تأثر الدولار الأميركي سلبًا وسط تداول ضعيف الأسبوع الماضي؛ نتيجة لعدة عوامل أبرزها أنباء الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية، وتطورات مؤشرات «وول ستريت» ومعدل التضخم في ألمانيا واليابان، واتجهت التعاملات إلى الفرنك السويسري الذي يعتبر ملاذاً في الأزمات، وحافظ الين على مستوياته نسبياً.
وأكد تقرير صادر عن «مباشر» تضافر عدة عوامل لتُشكل معاً رؤية سلبية بشأن أداء الدولار الأميركي خلال عام 2019، في ظل مخاطر هبوطية؛ يأتي على رأسها تكهنات تباطؤ النمو الاقتصادي.
ورغم انقسام الآراء نسبياً إزاء اتجاه الورقة الأميركية خلال العام المقبل، فإن التكهنات التي تشير إلى تراجع قوة الدولار كانت هي الفائز بفارق ملحوظ.
وحالف الدولار مكاسب ملحوظة منذ بداية العام الحالي، ليرتفع المؤشر الرئيسي الذي يتابع أداء العملة الأميركية مقابل 6 عملات رئيسية من مستوى 92.124 في ختام تعاملات 2017، ليصل إلى 96.581 بنهاية تعاملات 25 ديسمبر (كانون الأول)، محققاً صعوداً بنحو 4.83 في المائة.
واستفاد الدولار من التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين حول العالم خلال 2018، حيث تكالب المستثمرون على العملة الخضراء كملاذ آمن.
اقرأ أيضًا :
- استقرار سعر الريال السعودي مقابل الدولار الأميركي الأربعاء
وتلقت عملة الولايات المتحدة الدعم من سياسة التشديد النقدي التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي بقيادة جيروم باول خلال العام الحالي، حيث تحرك «المركزي الأميركي» لزيادة معدل الفائدة إلى مستوى يتراوح بين 2.25 إلى 2.5 في المائة بعد أن نفذ 4 عمليات رفع للفائدة.
كما حازت العملة على دعم قوي من انحسار التوترات الجيوسياسية على خلفية عقد قمة تاريخية بين الرئيس الأميركي وزعيم كوريا الشمالية في خطوة تهدف لنزع السلاح النووي من شبه الجزيرة النووية.
وتمكن الدولار من تحقيق ارتفاع ملحوظ بالتزامن مع الخسائر في بعض العملات المنافسة، مثل اليورو والجنيه الإسترليني، التي جاءت بسبب قضايا تتعلق بخلاف بين الحكومة الشعبوية الجديدة في إيطاليا والمفوضية الأوروبية حول خطة الموازنة إلى جانب مفاوضات «البريكست» التي احتلت مساحة لا يمكن تجاهلها.
- توقعات الهبوط
ويشير التقرير إلى أن الهبوط قادم لا محالة، وهذه هي الرؤية المشتركة بين غالبية المحللين والخبراء بشأن قيمة الدولار في العام المقبل.
ويرى بنك «مورغان ستانلي» أن العملة الأميركية وصلت إلى الذروة في الوقت الحالي، وأن وقت البيع قد حان وسط توقعات تعرض الدولار للتراجع بالتزامن مع انخفاض أسعار الأسهم وبدء انخفاض عوائد سندات الخزانة.
ووفقاً لرؤية «مورغان ستانلي»، فإنه من المحتمل أن يترجم التباطؤ المتوقع في نمو الاقتصاد الأميركي (2.3 في المائة بالعام المقبل مقابل 2.9 في المائة في هذا العام)، إلى تراجع في قيمة الدولار، الذي يزيد بما يتراوح بين 10 إلى 15 في المائة عن قيمته الحقيقية، وذلك لصالح نظرة متفائلة في سوق الأسواق الناشئة التي عانت من عام شاق، على حد قوله.
كما تؤكد «سيتي غروب» أن العملة الخضراء ستهبط بنحو 2 في المائة أمام الـ10 عملات الرئيسية خلال فترة تتراوح بين 6 إلى 12 شهراً، وأن الدولار المنخفض بات أكثر احتمالاً في شروط توازن المحفظة الاستثمارية.
وفي الوقت نفسه، يشير بنك «جي بي مورغان» إلى أن العملة الخضراء سوف تبدأ رحلة تراجع بنهاية العام الحالي، وتستمر في 2019 حال توقف سياسة التشديد النقدي من جانب «الفيدرالي»، إضافة لتباطؤ النمو الاقتصادي مع بدء بقية الاقتصاديات في الاستقرار أو التحسن. ويرى البنك الأميركي أن المسار الهابط لقيمة العملة من المرجح أن يستمر لعدة سنوات حال انخفاض نمو اقتصاد الولايات المتحدة لمستوى 2 في المائة.
ويشير بنك «غولدمان ساكس» إلى أن المخاطر الهبوطية أكثر من نظيرتها الصعودية بالنسبة للعملة الأميركية على مدى العام المقبل، مع وجود تغييرات كثيرة بالنسبة للوضع الاقتصادي، حيث من المتوقع أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ليكون أكثر اتساقاً مع المتوسط العالمي.
