قبيل انطلاق جولة مرتقبة من المباحثات التجارية الأميركية الصينية بين مسؤولين رفيعي المستوى غدا الخميس، استبقت واشنطن بالإعلان عن إدراج شركات صينية في "قائمة سوداء"، وهو ما تبعه تعهد صيني بـ"الرد"، ما قد يضيف مزيدا من التعقيدات على أفق المباحثات التي ما تلبث أن تخطو خطوة إلى الأمام، حتى تعود اثنتان إلى الخلف.
ولمحت الصين أمس إلى أنها سترد على قيام إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوضع ثماني شركات تكنولوجية عملاقة على قائمة سوداء لاتهامها بالتورط في انتهاكات حقوقية ضد أقليات مسلمة. وذكرت وكالة "بلومبرغ" أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غنغ شوانغ أجاب الثلاثاء عن سؤال عما إذا كانت الصين سترد على الإجراء الأميركي بالقول للصحافيين: "انتظرونا". وأكد أيضا أن الصين ستتخذ خطوات "لحماية مصالحها"، ونفى تورط الحكومة في انتهاكات لحقوق الإنسان في منطقة شينغيانغ الواقعة أقصى غربي البلاد.
ومن بين الشركات المدرجة على القائمة السوداء شركتا "هانغتشو هيكفيجن للتكنولوجيا الرقمية" و"تشغيانغ داهوا للتكنولوجيا" التي تشير بعض التقديرات إلى أنهما تسيطران على نحو ثلث السوق العالمية لكاميرات المراقبة ولهما كاميرات في جميع أنحاء العالم، فضلا عن شركتي "سنس تايم غروب" و"ميجفي تكنولوجي المحدودة"، الرائدتين في تكنولوجيا التعرف على الوجه.
وكانت وزارة التجارة الأميركية أعلنت مساء الاثنين أنها أدرجت 28 منظمة حكومية وتجارية صينية على قائمة سوداء بسبب انتهاك حقوق الأويغور في إقليم شينغيانغ. وسيجري إدراج هذه المنظمات إلى "قائمة الكيانات" التابعة لوزارة التجارة، وهي قائمة بالشركات التي يُحتمل أن تشكل خطرا على مصالح الأمن القومي أو السياسة الخارجية. ويمنع ذلك الإجراء الشركات من شراء مكونات من الشركات الأميركية من دون موافقة الحكومة، وهي خطوة قد تنطوي على عراقيل. وذلك نفس النموذج الذي استخدمته واشنطن في محاولتها لتقييد نفوذ شركة هواوي تكنولوجيز بسبب ما تقول إنها أسباب متعلقة بالأمن القومي.
وتصف هيكفيجن، التي تقارب قيمتها السوقية 42 مليار دولار، نفسها بأنها أكبر مُصنع في العالم لكاميرات المراقبة. وقال متحدث باسم الشركة في الولايات المتحدة إنها "تعارض بشدة" القرار، وأشار إلى أنها استعانت في يناير (كانون الثاني) بخبير في مجال حقوق الإنسان وسفير أميركي سابق لمنحها المشورة بشأن الامتثال لحقوق الإنسان. وأضاف أن "معاقبة هيكفيجن رغم هذه الجهود، سيثني الشركات العالمية عن التواصل مع الحكومة الأميركية، وسيضر بالأنشطة الأميركية لهيكفيجن، وسيؤثر سلبا على الاقتصاد الأميركي". وقالت سنس تايم في بيان إنها تشعر بخيبة أمل عميقة إزاء التحرك الأميركي، وإنها تلتزم بكافة القوانين ذات الصلة في جميع المناطق التي تعمل بها، وإنها قامت على نحو نشط بتطوير قواعد أخلاقية للذكاء الصناعي لضمان استخدام تقنياتها بشكل مسؤول.
وجاءت إجراءات وزارة التجارة الأميركية بعد ساعات من إعلان البيت الأبيض أن واشنطن ستستأنف المحادثات التجارية رفيعة المستوى مع بكين في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وسط حرب تجارية مستمرة منذ نحو عام بين أكبر اقتصادين في العالم.
