القاهرة _سهام أحمد
كشف تقرير صادر عن البنك الدولي، أن التقديرات الناجمة عن الحرب الدائرة في سورية تسببت في وفاة أكثر من 400 ألف شخص، وأجبرت أكثر من نصف السكان على الفرار من ديارهم بحثًا عن الأمان سواء داخل البلاد أو خارج حدودها، ما أدى إلى حدوث تدهور كبير في نوعية الحياة للمدنيين السوريين.
وتشير التقديرات إلى أن 6 من بين كل 10 سوريين يعيشون الآن في فقر مدقع بسبب الحرب، وفي الأعوام الأربعة الأولى بعد اندلاع الصراع، تم فقدان نحو 538 ألف وظيفة سنويًا، ما نتج عنه وصول عدد السوريين الذين لا يعملون أو غير المنخرطين في أي شكل من أشكال الدراسة أو التدريب إلى 6.1 مليون شخص، وبلغ معدل البطالة بين الشباب 78% عام 2015، وعلى المدى الطويل، سيترتب على هذا الخمول في النشاط خسارة جماعية لرأس المال البشري، مما يؤدي إلى نقص في المهارات في سورية، وأما على المدى القصير، ينضم الكثيرون، لا سيما من الشباب، إلى المجموعات المقاتلة في الحرب لمجرد البقاء على قيد الحياة.
وقال التقرير، إن سورية كانت بلدًا سريع النمو من بلدان الشريحة الدنيا من البلدان المتوسطة الدخل، وبصورة إجمالية كان الاقتصاد السوري آخذ في التحسن خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وإن كان قد بدأ من قاعدة متدنية وسجل إجمالي الناتج المحلي نموًا بمعدل 4.3% سنويًا بين عامي 2000 و2010 بالقيمة الحقيقية، وكان مدفوعًا بالكامل تقريبًا بالنمو في القطاعات غير النفطية وبلغ معدل التضخم في المتوسط نسبة معقولة عند 4.9%.
ووفقًا للتقرير، فإن معدلات الفقر قاربت 5.5%، والتي كانت من أدنى معدلات الفقر عالميًا خلال 2010، إلا أن سورية قبل الحرب شهدت تراجع في المؤشرات العالمية لمكافحة الفساد، وأدت تلك الاتجاهات إلى تقويض ثقة المواطنين في المؤسسات العامة، وتبين الدراسات نسبة السوريين الذين يعبرون عن الثقة في المؤسسات العامة الرئيسية كانت أقل بكثير بالمقارنة مع البلدان المشابهة، حيث يثق نحو 47% فقط في المؤسسات، في حين أن النسبة في الأردن بلغت 87%.
وأشار التقرير، إلى أن الصراع ألحق أضرارًا جسيمة في البنية التحتية المادية في سورية، وتحولت مدن مثل حمص وحلب ودمشق والعديد من البدات الصغيرة إلى ساحة معارك بين قوات النظام والمتمردين، ليواجه سكانها عواقب مأساوية مع مرور الوقت تسبب الصراع في انهيار جزئي أو كامل للنظم والشبكات في العديد من المدن عبر تدمير المنازل البنية التحتية ذات الصلة بالخدمات العامة مثل الطرق والمستشفيات.
وتابع التقرير، "أدى الصراع إلى تأثر 27% من المساكن في عشرة مدن دمر 7% منها بشكل كامل، في حين تضررت 20% بشكل جزئي، وتتباين النسب المئوية فيما بين المدن حيث وقع أكبر دمار كامل في دير الزور التي شهدت 10% من منازلها إلى دمار كامل، وأكبر ضرر جزئي في مدينة تدمر، بنسبة 32.8%، ومع وجود 8% من المساكن المدمرة كليان و23 المدمرة جزئيًا، فإن حلب هي أيضًا من بين أكثر المدن تضررًا، وفي المحافظات الثماني دمر نحو 8% من المساكن وأصيب 23% بأضرار جزئية وكانت الأضرار مرتفعة بوجه خاص في قطاع الصحة، حيث استهدفت المنشأت الطبية في المحافظات الثماني التي شملتها الدراسة تتضررت جزيئًا، ونحو 16% من المنشآت الطبية دمرت بشكل كامل، وفي قطاع التعليم دمر 53% من المباني بشكل جزئي و10% بشكل كامل.
ولفت التقرير، إلى أنه جراء الحرب أصيبت 4 محطات كهرباء بأضرار جزئية ودمرت محطة واحدة فقط بشكل كامل، في حين أدى نقص الوقود والقيود الناجمة عن الصراع على عمليات التشغيل والصيانة إلى انخفاض حاد فى إمدادات الكهرباء الحكومية، وانخفض توليد الكهرباء إلى 16208 غيغاوات في ساعة عام 2015 مقابل 43164 غيغاوات في الساعة عام 2010، أي انخفاض قدره 62.5% من قدرة أصل الكهرباء نتيجة لنقص الوقود، حيث تراجعت قدرة التوليد المتاحة بنحو 30% في الفترة ذاتها.