وفي تقرير صادر عن بنك الاستثمار «آي إن جي»، فإن الدولار مبالغ في قيمته مقابل معظم العملات، ما يعني أن أي ارتفاعات جديدة للعملة مقابل اليورو والين خلال الأشهر الستة المقبلة من المحتمل أن تكون هامشية. لكن البنك يضيف أنه مع تقدم عام 2019، قد يصل «الفيدرالي» للذروة فيما يتعلق بمعدل الفائدة الذي قد يوقف هذه الزيادات بحلول الربع الثالث، وهو الأمر الذي سوف ينعكس في شكل موجة بيعية بالدولار.
وحسب مسح أجرته وكالة «بلومبرغ» بشأن تنبؤات العملات الأجنبية، فإن الخسائر ستكون من نصيب الدولار مقابل عملات الملاذ الآمن التقليدية، مثل الين والفرنك السويسري.
ويشير متوسط التوقعات لزوج العملات (الدولار الأميركي - الين الياباني) إلى انخفاض من مستواه الحالي القريب من 113 ينّاً لكل دولار، إلى 108 ينات في نهاية عام 2019.
وتتزامن الرؤية التي تشير لهبوط محتمل في قيمة الدولار خلال العام المقبل مع عدد من التوقعات حول العالم، من بينها خفض تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2019.
وحسب منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، فإنه من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 3.5 في المائة في العام المقبل، وهو أقل من تقديرات مايو (أيار) البالغة 3.7 في المائة.
وبالنسبة للوضع في الولايات المتحدة، فتتوقع المنظمة أن ينمو بنحو 2.9 في المائة و2.7 في المائة على الترتيب خلال العامين المقبلين، لكن مع خطر تراجع بنحو 0.8 في المائة في عام 2020 حال فرض الإدارة الأميركية تعريفات بقيمة 25 في المائة على جميع السلع الصينية.
كما خفضت مجموعة «نومورا» اليابانية من توقعاتها لنمو اقتصاد الولايات المتحدة خلال العامين المقبلين إلى 2.4 في المائة و1.7 في المائة على الترتيب، مقارنة بالتوسع المحتمل لعام 2018 والبالغ 2.9 في المائة.
وحذرت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد، من أن الاقتصاد العالمي يواجه في الوقت الراهن مخاطر كبيرة مع ارتفاع الحواجز التجارية التي تضر كل الأطراف.
وكان صندوق النقد خفض تقديراته لنمو الاقتصاد العالمي خلال تقرير أكتوبر (تشرين الأول) الماضي للمرة الأولى منذ يوليو (تموز) 2016، ليكون 3.7 في المائة في العام المقبل بانخفاض 0.2 في المائة عن تقديرات يوليو، كما قامت بالخطوة نفسها منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي.
وفي سياق آخر، أبدى الرئيس الأميركي انزعاجه من معدلات الفائدة المرتفعة في سياق حملة هجوم قوية شنها ضد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي يرى أن الفائدة تقترب من المستوى المحايد، وهو ما يعني أن الفائدة لا تتسبب في إبطاء أو تسريع وتيرة النمو.
وفي التوقيت نفسه، أبدى تقرير الاستقرار المالي الذي أصدره «الفيدرالي الأميركي»، نبرة قلقه من أن زيادة معدلات الفائدة يمكن أن تُشكل تهديداً للسوق والاقتصاد، فضلاً عن تعليقات رئيس البنك جيروم باول بأن الفائدة قرب المستوى المحايد.
- الجانب المشرق
التوقع السلبي لم يكن منفرداً، حيث أعطى البعض نظرة متفائلة بشأن قيمة العملة الأميركية في المستقبل، مع الإشارة إلى أنه من المرجح أن يغذي الطلب على الملاذ الآمن (الدولار) حال ابتعاد المستثمرين عن الأسواق المتقلبة.
ويتوقع ديفيد بلوم، المحلل في بنك «إتش إس بي سي»، أن يكون الدولار والين الفائزين في الفترة المقبلة، حتى في حال تراجع شهية المخاطرة لدى المستثمرين وقيام «الفيدرالي» بخفض معدلات الفائدة.
ومن المرجح أن تظل الورقة الخضراء في اتجاهها الصاعد لتصل إلى 1.10 دولار أمام اليورو بحلول نهاية عام 2019، وهو ما يمثل ارتفاعاً نسبته 3 في المائة تقريباً عن المستويات الحالية، وفقاً لـ«إتش إس بي سي». وفي الاتجاه نفسه، يؤكد خبراء استراتيجيون في بنك «باركليز» أن الشائعات حول ضعف الدولار كانت مبالغاً فيها إلى حد كبير، متوقعين زيادة تتراوح بين 2 إلى 3 في المائة في عام 2019 ليكون النصيب الأكبر من دعم المكاسب متوقفاً على استمرار «الفيدرالي» في رفع معدل الفائدة خلال النصف الأول من العام.
