بيروت - العرب اليوم
بعد توقّف التفاوض مع صندوق النقد الدولي لأكثر من عام، ومع تشكيل الحكومة المنتظَرة، بات الحديث عمّا ستنجزه على المستوى الاقتصادي، وسط الأزمة المستفحِلة، هو الأبرز. ويأتي في صلب المعالجة الاقتصادية موضوع التمويل الذي يستدعي التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ودون ذلك عقبات. لكن توجّه الرئيس ميقاتي ثابت على السير في هذا الاتجاه كخيار لإنعاش الاقتصاد اللبناني وتعافيه.
أسئلة كثيرة مشروعة يمكن طرحها في هذا الإطار، ويُمكن إيرادها وفق الآتي:
هل ستكون الحكومة جاهزة للتفاوض مع صندوق النقد؟
هل من شروط مستجدّة من قبل الصندوق؟
متى يمكن المُضي بالتفاوض؟
هل صندوق النقد على استعداد لاستئناف التفاوض؟
وهل شرط توحيد سعر الصرف قابل للتنفيذ؟
يرى وزير العمل السابق، المحامي المتخصِّص في المالية العامة والدولية، كميل أبو سليمان، في حديث لـ "النهار"، أنّ "لدى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي توجّهاً لاستئناف التفاوض مع الصندوق"، مبدياً اعتقاده بأنّ "ميقاتي على يقين تامّ بأهمية هذا الموضوع، بالرغم من ضعف مكوّنات هذه الحكومة، لكنّها ستتوجّه إلى صندوق النقد".
الحلّ الوحيد لإنقاذ لبنان من أزمته، وفق أبو سليمان، يتمثّل بالاتّفاق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، بعد الإخفاقات السابقة والتأخّر الهائل في التفاوض، والذي كبّد لبنان وشعبه خسائر هائلة كان بغنى عنها، "لكن إقراراً بأنّ البرنامج مع صندوق النقد هو الحلّ الوحيد والممرّ الإلزامي للبدء بتعافي لبنان بات سائداً".
وعن توقيت البدء بالتفاوض، يلفت أبو سليمان إلى أنّ "عامل الوقت مهمّ جداً، لأنّ أجل هذه الحكومة قصير، وعليها ألّا تضيّع الوقت، وأن تستأنف المفاوضات مع صندوق النقد بأسرع وقت، ومن دون انتظار الحصول على الثقة".
ويؤكّد أنّ "التواصل مع الصندوق حالياً، والبدء بالمفاوضات لا يرتّبان على لبنان أيّ التزامات، إذ الالتزامات تتمّ عبر الاتفاق على برنامج في آخر المطاف، والإقرار النهائي في مجلس الوزراء والقانون اللازم في مجلس النواب".
ويأسف للوقت الضائع في الماضي، "خصوصاً في ولاية حكومة الرئيس حسان دياب. فالحكومات في لبنان مختصّة عالمياً بمضيعة الوقت عن قصد أو غير قصد؛ والاتفاق على برنامج مع صندوق النقد هو المفتاح لتأمين سيولة وثقة للبلد".
وبعد انقطاع التفاوض لأكثر من سنة، والخلافات بين الأفرقاء السياسيين، التي أدّت إلى هذا التوقّف، هل لدى صندوق النقد استعداد لاستئناف التفاوض مع لبنان؟
بحسب معلومات أبو سليمان، يبدو "صندوق النقد مستعدّاً لاستكمال التفاوض مع لبنان. ووقف التفاوض جاء من جهة لبنان، وليس من الصندوق، إذ حتى حكومة تصريف الأعمال كان من الممكن أن تستمرّ في سلوك مسار التفاوض".
ويعتبر أبو سليمان أنّ "ما يؤثّر في هذا الإطار هو رأي صندوق النقد الدولي بالخسائر في مصرف لبنان والقطاع المصرفي، على أمل عدم الدخول في الدوّامة نفسها، أي عدم الاعتراف بالخسائر الفعلية، والمضي بمحاسبات غير جديّة وغير مقنِعة بالنسبة إلى صندوق النقد والأطراف الأجنبية". ويدعو في الوقت عينه إلى التفاوض بطريقة جديّة، وضمن المنطق المتعارَف عليه عالمياً، من دون أن يعني أبداً الرضوخ لجميع شروط الصندوق، وفق تفاوض عقلاني، منطقي، متوازن".
ماذا عن شروط صندوق النقد؟
في تحليل أبو سليمان أنّ بعض نتائج عدم المضي بالإصلاحات، ومنها بالأخصّ ما أدّى إلى هبوط قيمة الليرة لأكثر من 85%، "هو أكبر من أيّ إجراء اتّخذه صندوق النقد عالمياً. وهذا الواقع فُرض على لبنان من دون أن يحظى بشيء في المقابل. لذلك، مهما طلب صندوق النقد سيكون أخفّ وطأة ممّا مرّ بلبنان حتى اليوم".
