انهالت الانتقادات الدولية من شركاء أميركا التجاريين، بعد أن وقع الرئيس الأميركي مساء الخميس، قراره بفرض رسوم حمائية على واردات الصلب والألومنيوم، بينما حاولت الإدارة الأميركية تخفيف حدة الهجوم عليها باستثناء بعض الدول من هذه الرسوم.
ويأتي قرار ترمب الأخير بعد مناشدات دولية عدة بالتراجع عنه، خشية أن يجر العالم لموجة من السياسات الحمائية، لكن الرئيس الأميركي تمسك بموقفه، وقال موجهًا كلامه للبلدان المصدرة «إذا كنتم لا تريدون دفع ضرائب، فلتأتوا بمصانعكم إلى الولايات المتحدة الأميركية». بينما أعلن البيت الأبيض أن الرسوم الجديدة التي ستفرض بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب و10 في المئة على الألومنيوم، سيتثنى منها كندا والمكسيك في حال توصلت أميركا إلى اتفاق على إعادة التفاوض حول اتفاق التجارة الثلاثية معهما.
وقالت وزيرة الخارجية الكندية، كريستيا فريلاند، تعقيبًا على استثناء بلادها «من المنطقي واللازم استبعاد كندا»، فبينما يستند ترامب في فرض الرسوم الجديدة إلى زعم أن واردات الصلب والألومنيوم تهدد الأمن القومي لبلاده، فإن كندا تربطها بالولايات المتحدة اتفاقات عسكرية كبرى، و«من غير المتصور أن نمثل تهديدًا»، كما أضافت الوزيرة.
وأشار ترامب أيضًا إلى أن بلاده ترتبط بـ«علاقات وثيقة جدًا بأستراليا (...) ولدينا فائض تجاري مع (هذا) البلد العظيم والشريك»، وهو ما ينبئ بإعفاءات محتملة عن «دول أخرى» لم يحددها الرئيس، إلا أنه هاجم الدول التي قال إنها «استغلت بلاده»، ولا سيما ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، بينما لم تستبعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتخاذ أوروبا لإجراءات مضادة للرسوم الأميركية، «ولكن يجب أن تكون الأفضلية حاليًا في البداية لإجراء مباحثات».
ووصف رئيس معهد إيفو الألماني للبحوث الاقتصادية رسوم ترامب الأخيرة بأنها «انحراف خطير»، مطالبًا الاتحاد الأوروبي بالرد بتعريفات عقابية، لكنه شدد أيضًا على ضرورة ألا تقوم أوروبا بإعاقة واردات الصلب من الصين أو الهند، حتى لا تجر أوروبا الاقتصاد العالمي لموجة من الحمائية، ولم تأتِ الانتقادات من برلين وحدها، ولكن من أكثر من عاصمة أوروبية، حيث قال وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لو مير، إن «حربًا تجارية لن تُسفر سوى عن خاسرين».
واعتبر وزير الدولة البريطاني لشؤون التجارة الدولية، ليام فوكس، أن فرض تلك الرسوم على بلاده ليس منطقيًا، «لأننا مسؤولون فقط عن 1 في المئة من واردات الصلب لأميركا»، وقال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إن بلاده ستعمل مع الاتحاد الأوروبي على دراسة فرض أي إعفاء من الرسوم الجديدة.
وجاء في تصريحات لنواب ثاني أكبر كتلة سياسية داخل البرلمان الأوروبي، أنه «يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يرد بقوة، وأن يظل متحدًا لحماية عماله وأعماله والحفاظ على دور القانون، لأن العمليات الحمائية المتهورة والقومية لن تؤدي إلا إلى عزل الولايات المتحدة وإلحاق الضرر بها».
وقالت البرلمانية اليسيا موسكا، مسؤولة ملف التجارة في الكتلة السياسية للاشتراكيين والديمقراطيين: «اليوم وأكثر من أي وقت مضى، ينبغي أن نقف معًا للدفاع عن دور منظمة التجارة العالمية، والقضايا العالمية تتطلب حلولًا عالمية»، واعتبر عضو الكتلة السياسية ورئيس لجنة التجارة بالبرلمان الأوروبي، برند لانجي، أن ترامب يحاول فرض حكم الأقوياء بدلًا من الدفاع عن حكم القانون.
وتدرس المفوضية الأوروبية قائمة أولية بتعريفات جمركية عقابية على منتجات أميركية مثل الويسكي والذرة وزبدة الفول السوداني، لكن أوروبا تأمل في أن تعفيها أميركا من الرسوم الجديدة، ويحذر دونالد توسك، رئيس الاتحاد الأوروبي من أن «الحروب التجارية سيئة ويمكن خسارتها بسهولة».
