أقفل عام 2017 على إنجازات حققها لبنان في الاقتصاد كما في النشاط التشريعي الكثيف، وفي تأمين غطاء دولي على كل المستويات، في اجتماع مجموعة الدعم الدولية في باريس هذا الشهر، مركّزًا على برنامج الاستثمار في البنى التحتية الذي سيعلنه رئيس مجلس الوزراء اللبناني سعد الحريري العام المقبل، وتبلغ تكاليفه 16 بليون دولار. إذ دعت المجموعة الجهات الفاعلة في القطاع الخاص وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي إلى "دعم لبنان"، معلنة عن "عقد مؤتمر دولي للمستثمرين، بهدف دعم إصلاحات الحكومة وهذا البرنامج".
الإنجاز التاريخي الأبرز وبكل المقاييس، تمثل في انطلاق قطار التنقيب عن ثروة النفط والغاز في المياه البحرية اللبنانية، بعد موافقة مجلس الوزراء على عرض "كونسورتيوم" من ثلاث شركات نفطية هي "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية و"نوفاتك" الروسية. وتحقق هذا الإنجاز بعد اكتمال المنظومة التشريعية لهذا القطاع بإقرار قانون الضرائب، وكان من ضمن سلة من القوانين التي صادق عليها المجلس النيابي خلال هذه السنة، التي شهدت كثافة في التشريع، لتشكل أيضًا إنجازًا آخر. ولا يخفى أن دور المجلس تعطّل فترة طويلة، مع نهاية ولاية الرئيس ميشال سليمان ودخول لبنان في فراغ رئاسي، ومع انتخاب رئيس الجمهورية ميشال عون في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، انطلقت عجلة التشريع مجددًا، وكرّت سبحة المصادقة على قوانين كثيرة كانت نصوصها جاهزة، إذ أكد النائب ياسين جابر أن اللجان النيابية خلال فترة التعطيل "ثابرت على عقد الاجتماعات وأنجزت كل مشاريع القوانين كي تكون جاهزة لإقرارها، بعد استئناف الجلسات العامة، ليشهد عام 2017 أوسع عملية تشريع وأكثفها".
وذكّر جابر بأن الضرورة القصوى "حتمت عقد جلسات استثنائية خلال فترة التعطيل لإقرار قوانين مالية كانت إلزامية لحماية لبنان وعدم إدراجه على اللوائح السود وتتصل بالتعاون مع المجتمع المالي الدولي لمكافحة تبييض الأموال والإرهاب والتهرب الضريبي، فضلًا عن إقرار قرض من البنك الدولي بقيمة 500 مليون دولار لإنشاء سد بسري، تجنبًا لخسارة تمويل المشروع".
ويعدّ المجلس النيابي حاليًا من خلال اللجان لدفعة جديدة من القوانين، إذ أشار جابر إلى "اقتراحات قوانين تتصل بمنظومة تشريعية تتعامل مع مرحلة ما بعد بدء التنقيب عن النفط، إذ طرح النائب محمد قباني اقتراح قانون للتنقيب عن النفط في البر، وتقدمتُ باقتراحَيْ قانونين لتأسيس صندوق سيادي لعائدات النفط والغاز، وإنشاء مديرية عامة في وزارة المال للشؤون النفطية والواردات. فيما تقدم النائبان ميشال موسى وعلي عسيران باقتراح قانون لتأسيس الشركة الوطنية للنفط".
ولم يغفل أن "أبرز ما أُقرّ هذه السنة أيضًا هو قانون الموازنة بعد غياب طال 12 سنة، وسلسلة الرتب والرواتب وقانون الضريبة لزيادة الموارد المالية لدفع مستوجبات السلسلة، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما أقر المجلس قانونًا مهمًا يتعلق بتحديد الضرائب في قطاع النفط، وقد مكّن من تسريع إلزام الشركات لبدء عمليات التنقيب"، معتبرًا أن هذا الإنجاز "تاريخي بالنسبة إلى لبنان ومهم بالنسبة إلى الاقتصاد، ويساهم في رفع التصنيف الائتماني للبلد". وأشار إلى المصادقة على اتفاقات قروض وتمويل للتجارة"، مشددًا على أن كل هذه القوانين المتصلة مباشرة بالشأنين الاقتصادي والاستثماري "ضرورية جدًا وطال انتظارها".
