، والتي تبلغ قيمتها حوالي 69 تريليون دولار.
من ناحيته، أكد الخبير الاقتصادي مارك أوستوالد "هناك الكثير من المواقف السيئة التي سوف يشهدها سوق السندات في المرحلة المقبلة، حيث أننا لا نعرف حجم الضغوط المفروضة عليه." وأضاف "الغبار سوف ينقشع في منتصف هذا الأسبوع، حيث أننا سوف نتمكن من معرفة مكمن الضرر في منتصف هذا الأسبوع عندما يبدأ المتضررون في محاولات يائسة للخروج من الأزمة المترتبة على الخسائر التي لحقت بهم."
وتقول الصحيفة البريطانية إن بعض الديون في شكل قروض غير قابلة للتداول، حيث أن كتلة كبيرة منها تسيطر عليها البنوك المركزية وصناديق الثروة السيادية وصناديق التقاعد وشركات التأمين، حيث أن الصكوك التي تم تداولها قد منيت بخسائر كبيرة، سوف يكون لبعضها تأثير ملحوظ على الأسواق
وأضافت أن الصدمة التي تكبدها نظام الائتمان الدولي لم تكن بالقسوة التي شهدتها أزمة مايو/أيار 2013، والتي اضطرت المجلس الفيدرالي الأميركي إلى التراجع عن خطته لتشديد السياسة النقدية، إلا أنها تقترب من هذه الدرجة بصورة كبيرة، كما أنها تقدم لمحة عما سوف يحدث لمنطقة اليورو عندما يحدث أي ركود عالمي في المستقبل.
وأوضحت الصحيفة أن التحركات التي شهدها سوق السندات الدولارية ذات الأجال المستحقة لأكثر من عشرة أعوام كانت مثيرة للغاية في الآونة الأخيرة، حيث أنها انخفضت بنسبة 6.39 بالمائة، بينما ما يعادلها في منطقة اليورو انخفضت بنسبة 3.83 بالمائة، حيث أنها انخفضت بنسبة 9 بالمائة خلال الأشهر الثلاثة الماضية بشكل تراكمي.
وانخفض صندوق السندات في الأسواق الناشئة "جي بي مورغان" بنسبة 6 بالمائة، بينما انخفض "بيمكو" بنسبة 7 بالمائة، في حين أن السندات التي استحوذ عليها المستثمرون من النمسا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خسرت بنسبة 6 بالمائة.
ويقول الخبير الاقتصادي بيتر شافريك إن قدامى المتعاملين في مجال الائتمان يراقبون زيادة المكاسب في إيطاليا والبرتغال، والمناطق الواقعة في المحيط الخارجي لمنطقة اليورو، حيث أن الأسواق على ما يبدو تتجه نحو احتمالات تعاظم اشتعال الأزمة في أوروبا.
وأضاف أن هناك عناصر ضغط، حيث يشعر كافة الأشخاص الذين يرغبون في الاقتراض في هذه البلدان أنهم يواجهون شروطا متشددة للغاية، حيث ترتفع عائدات الشركات جنبا إلى جنب مع العوائد السيادية، وهو الأمر الذي يقوض الغرض الأساسي من سياسة التيسير الكمي من جانب البنك المركزي الأوروبي.
وتقول الصحيفة البريطانية أن الخوف الحقيقي يظهر إذا ما فشلت الحوافز التي سوف يقدمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تعزيز نمو حقيقي في المرحلة المقبلة، حيث أن ذلك يعني أن حالة من التضخم وارتفاع معدلات النظام المالي قد تضرب الاقتصاد العالمي.
وأضافت ان العديد من الأسواق الناشئة هي التي تحملت وطأة صعود ترامب وتداعيات ذلك على الاقتصاد، حيث قفزت سندات البيزو المكسيسك، والتي تمتد عشر سنوات إلى 100 نقطة لتصل إلى 7.24 بالمئة، وهو الأمر الذي ترتب عليه اهتزاز أسواق أميركا اللاتينية بصورة كبيرة، بينما انخفضت تكاليف الاقتراض في البرازيل بنسبة تساوي نفس القدر تقريبا.
ويقول الخبير الاقتصادي نيل شيرينغ، من مؤسسة "كابيتال ايكونوميكس"، أن هذه الدول تعاني حاليًا من جراء تشديد السياسات المالية في دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يستدعي تدخل الحكومات من أجل انقاذ الموقف خلال المرحلة الحالية في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية بصورة كبيرة.
وأضاف أن البنك المركزي المكسيكي سوف يضطر إلى التدخل في سعر صرف العملة الخاصة به "البيزو"، حيث سيقوم برفعها بشكل حاد، بينما سوف تضطر البرازيل إلى التخلي عن سياسات خفض أسعار الفائدة، والتي كان من المتوقع أن تبدأ في تطبيقها، ولو بصورة مرحلية.
وبحسب "التلغراف"، فإن الحوافز التي سوف يقدمها ترامب لدعم الاقتصاد ربما لا تنجح في تحقيق الهدف منها والمتمثل في تعزيز الاقتصاد، خاصة وان تلك الحوافز تأتي في مرحلة متأخرة من الدورة الاقتصادية، وبالتالي ربما لا تؤدي إلى دعم النمو الاقتصادي، وهو ما يعني بداية موجة جديدة من التضخم.
وهذا التدهور، بحسب الصحيفة، قد يتزامن مع حزمة من السياسات الحمائية التي قد تتبناها الولايات المتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، وهو الأمر الذي من شأنه تقويض نموذج العمل الأساسي للأسواق الناشئة، والذي يقوم أساسا على الصادرات
يقول شيرينغ "إنه في مثل هذه الحالة، سوف تتلقى تلك البلدان عدة صفعات من جهات مختلفة في وقت واحد، وبالتالي سوف تتجه بقوة نحو الهبوط، وهو الأمر الذي يمكننا تسميته بالسيناريو الكابوس."
وتبقى الأمال معلقة على قدرة الرئيس الأميركي الجديد نحو قيادة أسواق الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية جديدة والحد من مخاطر الأسهم على السندات القياسية إلى ما يقرب من الصفر في بعض البورصات العالمية.
أرسل تعليقك