وفي آسيا، حذرت الصين من أنها مستعدة للرد على الرسوم الأميركية، ويحظى العملاق الآسيوي بنصيب كبير من هجوم ترامب على شركائه التجاريين لما تتمتع به من فائض كبير في الميزان التجاري مع أميركا، ويقول الرئيس الأميركي إنه طلب من بكين «وضع خطة تقضي بخفض قدره مليار دولار في العجز التجاري الهائل مع الولايات المتحدة».
وأبرز وانغ هيغون، مدير مكتب الاستقصاء التجاري بوزارة التجارة الصينية، أن «سوء استخدام الولايات المتحدة لبند الاستثناء من أجل الأمن القومي» يعد هجومًا غاشمًا على نظام التجارة متعدد الأطراف الذي تمثله منظمة التجارة العالمية، وسيكون له بالتأكيد تأثيرًا خطيرًا على نظام التجارة الدولي.
ومن جهته، قال اتحاد الحديد والصلب في الصين، إنه «يعارض بشدة» الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على واردات الصلب والألومنيوم، ودعا الحكومة الصينية إلى الرد بإجراءات ضد الواردات من أميركا إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ونشر تعليقاته في موقعه الإلكتروني الرسمي بعد أن مضى الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدمًا يوم الخميس في فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على واردات الصلب وبنسبة 10 في المئة على واردات الألومنيوم.
وتتصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم منذ أن تولى ترمب منصبه. وتشكل الصين نسبة صغيرة من واردات أميركا من الصلب، لكن توسعها الصناعي الضخم ساعد في إيجاد وفرة في المعروض العالمي من الصلب دفعت الأسعار للهبوط، بينما اعتبرت اليابان الجمعة، أن خطوة ترامب الأخيرة يمكن أن يكون لها «تأثير خطير» على العلاقات الاقتصادية بين طوكيو وواشنطن.
وأشار وزير الخارجية الياباني تارو كانو في بيان «سنتخذ التدابير المناسبة بعد أن ندرس بعناية النتائج المترتبة (لهذه الرسوم) على الاقتصاد الياباني»، وحث اتحاد صناعة الألومنيوم، الولايات المتحدة، على سحب الرسوم الجمركية الجديدة على واردات الألمنيوم، قائلًا إنه يشعر بقلق من أن هذه الخطوة الأميركية لن تؤثر فقط على الصناعة، بل أيضًا على التجارة العالمية. وأضاف في بيان «الإجراءات الأميركية لا تتماشى مع قواعد التجارة الدولية وتبعث على بالغ الأسف»، ومضى قائلًا «واردات الألمنيوم من اليابان، وهي حليف للولايات المتحدة، لا تؤثر مطلقًا على الأمن القومي الأميركي».
وعلى صعيد أميركا اللاتينية، قالت الحكومة البرازيلية إنها ستتخذ «كل الإجراءات اللازمة» في المنتديات الثنائية ومتعددة الأطراف من أجل حماية مصالحها بعد فرض الولايات المتحدة رسومًا جمركية مرتفعة على واردات الصلب والألومنيوم، وأكدت وزارتا الخارجية والتجارة في بيان مشترك، إن الإجراءات ستعيق بشدة الصادرات البرازيلية، وإنها لا تتماشى مع التزامات الولايات المتحدة تجاه منظمة التجارة العالمية.
وفي تركيا، بيّن جميل أرتيم، مستشار الرئيس التركي، أن بلاده قد ترد بإجراءات طويلة الأجل على الرسوم الأخيرة، وتبدو الولايات المتحدة أكثر عزلة، خصوصًا بعد أن أعلنت 11 دولة من أميركا وآسيا توقيع اتفاق التبادل الحر عبر المحيط الهادي، الذي يتضمن حواجز وتعريفات جمركية أقل، بينما انسحبت الولايات المتحدة من هذا الاتفاق قبل عام مطالبة بفرض مزيد من القيود.
ويشمل الاتفاق 11 بلدًا مطلًا على المحيط الهادي هي أستراليا وبروناي وكندا وتشيلي واليابان وماليزيا والمكسيك ونيوزيلندا وبيرو وسنغافورة وفيتنام، مع ذلك، يصعب تجاهل الضربة القوية التي مثلها انسحاب واشنطن، إذ لم يعد الاتفاق يشمل سوى 15 إلى 18 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي العالمي.
أرسل تعليقك