وعن مشروع موازنة عام 2018، قال جابر "كان مفترضًا أن يحال على المجلس النيابي قبل نهاية السنة، لكن رُحّل إلى العام المقبل، بسبب الأزمة السياسية الأخيرة التي شهدها لبنان باستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري (الذي تراجع عنها)، وقد عطّلت جلسات مجلس الوزراء فترة 40 يومًا".
ومن القوانين المهمة التي أبصرت النور في 2017، تنظيم الشراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ يقول جابر "سيكون له دور أساس في تنفيذ خطة التنمية واستحداث فرص العمل التي وضعها رئيس الحكومة مع فريق عمله، وقيمتها 16 بليون دولار، منها 7 بلايين سيؤمنها القطاع الخاص في إطار الشراكة". ولفت إلى أن الخطة "تنص على مشاريع في قطاع النقل بتطوير شبكات الطرق والقطارات"، معلنًا عن "أولوية تنفيذ شبكة قطارات تنطلق من طرابلس إلى الحدود السورية لتفعيل الشحن من مرفأ طرابلس إلى الداخل السوري في مرحلة إعادة الإعمار في سورية، فضلًا عن مشروع قطار يمتد من رياق (البقاع) إلى سورية، ومشروع ثالث يصل أقصى الجنوب بأقصى الشمال". وتلحظ الخطة أيضًا "مشاريع تحسين القطاعات الخدمية وأهمها إصلاح الكهرباء".
وعن تقويمه مناخ الاستثمار، رأى جابر أن "ما شجع شركات النفط على التقدم بعروضها لالتزام التنقيب عن النفط والغاز، هو تنفيذ قانون النفط بحذافيره، بدءًا بتشكيل الهيئة الناظمة التي عملت جيدًا وحققت إنجازات، ووضعت المراسيم التطبيقية، والشفافية التي تميّز بها نشاط الوزراء المتعاقبين على الوزارة والهيئة". وأكد أن "هذا الأمر مطلوب لبقية القطاعات، أي بإنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء الذي يحتاج إلى 5 بلايين دولار لتمويل تحديثه، لكن في حال عدم إجراء الإصلاح البنيوي وتطبيق القانون الخاص به وتشكيل الهيئة الناظمة كما حصل في قطاع النفط، ستكون هناك مشكلة في استقطاب مستثمرين، وينسحب هذا الأمر أيضًا على قطاع الاتصالات". وذكّر ببيان هيئة الدعم بعد اجتماع باريس، الذي "شدد على الإصلاح والشفافية" وهما أساسيان لاستقطاب الاستثمارات، فضلًا عن تفعيل عمل القضاء ورفع الضغوط السياسية عنه والمحسوبيات".
وإذا كانت موازنة 2018 ستحمل رؤية اقتصادية، أوضح أن لجنة المال النيابية "أصدرت توصيات للحكومة ووزارة المال لالتزامها في المشروع، كما طالبت بإدراج رؤية اقتصادية، ووزارة المال تعمل على هذا الأمر".
285 مشروعًا لتطوير البنى التحتية
وتحدث مستشار رئيس مجلس الوزراء نديم المنلا، عن برنامج الاستثمار في البنى التحتية، الذي ستبدأ خطواته التنفيذية مبدئيًا العام المقبل، إذ "يندرج فيه 285 مشروعًا في كل القطاعات والمناطق"، لافتًا إلى أن حجم الاستثمارات فيه "تصل إلى 16 بليون دولار، سيموّل من القطاع الخاص ومؤسسات التمويل الإقليمية والدولية". وأوضح أن رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري "سيعلن البرنامج بعد عرضه على المجلس ومناقشته ونيله موافقته، ليُحال بعد ذلك على المجلس النيابي كخطة كاملة والحصول على موافقته والصلاحيات لتمويلها".
وشدد المنلا على أن "أسلوب التعاطي مع هذه المشاريع سيكون مختلفًا مع المؤسسات الدستورية، لأن الآلية المتبعة للتنفيذ ستكون سريعة، بمعنى أن لدى كل جهة تموّل المشروع شروطها وستكون مشرفة على دفتر الشروط للموافقة عليه". واعتبر أن هذه المشاريع "وبسبب طبيعتها ستخضع لمعايير المناقصات الدولية، والجهة المقرضة هي التي تفرض هذه الشروط". وأشار إلى أن التمويل "سيُؤمن من البنك الدولي ومؤسسات التمويل الأوروبية والقطاع الخاص والصين واليابان والصناديق العربية".