وحول شروط البرنامج التي سيضعها الصندوق والفريق المفاوِض من لبنان، يعتقد أبو سليمان أنّها ستشمل أربع نقاط أساسية. أوّلاً، الاعتراف الجدّي بخسائر مصرف لبنان والقطاع المصرفي، سواء من الدولة أو من المركزي والمصارف، والاتفاق على توزيع عادل للخسائر، وتوحيد تدريجيّ لسعر الصرف، وإقرار قانون الـ capital control بصيغة مقبولة من قبل صندوق النقد لا بصيغة المسوّدة الحالية.
أمّا باقي الشروط التي كان الصندوق قد تحدّث عنها، كإعادة هيكلة القطاع العام، فهي شروط قد يستغرق تنفيذها وقتاً طويلاً، وقد تكون اتفاقاً مبدئياً وليست شروطاً مسبَقة لدفع الأموال، أو قد تكون شروطاً للدفعة الثانية أو الثالثة، بتقدير أبو سليمان.
ويشير أبو سليمان إلى أنّ من شروط الصندوق بخصوص لبنان، بحسب آخر تصريح لمديرة صندوق النقد الدولي التنفيذيّة، التدقيقَ الجنائي لحسابات المصرف المركزي ووزارة الكهرباء. لكن "إنجاز هذين التدقيقين شرط مُلحَق لكي يتمّ الاتفاق على برنامج صندوق النقد".
هل توحيد سعر الصرف قابل للتنفيذ؟
عن توحيد سعر الصرف، يتحدّث أبو سليمان عن آليات عديدة، لكنّها "أيّاً تكن الآليّة المعتمدة، فالأمر بحاجة إلى ثقة وسيولة، وهي لا تُؤمَّن إلّا عبر صندوق النقد. وقد لا تكفي أموال صندوق النقد لتعافي لبنان التامّ، إنّما تفتح الباب أمام مساعدات أخرى".
وفي سياق توحيد سعر الصرف والعوائق التي تحول دون ذلك، يقول الخبير الدولي في إدارة الاستثمار، فراس أبي ناصيف، في حديث لـ "النهار"، إنّه "إذا ما أردنا توحيد سعر الصرف فالأمر ممكن، إنّما هو مسألة قرار على الدولة اللبنانية والمصرف المركزي اتّخاذه؛ والأمر لا يحتاج إلى وقت، وليس هناك مدّة زمنيّة لتطبيقه، لا بل على العكس، عدم وجود سعر صرف موحَّد، ولفترة طويلة، يُلحق غبناً بالمواطن والمودِع اللبناني".
ما هي عوائق اتّخاذ هذا القرار حالياً؟
يُشدّد أبي ناصيف على أنّ "العائق قانونياً هو القرار السياسيّ للحكومة ولمصرف لبنان لتوحيد سعر الصرف، لكن ليس من المفترض أن يكون هناك عائق في الوقت الراهن، ولا يمكن ألّا نأخذ بعين الاعتبار التجاذبات السياسية للمنظومة السياسية –المالية - المصرفية الراهنة"، إذ عندما يسحب المودِع على سعر صرف غير عادل، وأقلّ من سعر صرف الدولار في السوق الموازية، يكون المودِع كمَن يسحب المال من جيبه ويعطيه للمساهمين في المصارف".
و"لسوء الحظ في لبنان، المودِع هو الذي يخسر بسبب الأزمة المصرفية قبل المساهمين، وهذا ليس موجوداً في أيّ بلد في العالم. وكلّما طالت مدّة سحب المودع على سعر صرف غير عادل، تحسّنت ميزانية المصارف"، يشرح أبي ناصيف.
ويُرجّح أبي ناصيف أنّه بمجرّد توافر حظوظ معقولة للتوصّل إلى برنامج مع صندوق النقد الدولي، فمن المتوقَّع أن يتوقّف تدهور قيمة الليرة مع دخول الدولارات، لكن حجمَ التدفّقات يحدّد تأثير ذلك على سعر صرف الدولار.
هل تتغيّر شروط صندوق النقد الدولي نظراً لاستفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان؟
في العقد الأخير، أصبحت شروط الصندوق أكثر مرونة، وتأخذ بعين الاعتبار أكثر الواقعين السياسي والاجتماعي في البلاد بما يتناسب مع قدرة البلدان لضمان نجاح البرنامج. لذلك، يعتبر أبي ناصيف، أنّ "شروط صندوق النقد تجاه لبنان ستتغيّر". لكن ثوابت عديدة مطلوبة، منها زيادة الدولة مداخيلها عبر الضرائب والرسوم الجمركية، وتوسيع قاعدتها الضريبية، إلى جانب التوصّل إلى حلّ لإعادة الدين الخارجي، والقيام بإصلاحات في قطاعات كالكهرباء.
أخبار تهمك أيضا
رياض سلامة ينكب على "شرعنة" تدابير المصارف اللبنانية لمنع ملاحقتها قضائيًا
سلامة يطالب بصلاحيات لتنظيم إجراءات المصارف اللبنانية
أرسل تعليقك