يُرجّح أن يتسبب تصاعد حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين في التأثير على النمو الاقتصادي العالمي، وقد أشارت بيانات أخيرة إلى أن هذا التوتر التجاري بدأ بالفعل يلقي بظلاله؛ بخاصة على الدول التي تًعرف تقليديًا بـ"النمور الآسيوية" في جنوب شرقي القارة.
وأظهر تقرير صادر عن مؤسسة "آي إتش إس ماركت" للدراسات الاقتصادية، الإثنين، تراجع وتيرة نمو النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص في الصين خلال أكتوبر /تشرين الأول الماضي، إلى أقل مستوى له منذ أكثر من عامين، سواء في قطاع الخدمات أو الصناعات التحويلية.
وتراجع مؤشر "كايشين" المجمع للقطاع الخاص خلال الشهر الماضي إلى 50.5 نقطة، مقابل 52.1 نقطة خلال سبتمبر /أيلول الماضي. وتشير قراءة المؤشر أكثر من 50 نقطة إلى نمو النشاط الاقتصادي للقطاع، في حين تشير قراءة أقل من 50 نقطة إلى انكماش النشاط.
ويعزو المراقبون هذه التراجعات إلى تأثيرات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي انطلقت في شهر يوليو /تموز الماضي، وبدأت آثارها في الظهور على الاقتصاد الصيني.
وتراجع مؤشر مديري مشتريات قطاع الخدمات في الصين خلال الشهر الماضي إلى 50.8 نقطة، مقابل 53.1 نقطة خلال سبتمبر الماضي، ليصل إلى أقل مستوى له منذ 13 شهرًا. في الوقت نفسه، انكمش إنتاج قطاع الصناعات التحويلية، بعد زيادة شهرية استمرت 27 شهرًا.
وتزامن النمو الطفيف لنشاط قطاع الخدمات خلال الشهر الماضي، مع أول تراجع في الطلبيات الجديدة منذ نحو 10 سنوات. في الوقت نفسه، ارتفعت طلبيات قطاع التصنيع بنسبة طفيفة للغاية, ولذلك فقد سجّل المؤشر المجمع للطلبيات الجديدة أقل مستوى له منذ 32 شهرًا.
ويكون رغم النمو الطفيف للنشاط الاقتصادي لقطاع الخدمات، فإن معدلات التوظيف ارتفعت في شركات القطاع، في الوقت الذي استمر فيه انكماش قوة العمل في قطاع التصنيع خلال أكتوبر الماضي. ولم يسجل المؤشر المجمع للتوظيف في قطاعي الخدمات والتصنيع أي تغيير خلال الشهر الماضي.
يذكر أن الاقتصاد الصيني سجّل خلال الربع الثالث من العام الحالي نموًا بمعدل 6.5% فقط، وهو أقل مستوى للنمو منذ أزمة الركود الاقتصاد العالمي.
و تراجعت في أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، معدلات الإنتاج في العديد من الدول الآسيوية التي تعتمد على التصدير بما في ذلك الصين، مع سيطرة التشاؤم على التوقعات التجارية المستقبلية.
وهبط مؤشر مديري المشتريات الرسمي في الصين، الذي يتم إعداده بناءً على مسح شهري لنشاطات المصانع، إلى 50.2 نقطة في أكتوبر، مقارنةً بـ50.8 نقطة في الشهر الذي سبقه، في دلالة أخيرة على التباطؤ في ثاني أكبر اقتصاد عالمي وسط الحرب التجارية ومشكلة الدين الداخلي. ويَعتبر محللون أن تعرض الاقتصاد الصيني للمشاكل أمر سيئ لبقية المنطقة والعالم. وسجّلت الدول الآسيوية المصدّرة، من كوريا الجنوبية إلى ماليزيا، انخفاضًا في مؤشر مديري المشتريات في أكتوبر، وفقًا لمؤسستي "نيكي" و"آي إتش إس ماركت". و شهدت تايوان أكبر تراجع في الإنتاج والأعمال الجديدة منذ ثلاث سنوات، وانخفضت مشتريات الشركات للمرة الأولى منذ مايو /أيار 2016، وتتوقع مؤسستا «نيكي» و«آي إتش إس» استمرار انخفاض إنتاج المصانع خلال الأشهر الـ12 المقبلة.
