انطلقت أمس الأربعاء، فعاليات الملتقى السنوي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي في العاصمة الأردنية عمَّان، الذي ينظمه الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب بالتعاون مع جمعية البنوك في الأردن بمشاركة عربية واسعة. ويسلِّط الملتقى، الذي يستمر يومين، الضوء على الآليات والوسائل الجديدة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب الضريبي، التي تشكل أهمية لمستقبل المصارف العربية، لا سيما في ظل التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فيما يتناول الملتقى أساسيات ومبادئ المكافحة حسب متطلبات القوانين والتشريعات الدولية، لا سيما متطلبات لجنة بازل.
وقال نائب رئيس اتحاد المصرفيين العرب ورئيس مجلس إدارة صندوق استثمار أموال الضمان، مروان عوض، إنه في ظل ظاهرة العولمة أصبح للجرائم المالية أبعاد خطيرة تهدد الاقتصاد والأمن والاستقرار العالمي، الأمر الذي فرض هذا الموضوع على جدول أعمال صناع القرار العالمي.
وأكد في كلمة ألقاها خلال افتتاح أعمال الملتقى، أن المخاطر المتعددة للجرائم المالية تتطلب معايير للمؤسسات المالية، وهو ما عملت عليه مجموعة العمل المالي التي وضعت معايير وعملت على تعزيز التدابير المتخَذَة لمكافحة غسل الأموال، التي تم تطويرها لتكون قابلة للتطبيق عالميا، مبيناً أن هذه المعايير وصلت حالياً إلى ما يُعرَف بالتوصيات الأربعين، التي باتت تمثل أساس المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال.
وأشار إلى أن إفرازات التطبيق المتشدد في مجال مكافحة الإرهاب أدت إلى توجه المؤسسات المالية إلى تجنب المخاطر من خلال تقييد علاقاتها مع بعض العملاء، وهو ما أضر بالنشاطات المصرفية، مؤكداً أن ممارسة تجنب المخاطر من قبل المؤسسات المالية تُعد دليلاً على فشل السوق، مما أدى إلى التوجه إلى قنوات غير منظمة وأضرّ بتحقيق هدف الاشتمال المالي.
وأكد أهمية إجراءات الحد من التهرب الضريبي، لا سيما القوانين التي تبنتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي أقرت قانونا أكثر شمولية من قانون «فاتكا» الأميركي، وهو قانون «جاتكا» الذي يتيح تبادل المعلومات بشكل تلقائي بين المؤسسات المالية العالمية، ما يُعرف بمعيار الإبلاغ الموحد، داعياً الدول العربية إلى سرعة الانضمام لهذا المعيار وتوعية المؤسسات المالية في آليات تطبيقه، في حين أن خمس دول عربية فقط انضمت إليه. وقال مدير عام جمعية البنوك في الأردن، الدكتور عدلي قندح، إن المجتمع الدولي بذل، ومنذ عدة سنوات، جهوداً حثيثة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالشكل الذي يمنع المتورطين في الأنشطة الإجرامية من استغلال سلامة النظام المالي الدولي واستقراره.
وأضاف أنه ورغم هذه الجهود، يبقى هذا التحدي مستمراً لأن تلك التهديدات تتطور باستمرار، كما أن طبيعة تدفقات الأموال غير المشروعة تتفاوت وتتقاطع بين الدول والقطاعات الاقتصادية.
وأكد أن المتورطين في الأنشطة الإجرامية، يلجأون لاستخدام طرق متطورة في غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، إذ إن التطورات السريعة في مجال التكنولوجيا والاتصالات سمحت بأن تتحرك الأموال في أي مكان في العالم بسهولة وسرعة، ما يجعل مهمة مكافحة غسل الأموال أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.
وقال قندح إنه كلما ازدادت الأموال القذرة في النظام المصرفي الدولي، كان من الصعب تحديد مصدرها، وبسبب الطابع السري لغسل الأموال، يصعب تقدير المبلغ الإجمالي للمال الذي يمر من خلال دورة غسل الأموال.
