بدأت وزارة التموين المصرية مطلع كانون الثاني/يناير الجاري، تنفيذ قرار يقضي بتدوين الأسعار بعدما شهدت الأسواق منذ نهاية 2016 وعلى مدى العام الماضي، ارتفاعاً لا سابق له في الأسعار، التهم مداخيل المصريين في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم، وكل ما يشترونه من سلع معمرة وخدمات. وتتفاوت أسعار السلع الغذائية في شكل حاد، إذ تُحدّد وفقاً للأهواء الشخصية نتيجة غياب الرقابة على الأسواق، ما أدى إلى زيادة معاناة المحدودي الدخل وهم الفئة الأكبر في المجتمع.
واستغل تجار كثر تحرير سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، لرفع أسعار سلع تمس حياة المواطن اليومية، ما دفع الحكومة إلى إصدار قرار يلزم المصنّعين والموردين تسعير السلع، ما اعتبره كثر خطوة لمواجهة جشع التجار.
وحددت الحكومة بداية هذه السنة، موعداً لتنفيذ القرار الذي يأخذ في الاعتبار آليات العرض والطلب من دون تدخل مباشر. وزادت أسعار السلع في مصر في شكل متكرر بعدما نفّذت الحكومة العام الماضي خطة الإصلاح الاقتصادي، التي تضمنت بنوداً أهمها وأكثرها تأثيراً، تحرير سعر صرف الجنيه المصري.
وأكد وزير التموين المصري علي المصيلحي، إلزام تاجر التجزئة بإصدار فاتورة ضريبية مدوّن عليها بوضوح سعر البيع للمستهلك، ولا يجوز نهائياً زيادة السعر عن ذلك المذكور في فاتورة المصدر بمعرفة المورد. كما تلتزم كل حلقات التداول بالاحتفاظ بأصل الفاتورة والدالة على المنتج، ويجوز لحلقات التداول الاحتفاظ بصورة (طبق الأصل) من الفاتورة، وتُقدم أصول الفواتير للاطلاع عليها.
ويجوز أيضاً الإعلان عن السعر على السلع والمنتجات، إما بطباعته على المنتج مباشرة بمعرفة المنتج (المورد)، أو وضع ملصق واضح على العبوة، أو الإعلان عن السعر على الرفوف تحت السلعة، شرط أن يكون الرف والسلعة في متناول يد المستهلك. ويهدف القرار إلى تطبيق منظومة الفواتير الضريبية، وتوافر آليات تتبع المنتج من المنشأ إلى المستهلك.
وأوضح المصيلحي، أن الوزارة "ترمي من القرار ضمان إتاحة المنتج في الأسواق وعدم حجبه لإعادة تسعيره، ولتأكيد حماية المنافسة ومنع الاحتكار في السوق، وبناء قاعدة سلعية وتفعيل آليات التكامل بين كل الأجهزة التنفيذية المعنية".
وأكد الناطق باسم وزارة التموين محمد سويد، أن الهدف من القرار هو "ضبط السوق والفصل بين حق المستهلك والتزامات التاجر، خصوصاً أن القرار ينص على قاعدة تستند إلى ضرورة إصدار فواتير ضريبية بين كل حلقات التداول حتى التاجر النهائي، للتأكد من جودة السلع". وشدد على أن "لا وجود لما يسمى التسعير الجبري في مصر، وهذا القرار يعني وضع سعر محدد للسلعة بالاتفاق بين المنتج وتجار التجزئة"، موضحاً أن الوزارة "تراقب إعلان السعر فقط".
وتباينت ردود الفعل حول القرار الحكومي، إذ في وقت اعتبرته الغرف التجارية مسّاً بآليات نظام الاقتصاد المفتوح، رأى مستهلكون كثر أن القرار موفق، وكان يجب إصداره منذ وقت طويل. وقال مجدي محروس كان "مفترضاً إصدار القرار منذ زمن، لأن عدم وضع الأسعار على السلع يؤدي إلى جشع التجار".
وترى نادية سمير (70 سنة) وهي ربة منزل، أن "القرار جيد، لأن كل محل وكل تاجر يضع السعر وفقاً لأهوائه". وسعت الحكومة المصرية منذ بدء تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي إلى ضبط الأسواق، لكن من دون تدخل مباشر في عمليات تسعير السلع أو الخدمات، في محاولة للحد من الآثار السلبية.
وقال رئيس جهاز حماية المستهلك اللواء عاطف يعقوب، إن الجهاز "سيبدأ مطلع هذا الشهر وبالتزامن مع تطبيق قرار تدوين الأسعار على السلع، تشكيل مجموعات عمل لموظفي الجهاز، للتأكد يومياً من انتظام بيع السلع بأسعارها المدوَّنة في المتاجر والسلاسل التجارية في القاهرة والمحافظات".
