تعاني إيران مجددًا من تضييق الخناق على صادراتها النفطية من قبّل الولايات المتحدة، فعلى الرغم من عدم إعلان مشترين كبار للنفط الإيراني عن "امتثالهم الكامل" لرغبة واشنطن في قطع كامل واردات حلفاء الولايات المتحدة من النفط الإيراني؛ فإن الأرقام تشير إلى أن صادراتها وإنتاجها في تراجع، وأن مزيدًا من نفطها أصبح مخزنًا في ناقلات وسط البحر.
وأظهرت بيانات تتبع الناقلات النفطية، الخاصة بوكالة "بلومبيرغ" أن هناك 8 ناقلات نفطية مملوكة لشركة ناقلات النفط الإيرانية مملوءة بالنفط وراسية في وسط البحر، وهو مما قد يعبر عن أن إيران تواجّه صعوبات في إيجاد زبائن لهذه الشحنات وتريد الإبقاء عليها عائمة حتى يتم شحنها بسرعة؛ متى ما تم توفير زبائن لها.
وتحمل هذه الناقلات نحو 14 مليون برميل من النفط الإيراني، 11 مليون برميل منها نفط خام، و3 ملايين برميل مكثفات. والمكثفات نوع من النفط الخفيف جدًا الذي يوجد في صورة غازية في مكامن النفط، ولكنه يصبح سائلًا في حالة الضغط العادية على سطح البحر.
وترسو ناقلتا نفط محملتان بالمكثفات قبالة جبل علي في الإمارات العربية المتحدة حيث تعدّ دبي من بين الزبائن للمكثفات والنفط الإيراني. فيما ترسو 5 ناقلات عملاقة من فئة "في إل سي سي"، التي تستطيع حمل حتى مليوني برميل، مقابل جزيرة خرج، المرفأ الأهم لتصدير نفط إيران، وواحدة منها مقابل جزيرة سوروش للتصدير التابعة لحقل سوروش، وهو حقل على مقربة كبيرة جدًا من المياه الإقليمية السعودية والكويتية للمنطقة المحايدة. وبحسب بيانات "بلومبيرغ" للناقلات، فإن إيران واجهت بعض الصعوبات في تصدير نفطها إلى الصين التي تعد الزبون الأول لنفطها. ففي العادة تصدر إيران شحنة حجمها مليونا برميل كل 3 أيام إلى الصين، ولكنها هذه المرة لم تتمكن من شحن أي ناقلة إلى الصين لمدة 18 يومًا متواصلة.
وتمكنت إيران يوم الأربعاء الماضي أخيرًا من شحن ناقلتين عملاقتين إلى الصين وهما "دينو1" و"ديون" من جزيرة خرج. وكانت آخر شحنة خرجت من إيران إلى الصين قبل ذلك بتاريخ 25 أغسطس/آب الماضي على متن الناقلة "ستارلا"، التي حملت مليوني برميل. وفي النصف الأول من العام الجاري، صدرت إيران إلى الصين نحو 660 ألف برميل يوميًا في المتوسط، واشترت الصين في العام الماضي ثلث صادرات إيران من النفط. وكانت إيران لجأت إلى حيلة تخزين النفط في البحر قبل رفع العقوبات الأميركية عنها نتيجة الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
وذكرت وكالة "بلومبيرغ" في تقريرها، أن حمولة الناقلات الإيرانية حتى الآن لا تستوعب سوى كميات قليلة تكفي لأسابيع وليس لأشهر، كما كان عليه الوضع بين عامي 2012 و2016، عندما كانت إيران ترسل ملايين البراميل من النفط إلى منطقة التخزين العائمة. ورغم أن عدد الناقلات حتى الآن قليل، فإنه مرشح للازدياد مع اقتراب موعد تطبيق العقوبات الأميركية. ويبرز تخزين إيران النفط في البحر التحديات التي تواجهها لإيجاد مشترين لذهبها الأسود.