ومن جانبه، أعلن ترمب أنّه يُفضّل التوصل إلى اتفاق تجاري شامل مع الصين بدلًا من معاهدة جزئيّة. وقال على هامش توقيع معاهدة تجاريّة محدودة مع اليابان مساء الاثنين: "أميل إلى صفقة كبيرة" مع الصين، وأضاف أنّ صفقة جزئيّة "ليست إطلاقًا ما نُفضّله"، مشيرا إلى أن الصينيين "بدأوا شراء كثيرٍ من المنتجات الزراعيّة الأميركيّة". وأعلن البيت الأبيض في بيان الاثنين أنّ الممثل التجاري الأميركي روبرت لايتهايزر ووزير الخزانة ستيفن منوتشين سيقودان المفاوضات كما في جولات التفاوض السابقة مع وفد صيني برئاسة نائب رئيس الوزراء ليو هي.
وفي مؤشر إلى أهمية المحادثات المرتقبة، سيضم الوفد الصيني أيضا وزير التجارة تشونغ شان وحاكم البنك المركزي يي غانغ ونائب وزير الصناعة والمعلوماتية وانغ شيجون، وفق ما أوردت وكالة "الصين الجديدة" للأنباء.
وبعدما أعلنت بكين الشهر الماضي أنها عاودت شراء كميات كبيرة من لحوم الخنزير والصويا من الولايات المتحدة، سيضم الوفد الصيني إلى واشنطن وزير الزراعة هان جون.
وأوردت بعض وسائل الإعلام الأميركية أن السلطات الصينية حدّت بشكل كبير من مدى المواضيع الخلافية التي تعتزم بحثها هذا الأسبوع، لكن البيت الأبيض يؤكد أن كل المسائل ستطرح بما في ذلك المساعدات الممنوحة للشركات الرسمية الصينية والتي لا تود بكين التطرق إليها من جديد. وأوضحت أجهزة الرئيس الأميركي أن "مواضيع البحث ستتضمن عمليات نقل التكنولوجيا القسرية وحق الملكية الفكرية والخدمات والحواجز غير الجمركية والزراعة وتطبيق القوانين". وأُعلن عن مبدأ عقد لقاء بين الطرفين قبل عدة أسابيع، من دون ذكر أي تاريخ رسميا حتى الآن.
وتبقى نتيجة المفاوضات التجارية غير واضحة حتى الساعة في وقت بدأ الاقتصاد الأميركي يتأثر بالتقلبات الناجمة عن هذا الصراع المستمر منذ أكثر من عام ونصف العام. ووفق المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض لاري كودلو، فإنّ الرسوم الجمركية المتبادلة ليست السبب خلف تباطؤ الاقتصاد الأميركي. ولدى سؤاله عن احتمال توقيع اتفاق موقّت مع الصين بدلًا من اتفاق شامل، قال كودلو: "سنرى ما سيطرحونه على الطاولة (...) إننا منفتحون على هذه الفكرة"، مخالفا بذلك موقف ترمب.
ولا يزال الرئيس الأميركي يهدد بفرض رسوم جمركية مشددة جديدة على الواردات القادمة من الصين، ولو أن استراتيجية الضغوط القصوى هذه لم تكن مجدية حتى الآن. وتجري المفاوضات قبل استحقاق 15 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، التاريخ المحدد لدخول زيادة جديدة في الرسوم الجمركية من 25 في المائة إلى 30 في المائة حيز التنفيذ، مستهدفة بضائع صينية بقيمة 250 مليار دولار. وكان ترمب وافق على إرجاء تطبيق الزيادة 15 يوما بطلب من بكين.
وتراجعت الأسهم الأميركية عند الفتح الثلاثاء، إذ أثار تقرير بأن إدارة الرئيس ترمب تجري مناقشات بشأن قيود محتملة على تدفقات رؤوس الأموال إلى الصين مخاوف جديدة بشأن نتائج المحادثات التجارة رفيعة المستوى.
ونزل المؤشر داو جونز الصناعي 201.43 نقطة بما يعادل 0.76 في المائة إلى 26276.59 نقطة، وفتح المؤشر ستاندرد آند بورز 500 متراجعا 18.39 نقطة أو 0.63 في المائة إلى 2920.40 نقطة، وهبط المؤشر ناسداك المجمع 58.02 نقطة أو 0.73 في المائة إلى 7898.27 نقطة.
قد يهمك أيضًا
الحرب التجارية الاميركية الصينية تحتدم وتهدد الاقتصاد العالمي
الصين تسلم السفير الأميركي احتجاجًا رسميًا على العقوبات العسكرية
أرسل تعليقك