ووفقًا للتقرير، خلق الصراع ضغوطًا معقدة من الضغوط على السكان في سورية، حيث تقدر الخسائر البشرية المرتبطة بالصراع بنحو 400 ألف بحسب تقارير الأمم المتحدة، و470 ألف بحسب المركزي السوري لبحوث السياسات، وأصبحت سورية تشكل أكبر أزمة نزوح في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث شرد أكثر من نصف السكان، حيث يقدر عدد اللاجئين في لبنان وتركيا والأدرن والعراق ومصر وشمال أفريقا بـ4.9 مليون مواطن، في حين طلب 800 ألف اللجوء إلى أوروبا خلال عامي 2015 و 2016، وبلغ عدد النازحين داخليًا نحو 5.7 مليون مواطن وضل 56% منهم داخل محافظتهم فقط.
وبلغت إجمالي الخسائر في الناتج المحلي بين عامي 2011 و2016 نحو أربعة أضعاف حجم إجمالي الناتج السوري خلال عام 2010، وتشير التقديرات إلى أن إجمالي الناتج المحلي في سورية انكمش بنسبة 61% بين عامي 2011 و2015 وبنسبة 2% إضافية خلال عام 2016، ليصل إلى 63% مقارنة بمستواه عام 2010، بما يعادل 51 مليار دولار بأسعار عام 2010، وبتجميع تلك الخسائر يتبين أن إجمالي الخسائر التراكمية للناتج المحلي بلغت 226 مليار دولار بأسعار 2010.
وانخفض إجمالي الناتج المحلي النفطي بنسبة 93%، في حین انكمش الاقتصاد غیر النفطي بنسبة 52% بسبب الدمار الشدید في البنیة التحتیة، وانخفاض فرص الحصول على الوقود والكھرباء، وانخفاض ثقة مؤسسات الأعمال، وتعطیل التجارة، وانخفض إنتاج الھیدروكربونات من 383 برمیلًا یومیًا عامي 2015 و2016، وذلك بسبب سیطرة الدولة الإسلامیة على برمیل یومیًا عام 2010 إلى 10 آلاف، عامي 2015 و2016، وذلك بسبب سيطرة "داعش" على مناطق إنتاجه، كما سجل الإنتاج الزراعي خسائر كبیرة نتیجة الأضرار التي لحقت بشبكات الري العمالة والمستلزمات كالبذور والأسمدة والوقود وحدث الانكماش الأكثر حدة للاقتصاد عامي 2012 و2013، حین تقلص النشاط الاقتصادي بنسبة 29% و32% على التوالي، مع ازدیاد حدة القتال وانتشاره في جمیع أنحاء البلاد.
ویعاني الاقتصاد السوري من عجز مزدوج حاد، واستنزاف احتیاطیات النقد الأجنبي، وارتفاع الدین العام مستدام، وأدت التعطیلات الناتجة عن الصراع والعقوبات الدولیة إلى خفض الصادرات السوریة بنسبة 92% بین عامي 2011 و2015، وتشیر التقدیرات إلى أن العجز في الحساب الجاري بلغ 28% من إجمالي الناتج المحلي عام 2016، بعد أن سجل 7.0% عام 2010، وكان تمویل ھذا العجز یجري على نحو متزاید بالسحب من احتیاطیات النقد الأجنبي التي انخفضت بشدة من نحو 21 ملیار دولار عام 2010 إلى أقل من ملیار دولار عام 2015، كما انخفضت إیرادات الموازنة من 23% من إجمالي الناتج المحلي عام 2010 إلى أقل من 3% عام 2015، وارتفع الدین العام الإجمالي من 30%من إجمالي الناتج المحلي عام 2010 إلى 150% عام 2015.
وقال التقرير، إنه كلما استمرت فترة الصراع في سورية ازدادت صعوبة تعافي الاقتصاد السوري، بعد انتهاء الصراع، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن معدلات التدهور آخذة في التراجع خلال مسار الصراع إلا أن الآثار تصبح أكثر استمرارًا، لافتًا إلى أنه إذا ما انتهى الصراع في عامه السادس يعوض إجمالي الناتج المحلي نحو 41% من الفجوة مقارنة مع مستواه قبل بدء الصراع، وذلك في غضون الأعوام الأربعة التالية، لكن إذا ما انتهى في عامه العاشر لن يعوض سوى 28% من الفجوة التي حدثت خلال الأعوام الأربعة اللاحقة لانتهاء الصراع، مؤكدًا أن خسائر إجمالي الناتج المحلي التراكمية ستصل إلى 7.6 أضعاف إجمالي الناتج المحلي عام 2010، إذا ما انتهى الصراع في العام السادس له، في حين ستبلغ الخسائر التراكمية 13.2 ضعف إجمالي الناتج المحلي عام 2010 إذا ما انتهى فى العام العاشر.
أرسل تعليقك