وقالت "بلومبيرغ" إن مشترين، مثل فرنسا وكوريا الجنوبية وغيرهما، بدأوا عمليا تقليص اعتمادهم على النفط الإيراني بصورة حادة، خصوصا كوريا التي لم تستورد برميلا واحدا من إيران الشهر الماضي.
وحسب البيانات، فإن معظم العملاء الرئيسيين لإيران اشتروا كميات أقل من براميل النفط الإيرانية في أغسطس/آب الماضي، مقارنة بما اشتروه في أبريل/نيسان الماضي، أي قبل شهر من إعلان واشنطن إعادة فرض العقوبات الأميركية على طهران.
ونقلت "بلومبيرغ" في التقرير عن كبيرة محللي النفط في شركة "إنيرجي اسبكتس"، أمريتا سين، أن الصادرات الإيرانية تتراجع بسرعة، مشيرة إلى أن معدل شحنات النفط الإيرانية في سبتمبر/أيلول الجاري، يبلغ 1.5 مليون برميل يوميا، وفقا لبرنامج التحميل الأولي، مقارنة بنحو 2.8 مليون برميل يوميا من صادرات النفط قبل مايو/أيار الماضي.
وأفادت مصادر عدّة في القطاع وبيانات ملاحية بأن الناقلتين، اللتين تحملان معا نحو 2.4 مليون برميل من مكثفات "بارس" الجنوبي، تقفان قبالة السواحل الإماراتية منذ أغسطس/آب الماضي، بعدما أوقفت كوريا الجنوبية وارداتها من إيران بينما انخفض الطلب الصيني خلال الصيف. وقالت وكالة الطاقة الدولية إن إيران تشعر بتأثير العقوبات. وقالت الوكالة إن إنتاج الخام الإيراني انخفض في أغسطس/آب الماضي بمقدار 150 ألف برميل يوميا مقارنة مع يوليو/تموز الماضي، إلى أدنى مستوى في 25 شهرًا عند 3.63 مليون برميل يوميا، بينما تراجعت الصادرات 280 ألف برميل يوميًا إلى 1.9 مليون برميل يوميًا من ذروة بلغت نحو 2.5 مليون برميل يوميا في مايو/أيار الماضي.
وأظهر تقرير منظمة "أوبك" الشهري الصادر، تراجع إنتاج النفط الإيراني بواقع 150 ألف برميل يوميا خلال شهر أغسطس/آب، رغم ارتفاع إنتاج النفط الشهري لدول "أوبك" بواقع 278 مليون برميل، ليسجل 32.6 مليون برميل يوميًا. وبذلك يكون إنتاج إيران النفطي قد تراجع للشهر الرابع على التوالي، حسب بيانات "أوبك"، ليبلغ 3.584 مليون برميل، مقابل 3.734 مليون برميل في يوليو/تموز الماضي.
وستواجه إيران عقوبات أميركية على قطاعها النفطي في مطلع نوفمبر/نشرين الثاني المقبل. وتهدف إدارة ترامب لوقف الصادرات الإيرانية نهائيًا، بينما قالت الصين، أكبر مستوردي النفط الإيراني، إنها ستواصل استيراد النفط من طهران، حيث تستحوذ السوق الصينية على نحو 26 في المائة من إنتاج إيران. وكما تسعى الهند، ثاني أكبر مستوردي النفط الإيراني، للحصول على استثناء من العقوبات الأميركية؛ إذ تمثل وارداتها 23 في المائة من صادرات طهران النفطية.
وقال البنك المركزي الإيراني يوم الثلاثاء الماضي، إن صادرات النفط الإيرانية نمت خلال 4 أشهر انتهت في 22 يوليو/تموز الماضي إلى نحو 10 مليارات دولار، وأرجع خبراء اقتصاديون، ارتفاع عائدات إيران النفطية خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الإيراني الجاري، إلى زيادة أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث ارتفع متوسط سعر برميل النفط من 50 دولارًا للبرميل عام 2017، إلى 60 دولارًا في بداية العام الجاري.
أرسل تعليقك