وقال سون مينغ - تي من معهد تايوان للأبحاث الاقتصادية، لوكالة الصحافة الفرنسية: إن تايوان تشعر بتأثيرات هذه الحرب التجارية، لأن الصين هي مقر التصنيع للكثير من الشركات التايوانية. عندما يحصل انسداد في المصبّ ستشعر بهذا التأثير».
وتراجع مؤشر مديري المشتريات في كوريا الجنوبية إلى 51.0 نقطة في أكتوبر، بعد أن كان قد سجل 51.3 نقطة في سبتمبر، بينما هبط مؤشر آخر مستقل لاتجاهات المصانع الكورية إلى أدنى مستوياته في عامين. وتعد الصين الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية، إذ تستقطب ربع الصادرات الكورية.
وقال أحد المحللين في المؤسسة الكورية للتمويل إن «الوضع قد يزداد سوءًا العام المقبل بسبب الحرب التجارية الطويلة بين الولايات المتحدة والصين، وتنامي العجز عن السداد للمؤسسات الصينية المثقلة بالديون، وتباطؤ الاقتصاد العالمي الذي يخفض الطلب على صادراتنا».
ويشعر المصنّعون في جنوب شرقي الصين بتأثيرات هذه الحرب أيضًا، مع تراجع مؤشر مديري المشتريات في ماليزيا وتايلاند إلى ما دون 50 نقطة، ما يشير إلى الانكماش في القطاع الصناعي. وهذا أدنى مؤشر مديرين تسجله ماليزيا منذ يوليو، والأدنى لتايلاند منذ عامين.
و قال رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي اتهم شركاء تجاريين لبلاده بـ"نهب أميركا, يبدو أنه ينسحب من كل الالتزامات في الخارج".
واعتبر رئيس الوزراء الماليزي، البالغ 93 عامًا، أن هذا من شأنه أن يؤذي الجميع بما في ذلك الولايات المتحدة. وأضاف: نريد أن نبقى على علاقة ودية مع الولايات المتحدة وأن نستمر في التبادل التجاري معها. ولفت إلى أن الحرب التجارية التي تجري بين الولايات المتحدة والصين مدمّرة بالنسبة إلينا، وسندفع ثمنًا مقابل هذا.
وحذّر صندوق النقد الدولي في اجتماعه السنوي، الشهر الماضي، من أن التوترات التجارية إضافة إلى تهديدات أخرى من شأنها أن تعيق الاقتصاد العالمي، وتخفض توقعاته للنمو لعام 2019.
و لا يواجه ترامب في هذه الأثناء الكثير من الضغوط في الداخل لكبح خطابه التجاري، بخاصة مع التوقعات الاقتصادية القوية للولايات المتحدة التي تترافق مع ارتفاع الأجور وانخفاض معدلات البطالة.
و سيكون في آسيا بعض المستفيدين في الوقت الذي تعيد فيه الحرب التجارية تشكيل التوجهات التجارية، كما أشار خبراء في الاقتصاد.
ويبدو أن فيتنام على وجه الخصوص تتطلع إلى الكسب، مع مغادرة الشركات الأجنبية للصين هربًا من انعكاسات الحرب التجارية عليها. وارتفع مؤشر مديري المشتريات في فيتنام من 51.5 في سبتمبر، وهو أدنى مستوى له في 10 أشهر، إلى 53.9 الشهر الماضي.
وقال المحلل الاقتصادي ميغيل تشانكو في مؤسسة "بانثيون ماكروايكونوميكس": إن البيانات السيئة عن الصادرات والإنتاج الصناعي في الأشهر الأخيرة لم تكن كبيرة جدًا. ومع ذلك أظهرت الاستطلاعات الأخيرة كيف تمكنت فيتنام من تخطي الحرب التجارية أفضل من نظيراتها في دول آسيان». وأضاف أنه إذا تصاعدت حدة الحرب التجارية، فستكون فيتنام واحدة من الوجهات الرئيسية للشركات التي تعنى بالتصدير".
أرسل تعليقك