بعد موجة تشاؤمية سادت خلال الأيام الماضية في بريطانيا، ظهرت أمس الأربعاء بيانات رسمية تثبت وجود تحسن ملحوظ في معدلات الأجور والبطالة؛، ما أسفر عن بث الدفء في أوصال الجنيه الإسترليني الذي عانى موجة خسائر كبيرة، حيث تعافى من أدنى مستوياته مقابل اليورو في عشرة أشهر أمس الأربعاء بعد بيانات أظهرت تراجعا قياسيا بالبطالة مع ارتفاع الأجور بأسرع من المتوقع في ثلاثة أشهر حتى يونيو/حزيران مما يقضي على الفجوة بين الأجور ومعدل التضخم الأساسي.
وأظهرت بيانات رسمية أمس، أن معدل البطالة في بريطانيا انخفض لأقل مستوى منذ عام 1975، مسجلا هبوطا مفاجئا رغم النمو الاقتصادي البطيء في الربع الثاني. ونزل معدل البطالة في ثلاثة أشهر حتى 30 يونيو إلى 4.4 في المائة، بينما كان متوسط التوقعات بثباته عند 4.5 في المائة في استطلاع لآراء اقتصاديين أجرته "رويترز". ودعا محللون إلى زيادة الأجور بما يصل إلى 1.8 في المائة. ودفعت القفزة البالغة 2.1 في المائة في الأجور، بجانب انخفاض مفاجئ في أعداد العاطلين عن العمل في يوليو/تموز، الجنيه الإسترليني للارتفاع بنحو نصف سنت، ليجرى تداوله ظهر أمس عند 1.2893 دولار.
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية: إن إجمالي دخل العاملين مضافا إليه المكافآت ارتفع 2.1 في المائة على أساس سنوي في الربع حتى يونيو، مقارنة مع 1.9 في المائة في الفترة المنتهية في مايو/أيار. لكن ذلك يرجع لتوزيع مكافآت في القطاع المالي. وجاءت تلك البيانات، أمس، بمثابة تهدئة للأسواق والأوساط الاقتصادية، بعد ظهور بيانات رسمية الثلاثاء تشير إلى ضعف معدلات التضخم دون المتوقع؛ ما يقلص إمكانية نظرية لزيادة سعر الفائدة من قبل بنك إنجلترا في اجتماعه المقبل، وإن كانت أغلب التوقعات تشير إلى صعوبة ذلك في ظل النتائج الاقتصادية السلبية المتزايدة.
وكشفت بيانات صادرة عن هيئة الإحصاءات الوطنية البريطانية يوم الثلاثاء، عن أن مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة المتحدة سجل 2.6 في المائة في شهر يوليو على أساس سنوي، وهي نفس مستويات يونيو السابق له، مشيرة إلى أن ذلك يأتي بشكل أساسي بفعل استمرار التراجع في أسعار وقود السيارات. بينما كانت توقعات المحللين قد أشارت إلى أن معدل التضخم سيسجل نمواً بنحو 2.7 في المائة خلال شهر يوليو.
وعلى مستوى التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة، استقر التضخم عند مستوى 2.4 في المائة، وتسببت أسعار الوقود في تراجع معدل التضخم، حيث انخفضت بنحو 1.3 في المائة على أساس شهري. بينما ساعد انخفاض أسعار وقود السيارات في تعويض ارتفاع أسعار الملابس والمرافق والغذاء في الشهر الماضي.
وقام البنك المركزي البريطاني بمراجعة متوسط توقعات التضخم لعام 2017 إلى مستوى 2.7 في المائة، بدلاً من توقعات سابقة عند مستوى 2.6 في المائة. ويتوقع تراجع التضخم إلى مستوى 2 في المائة بعد عام 2019. ويؤيد التقرير حالة غالبية المسؤولين في بنك إنجلترا الذين يرون أن عليهم الانتظار قبل رفع أسعار الفائدة من مستوى قياسي منخفض لعدم قوة الاقتصاد بالشكل الكافي لاستيعاب سياسة أكثر صرامة، حتى مع خرق التضخم هدفهم 2 في المائة.
