يواجّه الاقتصاد القطري شبح تفاقم الديون الداخلية والخارجية من شهر لآخر، فهناك مؤشرات عدّة تؤكد أن اقتصاد الدوحة يواجه تحديات كبرى، من شأنها أن تعصف بكثير من الاستثمارات الخارجية أو الداخلية إلى مناطق أكثر صعوبة، مما يجعلها استثمارات سلبية، تعود بالخسائر على الاقتصاد القطري، أو على المستثمرين فيها.
وفي الوقت الذي كشفت فيه بيانات مصرف قطر الوطني عن ارتفاع الديون الداخلية والخارجية للحكومة القطرية ومؤسساتها التابعة إلى نحو 574 مليار ريال قطري، "نحو 158 مليار دولار"، في نهاية يوليو/تموز الماضي، تكشف التعهدات الجديدة التي وضعتها الدوحة على عاتقها لدعم الاقتصاد التركي أو الاستثمار في ألمانيا، بمثابة التعهدات الجديدة التي ستزيد من تفاقم ديون الحكومة القطرية، حيث ستلجأ الدوحة إلى أسواق الدين، بهدف الوفاء بتعهداتها التي تتزامن مع تزايد حجم الديون التي يعاني منها اقتصاد البلاد.
وتبيّن البيانات ذاتها، أن المطالبات الداخلية من المصارف القطرية على حكومة الدوحة ومؤسساتها والمؤسسات شبه الحكومية بلغت في نهاية يوليو/تموز الماضي نحو 466 مليار ريال "128 مليار دولار"، مسجلة بذلك ارتفاعًا ملحوظًا في العام الأول للمقاطعة الدبلوماسية التي تجدها الدوحة من قبل الدول الداعية لمكافحة الإرهاب.
وتشير بيانات مصرف قطر إلى أن حجم مطالبات القطاع المصرفي القطري على القطاع الخاص بلغت نحو 517 مليار ريال بعد أن كانت 467 مليار ريال قبل عام، أي بارتفاع يقدر بنحو 60 مليار ريال (16.5 مليار دولار) خلال عام، وهو ما يشير إلى تزايد حجم الديون على القطاع الخاص، هذا بالإضافة إلى تزايدها الملحوظ على قطاع الأفراد.
ويشكّل تفاقم حجم الديون الداخلية والخارجية تهديدًا واضحًا للاستثمارات المحلية في الدوحة، حيث تتجه الاستثمارات دائمًا إلى الاقتصادات الأكثر عمقًا وقوّة، أو الاقتصادات الأكثر قدرة على النمو، بعيدًا عن الدخول في اقتصادات مهددة بشكل ملحوظ بتفاقم حجم الديون، عبر توجيه الاستثمارات الحكومية الخارجية إلى اقتصادات معينة، لأهداف لا تبنى على أسس اقتصادية أو استثمارية واضحة.
والتهديدات التي تسيطر على اقتصاد قطر لا تتعلق فقط بتوقف بوصلة الاستثمار، ولا بتراجع القوة الشرائية، ولا بمحدودية منافسة الذراع الجوية للدوحة، بل إنها طالت أسواق الغاز، حيث ذكرت وكالات أنباء عالمية في وقت سابق أن أستراليا باتت تهدد إنتاج قطر للغاز الطبيعي المسال، حيث تخطط أستراليا لزيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال بنحو 16 في المائة في 2018.
وتشير الأرقام إلى تراجع حجم الاستثمار الأجنبي في قطر، بنسبة 10.3 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري 2018. على أساس سنوي، حيث تكشف الأرقام عن انخفاض يبلغ مداه 77.6 مليار ريال قطري "21.3 مليار دولار"، وذلك مقارنة بالربع الأول من العام الماضي 2017. وفقاً لإحصاءات رسمية.
وبلغ حجم التراجع في الاستثمار الأجنبي المباشر "الاستثمار إلى الداخل" نحو 8.6 مليار ريال قطري، فيما تراجع إجمالي الاستثمارات الأجنبية إلى 455.9 مليار ريال قطري خلال الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ524.9 مليار ريال خلال الربع الأول من العام الماضي، بانخفاض يبلغ حجمه نحو 69 مليار ريال قطري. وتظهر بيانات صادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في قطر عن تراجع ملحوظ في حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة إلى الدوحة، في مؤشر يؤكد تراجع حجم الموثوقية في مدى قدرة الاقتصاد القطري على مواجهة تكاليف الدين العام العالية التي تحيط به.
وتأتي هذه التطورات في الوقت الذي تتمدد فيه الآثار الاقتصادية التي طالت قطر، عقب قطع العلاقات الدبلوماسية معها، حيث أصبحت عمليات تدفق رؤوس الأموال الجديدة، أو توسيع دائرة الاستثمار الأجنبي في الدوحة، مقلقة بشكل كبير للشركات العالمية، مما دعاها إلى التوقف خلال المرحلة الحالية عن إجراء أي خطوات توسعية، في ظل المقاطعة الدبلوماسية.
ويعكس الانخفاض الواضح لحجم الاستثمارات الأجنبية في الدوحة، مستوى قلق رؤوس الأموال الأجنبية من مستقبل اقتصاد البلاد، حيث تؤكد الأرقام الجديدة أن الدوحة لم تعد خيارًا مناسبًا، لتوسع المستثمرين الأجانب رغم محاولاتها المتكررة لتسهيل إجراءات الاستثمار الأجنبي وزيادة تدفقه.
أرسل تعليقك