لكن «الفيدرالي» خلال اجتماعه الأخير لعام 2018 انتهج لهجة مختلفة مع خفض وتيرة زيادة معدل الفائدة في العام المقبل إلى مرتين بدلاً من 3 مرات متوقعة سابقاً، مع التأكيد على الاعتماد على البيانات الاقتصادية.
- التقرير الأسبوعي
وقال التقرير النقدي الأسبوعي الصادر عن «بنك الكويت الوطني» أن التعطيل الجزئي للحكومة الأميركية سيمتد إلى مطلع 2019، وذلك بعد أن انتهى التمويل يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ولا يزال الرئيس دونالد ترمب يلوم الديمقراطيين على الإغلاق الجزئي وعلى خسارة الدخل بالنسبة للموظفين الفيدراليين، علماً بأنه لا يوجد ما يشير إلى تقدم في الاتفاق على الميزانية لتمويل الدوائر الحكومية التسع المعطلة حالياً.
وتبقى المسألة المتنازع عليها هي أن ترمب يطالب بمبلغ 5 مليارات دولار لبناء جدار على الحدود الجنوبية، بينما يصف الديمقراطيون مثل هذا الإنفاق بالتبذير وعدم الفاعلية. فقد أصدرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، بياناً لتوضيح وجهة نظر ترمب حول الموضوع، وقالت: «لقد أوضح الرئيس أن أي قانون لتمويل الحكومة يجب أن يموّل الأمن الحدودي بشكل كاف لوقف تدفق المخدرات غير القانونية، والمجرمين، وأعضاء عصابة (MS - 13.) ومهربي الأطفال والمتاجرين بالبشر إلى مجتمعاتنا، وحماية الشعب الأميركي». وأضافت أن «الرئيس لا يريد أن تبقى الحكومة معطلة، ولكنه لن يوقّع على أي اقتراح لا يضع أولوية له أمن وسلامة بلدنا».
وشهدت «وول ستريت»، الأربعاء الماضي، أحد أفضل أيامها منذ الكساد الكبير. وأكد التقرير أنه، ورغم أن عوامل عدة لعبت دوراً في انتعاش الأسهم بعد تدهور كبير، فقد أشار تقرير لـ«ماستر كارد» إلى أن المبيعات خلال موسم عيد الميلاد ارتفعت بأكبر قدر لها في 6 سنوات، وتمكنت من تخفيف القلق حيال صحة الاقتصاد الأميركي.
بالإضافة إلى ذلك، حاول مسؤولو البيت الأبيض تهدئة المخاوف حيال الوضع الوظيفي لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي هاجمه ترمب بعد أن استمر المجلس في رفع أسعار الفائدة.
ففي البداية، وصف ترمب، المجلس الفيدرالي، بأنه «المشكلة الوحيدة» في الاقتصاد الأميركي، بعد اجتماع للمجلس رفع فيه واضعو السياسة أسعار الفائدة للمرة الرابعة هذه السنة، وخططوا للمزيد من الرفع في 2019. وفي الوقت نفسه، لم يساعد الإغلاق الجزئي للحكومة الأميركية المستثمرين القلقين الذين، بدورهم، تخلوا عن مراكز أسهمهم ولجأوا إلى السندات الحكومية الآمنة.
ومع ذلك، تبقى الأسهم الأميركية منذ بداية السنة وحتى الآن في نطاق سلبي، علماً بأنه لم يبق غير يوم واحد للتداول في 2018.
وأظهرت مستقبليات الأموال الفيدرالية، حسب «بلومبرغ»، احتمال تراجع بنسبة 30.3 في المائة أعلى من احتمال الارتفاع البالغ 6.5 في المائة ليناير (كانون الثاني) 2019، ما يمكن أن يكون إشارة من الأسواق على أنها تأخذ في حسبانها أن دورة تسهيل أو ركود ستبدأ خلال سنة فقط من الآن. إضافة إلى ذلك، فإن سعر الفائدة على الإقراض بين البنوك في سوق لندن (لايبور) لسنة واحدة تراجع بمقدار 10 نقاط أساس منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الحالي، ليبلغ 3.03 في المائة.
ومن ناحية السلع، شهدت أسواق النفط تقلباً مع ارتفاع الخام الإسنادي الأميركي بعد خسائر جسيمة، رغم استمرار القلق المحيط بالأسواق بشأن صحة الاقتصاد العالمي. فقد كانت الأسواق المالية تعاني من مخاوف حيال تباطؤ الاقتصاد العالمي وسط حروب تجارية وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية.
وقال وزير الطاقة الروسي، يوم الثلاثاء الماضي، إن أسعار النفط ستصبح أكثر استقراراً في النصف الأول من 2019، نظراً لتضافر الجهود بين الدول الأعضاء في «أوبك» والدول غير الأعضاء.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا
- ارتفاع قيمة "اليورو الأوروبي" أمام الدولار الأميركي
- "وول ستريت" تشهد أسوأ جلسة في تاريخها تزامنًا مع أعياد الميلاد
أرسل تعليقك