وفي حين أيد اثنان من أعضاء لجنة السياسة النقدية الثمانية تكاليف الاقتراض المرتفعة في اجتماعهما الأخير في وقت سابق من هذا الشهر، قال محافظ بنك إنجلترا، مارك كارني، إن عدم التأكد من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يدعم الحفاظ على التحفيز. ونشرت بيانات التضخم ومعدلات البطالة والدخل في بريطانيا على مدار اليومين الماضيين، بينما تنشر اليوم الخميس بيانات مبيعات التجزئة. وكلها بيانات تؤثر بشكل كبير على قرارات بنك إنجلترا حول معدلات الفائدة، وأيضا على توقعاته للنمو.
وكان معدل البطالة تراجع خلال شهر مايو الماضي إلى مستوى 4.5 في المائة، من مستوى 4.6 في المائة في أبريل/نيسان. بينما سجلت مبيعات التجزئة ارتفاعا بنسبة 0.6 في المائة في يونيو على أساس شهري. وكان الإسترليني قد بدأ تراجعه أول من أمس مستبقا صدور البيانات الاقتصادية؛ وذلك تأثرا بشكل كبير من تشاؤم حول مفاوضات بريطانيا الخاصة بـ«بريكست» مع الاتحاد الأوروبي، حيث توقع كثير من الخبراء والمراقبين أن هناك «مزيدا من الخسائر على الطريق، مع تباطؤ أكبر للاقتصاد البريطاني»، مع تشكك في صحة التحضيرات التي تجريها المملكة المتحدة في هذا الصدد.
ويوم الخميس قبل الماضي، خفض بنك إنجلترا توقعاته لنمو الاقتصاد، كما أبقى على أسعار الفائدة دون تغيير عند 0.25 في المائة، وهو مستوى قياسي منخفض في أعقاب اجتماع عادي لمجلس السياسة النقدية. وقال محافظ البنك، مارك كارني، في مؤتمر صحافي آنذاك إن الأسر البريطانية تجاهلت حالة عدم الاستقرار المتعلقة بـ"بريكست" في البداية، ولكن مؤخرا... خفضت تلك الأسر نفقاتها؛ ما أدى إلى تباطؤ الاقتصاد. وأضاف، أن الأعمال كانت في موقف وسط في هذا المجال.
وخفض البنك توقعاته للنمو إجمالي الناتج المحلي في 2017 إلى 1.7 في المائة من توقعاته السابقة، وهي 1.9 في المائة قبل ثلاثة أشهر. كما توقع انخفاض نمو إجمالي الناتج المحلي إلى 1.6 في المائة العام المقبل، بانخفاض طفيف عن التوقعات السابقة بالنمو بنسبة 1.7 في المائة.
وأفاد محضر الاجتماع بأن إجمالي الناتج المحلي سيبقى بطيئا على المدى القريب مع استمرار الضغوط على المداخيل الفعلية للأسر وتأثير ذلك على الاستهلاك، مع استعداد بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي وسط ارتفاع كبير في التضخم. وأظهرت بيانات رسمية صدرت مؤخرا، أن الاقتصاد البريطاني سجل تقدما طفيفا في الربع الثاني بفضل تحسن قطاع الخدمات رغم التضخم والغموض بشأن "بريكست"، ويرافق ارتفاع الأسعار ضعف في نمو المداخيل في البلاد؛ ما يقلل من فرص رفع أسعار الفائدة هذا العام.
وربما كانت نقطة الضوء الوحيدة وسط تلك البيانات المحبطة، هو ارتفاع الإنتاج الصناعي البريطاني على نحو غير متوقع في يونيو الماضي، بعدما أجل منتجو النفط عمليات صيانة موسمية معتادة... لكن انخفاض إنتاج السيارات وتراجع قطاع البناء ألقيا بظلال سلبية على الأشهر المقبلة.
أرسل تعليقك