بلغت المبالغ المستثمرة في الشركات الناشئة المتخصصة بالتكنولوجيا المالية في 6 سنوات 40 مليار دولار. وسجلت تلك الاستثمارات صعوداً هائلاً نسبته 1600 في المائة بين 2010 و2016 من 0.8 مليار إلى 13.6 مليار دولار، بحسب إحصاءات مجمعة من بنك التسويات الدولية وشركة الخدمات المهنية العالمية "كي بي إم جي". وتوزعت اختصاصات تلك الشركات كالتالي: 41 في المائة لخدمات وتطبيقات الدفع والمقاصة والتسويات المالية، و27 في المائة للخدمات المساندة والبنى التحتية والحوسبة السحابية وأنظمة الحماية، و18 في المائة للائتمان والودائع والاكتتابات، و9 في المائة لإدارة الأصول والاستثمارات، و5 في المائة في خدمات أخرى.
وأكدت مصادر متابعة لهذا القطاع المزدهر بقوة أن المسألة تعدت الخدمات المالية والمصرفية التي تقدم "أونلاين"، إلى عمليات ستقلب موازين العمل المصرفي رأساً على عقب في السنوات القليلة المقبلة. فبعض تلك الشركات بات يقدم نفسه بديلاً عن المصرف التقليدي مع تطور التكنولوجيا، كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تتقدم هي الأخرى لتأخذ حصة من هذه السوق المجزية؛ إذ كانت أعلنت شركة "فيسبوك" أنها تقدم لمشتركيها خدمة استخدام صفحاتهم لجمع الأموال لمشاريعهم الخاصة،
مثل التعليم والصحة والطوارئ الشخصية كالحريق والوفاة وحوادث السير، بعدما كانت سمحت العام الماضي للجمعيات الخيرية باستخدام صفحاتها لجمع الأموال. وتتحضر "واتساب" لإطلاق خدمة الدفع باستخدام تقنية خاصة لذلك ستعلن عنها قريباً.
ودفع ذلك "لجنة بازل"، التي تضع المعايير الدولية لمصارف العالم، إلى أعداد تقرير ناقشته الأسبوع الماضي وضعت فيه المصارف التقليدية والجهات الرقابية أمام تحديات هذا الواقع الجديد المتطور بسرعة خيالية. وخلص التقرير إلى 5 سيناريوهات، علماً بأن أسوأها قابل للحصول؛ بحسب ما أكد معدو التقرير الذي اتخذ طابعاً تحذيرياً.
السيناريو الأول هو انتصار البنوك التقليدية في هذه المعركة التكنولوجية بفضل تفوقها وعراقتها في الأسواق، بحيث تقدم هي على استثمارات ضخمة في القطاع التكنولوجي وتستحوذ على تطبيقات الشركات الناشئة لدمجها في بنك المستقبل القائم على الرقمنة إلى جانب الخدمات التقليدية. وهذا السيناريو يطور العمل المصرفي كثيراً بفضل الذكاء الصناعي.
أما السيناريو الثاني، فيفترض أن البنوك التقليدية لن تستطيع اللحاق بركب التكنولوجيا كما يجب، وسترى نفسها وقد استبدلت بها بنوك أخرى "نيو بنك" تقوم على أنقاضها، قوامها التقدم التكنولوجي مع الحصول على تراخيص مصرفية لخدمات تقدم بالهاتف الجوال الذكي. وهذه حال شركات ناشئة كثيرة تعمل الآن في الولايات المتحدة الأميركية وفي الصين.
أما السيناريو الثالث الذي طرحه تقرير «لجنة بازل» الدولية فيقوم على "صلح الشجعان" كما وصفته، أي التنسيق الذكي بين الطرفين. وهذا ما يحصل حالياً في القطاع المالي؛ حيث يتعايش الطرفان ويبنيان التحديث والابتكار معاً، على ألا يتغول أي طرف على عملاء الآخر.
السيناريو الرابع يتوقع أن تنجو البنوك وتبقى غير قابلة للتجاوز في بعض الخدمات التي توفرها، لكن دورها يتحول إلى مقدم ومتسلم خدمة غير منظور عمليا، لأنها تضع خبراتها بتصرف الشركات التكنولوجيا المالية وعمالقة الإنترنت التي تحتفظ لنفسها بالعلاقة مع العملاء والمستخدمين. ويؤكد التقرير إمكان حصول هذا السيناريو استناداً إلى تجارب حالية، مثل تطور ونجاح انتشار خدمات منصات الدفع الإلكتروني، على أن يبقى للمصرف التقليدي دور الخزانة ومطابقة العمليات وامتثالها للقواعد الرقابية. وبذلك تتحول البنوك إلى واحدة من القنوات المالية التي تستخدم الذكاء الصناعي في خدمة العملاء.
أما السيناريو الخامس فهو كارثي بالنسبة للبنوك القائمة، لأنه يفترض أن التقنيات المتطورة يمكن أن تجعل مفهوم البنك التقليدي من الماضي، وتحل محله العمليات التي تطورها المنصات التكنولوجية وتقدمها مباشرة إلى العملاء، لأنها ستكون الأقدر على فهم احتياجاتهم بفضل البيانات والمعلومات التي بحوزتها عنهم. وهناك أمثلة على ذلك حالياً، مثل منصات الإقراض والاقتراض التي تضع العملاء وجهاً لوجه، حيث يتعاملون مالياً عبر الإنترنت بلا وسيط، وهناك عمليات "بيتكوين" ذات القيمة التي تجرى من دون المرور بالبنوك.
في المقابل، تقول مصادر مصرفية إن تقدم خدمات التكنولوجيا المالية أمر واقع لا محالة. فبعض الشركات الناشئة في هذا القطاع تعتمد في توسعها على جيل بات لا يستسيغ التعامل مع البنك التقليدي لأسباب مختلفة، منها السمعة غير الحسنة التي شاعت عن القطاع المصرفي حول العالم بعد الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في 2008. وبين الأسباب أيضا أن جيل الشباب المتصل "أونلاين" على مدار الساعة ينظر باستهزاء إلى فرع البنك الذي في منطقة سكنه لأنه يعمل ساعات قليلة ويقفل في عطلة نهاية الأسبوع، كما يعطل في عشرات الأيام الأخرى في الأعياد والمناسبات. إلى ذلك، فإن عالم المال بات عالمياً بلا حدود، وهذا ما تدعي تقديمه شركات التكنولوجيا المالية.
وتشير المصادر المتفائلة بمستقبل شركات التكنولوجيا المالية إلى الشركة الأميركية الناجحة في هذا القطاع، والتي تخصصت في تقديم خدمات لشريحة معينة من العملاء الميسورين، واسمها "صوفي". فقد تخصصت هذه في قروض الطلاب، ولديها الآن 350 ألف عميل بعدما بلغ الرصيد التراكمي للقروض التي منحتها نحو 20 مليار دولار.
تبقى الإشارة إلى استطلاع أجرته "لينكد إن" كشف أن 50 في المائة من جيل الألفية مستعد لترك مصرفه أو مصرف عائلته ليتعامل مع تلك الشركات العابرة للقارات بخدمات سريعة وتكلفة قليلة، لأن مقارنات الأسعار عبر الإنترنت جعلت الشفافية معياراً أول، لكن تبقى الثقة التي هي من أعمدة العمليات المصرفية، وهذا ما تعمل تلك الشركات الناشئة على تعزيزه.
--
أرسل تعليقك