وأوضح أن لدى موظفي الجهاز "صفة الضابطة القضائية، وستُستخدم بمصادرة السلع في حال ثبوت مخالفة القرار". كما سيطلب الموظف من التاجر "الاطلاع على الفاتورة الضريبية الخاصة بسعر السلعة الواردة من المصنع، والذي يُباع به المنتج للجمهور، وفي حال ثبوت وجود مخالفات ستُصادر السلع ويُحرر محضر وإحالته على النيابة العامة".
ورحب رؤساء الغرف التجارية في المحافظات بقرار وزير التموين، بإلزام المنتجين كتابة أسعار السلع الأساسية على العبوات الغذائية، مؤكدين أنها "آلية جيدة لضبط الأسواق والحفاظ على استقرار الأسعار". ولفتوا إلى أن "لا أزمة لديهم في تدوين السعر على العبوة".
وأكد الأمين العام لاتحاد الغرف التجارية علاء عز، أن إعلان السعر "حق أصيل للمستهلك المصري، وقرار تدوين الأسعار على السلع سيؤدي إلى استقرار الأسواق وتفعيل المنافسة بين المنافذ التجارية المختلفة، والقضاء على العشوائية والسلع المهربة وجهل المصدر. وأشار إلى أن القرار "يتعلق بالسلع الغذائية لدى تجار التجزئة، ويمكن تطبيقه بأي آلية مهما كانت بسيطة، سواء بملصق على السلع أو كرتونة صغيرة موضوعة على الرف الخاص بكل سلعة".
وأكد أن المحال "ملزمة بوجود الفاتورة التي اشترى بها السلع من المصنع حماية للتجارة المنظمة بالدولة، لتكون ضمانة للمواطن"، موضحاً أن "الدستور يحظر التسعير على المنتج من الدولة وكذلك من المنتج على تاجر التجزئة، وبالتالي كل محل صغير هو المسؤول عن تحديد السعر وكتابته على السلع بهدف التنظيم فقط".
واعتبر ممدوح ماجد أن هذه المنظومة الجديدة "جيدة جداً، وستكون مؤثرة في ضبط الأسواق التجارية، خصوصاً بعد الفوضى التي شهدتها الأسواق أخيراً وتمثلت بارتفاع الأسعار وتفاوتاً ملحوظاً في أسعار السلعة الواحدة من متجر إلى آخر في المنطقة ذاتها التي أقطن فيها، ومن دون مبرّر". وأفاد بأن "بعض التجار من ضعاف النفوس استغلوا قرار تحرير سعر الصرف وارتفاع الدولار أمام الجنيه لرفع أسعار السلع في شكل مبالغ فيه".
ورحبت سهير حنا (53 سنة) وهي تعمل موظفة، بالقرار لـ "مساهمته في ضبط الأسواق وعدم انفلات الأسعار والمغالاة فيها". ورأت "ضرورة تشديد الرقابة على الأسواق ومتابعة القرار مع تشديد العقوبات على المخالفين، لضمان نجاح المنظومة وتحقيق الهدف المنشود".
إلى ذلك، كشف رئيس شعبة البقالين في الغرفة التجارية للقاهرة أحمد يحيى، "عدم وجود أزمة لدى التجار في تدوين السعر على العبوات"، معتبراً أن "المشكلة هي لدى المنتجين". لذا رأى ضرورة أن "تكون لدى التجار قائمة بأسعار السلع، ومتابعتها باستمرار من الجهات الرقابية".
ولفت إلى "عوامل كثيرة تضبط الأسواق غير تدوين الأسعار، خصوصاً في ظل آليات السوق الحديثة وإخضاعها للعرض والطلب". وقال: "أفضى انتشار المنافذ الحكومية وسيارات وزارة الزراعة والقوات المسلحة والمجمعات الاستهلاكية في كل الشوارع والميادين، وعرض السلع بأسعار تنافسية، إلى إلزام جميع التجار على خفض هامش الربح من أجل دوران عجلة الإنتاج، خصوصاً في ظل الركود الذي سيطر على الأسواق في الفترة الأخيرة".
وتعتزم جمعية "مواطنون ضد الغلاء" الإعداد لأوسع حملة مقاطعة للسلع والمنتجات، التي لا تلتزم الشركات المنتجة لها بتدوين سعر البيع للمستهلك. وأعلنت أنها تأخذ في الاعتبار "الضغوط العالمية التي يتعرض لها وزير التموين في ما يشبه الحرب العالمية الاقتصادية على الساحة السوقية في مصر، وفقاً لتسريبات تشير إلى أن شركات عالمية أميركية وأخرى فرنسية تمارس ضغوطاً بالغة الشدة والقسوة على الوزير الحالي، على خلفية قراره بإلزام الشركات المنتجة والتجار بكتابة السعر على المنتجات".
أرسل تعليقك