وأضاف أن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة قدر حجم غسل الأموال على مستوى العالم في سنة واحدة بنسبة تتراوح ما بين 2 - 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتعادل نحو 800 مليار دولار، وهو ما يقدر بمبلغ تريليوني دولار حالياً.
وأشار إلى عدد من التطورات في النظام المالي الدولي خلال العقود الأخيرة التي جعلت من عملية إيجاد وتجميد ومصادرة الإيرادات والأصول المستمدة من أنشطة إجرامية عملية أكثر صعوبة، منها «الدولرة» في الأسواق السوداء (استخدام الدولار الأميركي في المعاملات)، والاتجاه العام نحو التحرير المالي، والتقدم الذي أحرزته السوق الأوروبية، وازدياد الملاذات السرية للأموال.
وأكد أن التقدم في التكنولوجيا والاتصالات أسهم في تطوير البنية التحتية المالية لتشكل نظاماً عالمياً يعمل بشكل مستمر، ويمكن أن تتحرك فيه (الأموال المرمزة، أي الأموال في شكل رموز على شاشات الحاسوب) في أي مكان في العالم بسرعة وسهولة، منوهاً بأن هذا الأمر يعد مسألة مهمة تؤثر علينا جميعاً لأن عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب تشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار النظم المالية ومستويات الثقة فيها، إضافة لتكاليفها الاجتماعية والسياسية المرتفعة.
وبيّن أن كثيراً من الدول، بما فيها الأردن، اتخذت تدابير شاملة للتصدي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك كثير من الإجراءات المتعلقة بالقوانين والأنظمة والعقوبات والتوعية العامة، إضافة لأدوات محددة تزيد من قدرة الهيئات الرقابية والسلطات التنفيذية على المراقبة والتحقيق وتبادل المعلومات المتعلقة بتلك المخاطر.
من جانبه، دعا رئيس مجموعة «طلال أبو غزالة»، إلى وضع آليات تسهم في محاربة غسل الأموال وتجفيف منابع تمويل الإرهاب والقضاء عليه، ولو جزئياً، التي كان أبرزها ضرورة تعزيز مفهوم «اعرف عميلك»، والتحقق من الأعمال التي ليس لها مبرر اقتصادي ومقارنتها مع نشاط العميل الرئيسي والاستفسار عنها، وتحديث معلومات العملاء بشكل دوري، داعيا إلى تفعيل دائرة مسؤول الالتزام (النزاهة) لمراجعة المعاملات المادية باستمرار، وزيادة مستوى فَهْم جميع موظفي القطاع المصرفي بطرق تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ووسائل اكتشافها، وعمل دورات تدريبية بشكل دوري لجميع العاملين في القطاع، والقيام بإجراء معاملات غسل وهمية والتحقق من قدرة الموظفين على اكتشافها.
وشدد طلال أبو غزالة على ضرورة تطوير إجراءات الرقابة على البنوك من قبل البنوك المركزية، وخلق قنوات وثيقة من مدققي الحسابات للتحقق من عدم وجود معاملات مشبوهة، إذ إن المدقق هو من الجهات المستقلة التي تطلع على تفاصيل المعاملات المالية، ومعرفة أسباب تغيير العملاء لنشاطاتهم التي من أجلها تم فتح الحسابات، إلى جانب التحقق من وجود سجلات محاسبية منتظمة لدى العملاء، بالإضافة إلى وجود بيانات مالية مدققة من إحدى المؤسسات المهنية العالمية.
وطالَبَ بتغليظ العقوبات على المتهربين من دفع ضريبتي الدخل والمبيعات وتسهيل عمليات التقاضي وتسريعها، وبناء قاعدة بيانات لجميع العاملين في الدولة بحيث يصبح الجميع ملزمين بتقديم بيانات عن طبيعة الأنشطة التي يزاولونها حتى لو كانوا غير مكلفين بالدفع، وإلزام جميع العاملين في قطاع الخدمات بضرورة إصدار فواتير تحمل الرقم الضريبي لمؤسساتهم.
--
أرسل تعليقك