وعن حصة مشاركة القطاع الخاص في هذا البرنامج، كشف المنلا أن "مشاريع تصل قيمتها إلى 7.5 بليون دولار من أصل 16 بليونًا، يمكن أن تُنفذ في إطار الشراكة، وتتصل بالكهرباء والطرق ذات البَدل، وتوسيع المطار والمرفأ، والاتصالات".
وإذا كان المناخ مواتيًا لاستقطاب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية، أكد المنلا أنه كذلك "خصوصًا أن لبنان يطرح للمرة الأولى هذه الآلية لتمويل مشاريع"، مشيرًا إلى "قانون تنظيم الشراكة "الحديث"، كاشفًا عن "ورود استفسارات من شركات عالمية حول مضمونه بعد صدوره". وأعلن أيضًا عن "عقد مؤتمر في شباط (فبراير) المقبل في بيروت، لعرض المشاريع على القطاع الخاص المحلي والإقليمي والدولي". وشدد على أن الجو "موات حتى الآن"، كما تطرّق إلى البنك الدولي والتمويل الذي يوفره، مؤكدًا أن البنك "مستعد لضخ 500 مليون دولار سنويًا في لبنان للسنوات العشر المقبلة، وهذا يغطي وحده نسبة 25% من كلفة المشاريع المطروحة في البرنامج". ولم يغفل أن الاتحاد الأوروبي "أسّس صندوقًا متخصصًا للتسهيل الائتماني لدول الجوار". وأكد عقد مؤتمر باريس المالي، قبل الانتخابات النيابية "وفي أقصى حد مطلع نيسان (إبريل) المقبل".
واعتبر المنلا أن أهمية تطوير البنى التحتية "تكمن في التنمية التي تؤمنها، إذ إن إنفاق بليون دولار في هذا المجال يحقق نموًا نسبته 3%، فيما يستحدث 50 ألف فرصة عمل، لأن اليد العاملة تشكل 30% من تكاليف هذه المشاريع". ورأى أن البنية التحتية الحديثة "تستقطب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتعزز أيضًا القدرة التنافسية للاقتصاد".
وعدّد القطاعات التي ينص عليها البرنامج، وهي النقل أي الطرق والمطارات والمرافئ، وتصل كلفتها إلى خمسة بلايين دولار، والمياه بما في ذلك بعض السدود ومياه الري وتبلغ كلفتها 3 بلايين دولار، فضلًا عن معالجة المياه المبتذلة والصرف الصحي وكلفتها بليونا دولار". ويلحظ البرنامج أيضًا قطاع الكهرباء ومعروف أنه يشكل عبئًا كبيرًا على المواطن والدولة ومجتمع الأعمال، وحدّد "كلفته بأربعة بلايين دولار، إضافة إلى قطاع الاتصالات بـ550 مليون دولار، ثم معالجة النفايات بـ1.4 بليون، والصحة والتربية بقيمة 300 مليون، والثقافة بما في ذلك الآثار 280 بليونًا".
ويتوزع تمويل هذه المشاريع، وفق المنلا "بين القطاع الخاص بنسبة 25%، والبنك الدولي 25%، وبدعم من الدول الصديقة من خلال تسهيل ائتماني بشروط ميسرة، ومن الاتحاد الأوروبي بنسبة 25%، خصوصًا من خلال صندوق لدعم دول الجوار، ويُرجح رصد 80 بليون يورو، ونسبة 25% من الصناديق العربية والصين واليابان". وذكر أن هناك أيضًا "40 مشروعًا بكلفة أربعة بلايين دولار، تعذر تنفيذها، ويتوافر معظم أموالها من جهات دولية وعربية".
الأهم من هذه الإنجازات تشريعًا وخططًا، يتمثل بـ "العبرة في التنفيذ" بإجماع أوساط في مجتمع الأعمال، وتحييد الإصلاح عن التجاذبات السياسية للحفاظ على المكاسب المحققة وترجمة الاتفاقات والخطط فعليًا، إذ حان الوقت للتخفيف من ثقل كلفة قطاعات خدمية كثيرة على الموازنة العامة.
أرسل تعليقك