يشهد سعر النفط انخفاضا ملحوظا خلال الأسبوعين الماضيين, واستقر سعر الذهب الأسود تحت عتبة 50 دولارا للبرميل الواحد, وهو السعر المرجعي المعتمد في قانون الموازنة لعام 2017, وسيؤرق هذا الوضع حكومة عبدالمجيد تبون الجديدة التي تحاول التكيف مع الضائقة المالية الصعبة التي تمر بها البلاد بسبب تهاوي سعر البترول في الأسواق الدولية.
وحسب المعطيات الراهنة بلغ سعر خام بحر الشمال 45,48 دولارا للبرميل منتصف نهار الأربعاء، وهو السعر المرجعي للنفط الجزائري، بينما بلغ الخام الأميركي الخفيف 43,51 دولارا, وتهاوت أسعار النفط بشكل خفيف منذ بداية الأزمة الخليجية العربية وقطع العلاقات مع قطر.
ويبدو أن حكومة عبدالمجيد تبون اصطدمت بأولى العقبات بعد أقل من شهر عن تعيينها, وتنتظرها ملفات اقتصادية ثقيلة على غرار ملف السكن واستكمال مشاريع البنى التحتية وتقليص الواردات والوصول إلى التصدير خارج قطاع المحروقات للتخلص تدريجيا من التبعية المفرطة للمحروقات.
وأثار انهيار سعر النفط تحت السعر المرجعي المعتمد في قانون الموازنة لعام 2017, الكثير من التساؤلات حول هامش المناورة الذي تملكه الحكومة الجزائرية لمواجهة هذا الوضع خاصة في حالة استمراره لفترة أطول, وسيتسبب في نزيف حاد للصناديق السيادية على رأسها صندوق ضبط الإيرادات الذي دخل غرفة الإنعاش المالي بسبب الاختلالات التي اكتنفت تحديد ميزانيات الدولة الجزائرية مقارنة بالسعر المرجعي لبرميل النفط في الأسواق خلال قوانين المالية الماضية, ويعتبر هذا الصندوق المورد الأول والرئيسي لاقتصاد الجزائري وصندوق احتياطي الصرف الذي ينام اليوم على 100 مليار دولار.
ويرى خبراء ومتتبعون للشأن الاقتصادي أن الحكومة الجزائرية جازفت كثيرا بتحديد الميزانية على أساس 50 دولارا للبرميل, في وقت لم تتعاف بعد سوق المحروقات وهي تعرف تذبذبا مستمرا لم يمكنها من تجاوز عتبة 50, وحتى تنتعش إيرادات الجزائر من المحروقات وتشهد أيضا الصناديق السيادية بما فيها صندوق ضبط الإيرادات بالشكل الصحيح, يجب أن تجاوز عتبة النفط 83 دولارا للبرميل.
وقال الخبير الاقتصادي مراد شنايت, في تصريحات لـ"العرب اليوم" إنه ونظراللحراك الموجود على دول الخليج والاضطرابات التي تشهدها بعض الدول كالعراق وإيران وانتشار الغاز الصخري, فكل هذه العوامل المناخية وجيوسياسية أدت بطبيعة الحال إلى ارتفاع الإنتاج أكثر من الطلب وهو ما تسبب في تهاوي سعر البترول في الأسواق الدولية وانعكس هذا الأمر سلبا على الجزائر كون أن السعر المرجعي المحدد في قانون الموازنة لعام 2017 هو 50 دولارا للبرميل, وأمام هذه التطورات أوضح مراد شنايت أن حكومة عبدالمجيد تبون ستلجأ إلى الأموال الموجودة داخل صندوق ضبط الإيرادات وصندوق احتياطي الصرف, وفي حالة بقاء السعر على حاله في السوق الدولية إلى مدة أكثر قبل نهاية 2017, من المرتقب أن تلجأ الجزائر إلى المديونية الخارجية.
ووصف المتحدث الفترة الحالية بفترة "مخاض" بين دول الأوبك وخارجها, والحكومة الجزائري مطالبة بالتحلي بالجرأة لترشيد الإنفاق العمومي كالتخلي مثلا عن بناء السكن الاجتماعي الذي أثقل كاهل الدولة الجزائرية فهي تتكبد مصاريف إضافية هي في غنى عنها.
وقال المتحدث إن اللجوء إلى الاستدانة الخارجية لا يشكل خطرا على الاقتصاد الجزائري كما يروح له البعض, فطرها يكمن في طريقة استعمالها, مستبعدا في السياق ذاته إمكانية فرض ضرائب جديدة على الجزائريين لأن الطبقة الاجتماعية الكادحة غير قادرة على تحمل ضغط ضريبي إضافي.
وطالب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة, الحكومة الجديدة، التي يقودها عبدالمجيد تبون، بضرورة استبعاد خيار الاستدانة الخارجية على خلفية الأزمة المالية المتأتية من انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية، وطالب بوتفليقة, خلال أول اجتماع له بضرورة الاستمرار في ترشيد نفقات الموازنة.
وتسعى الجزائر جاهدة لتجنب الوقوع مجددا تحت ظل المديونية الخارجية التي كانت تعاني منها قبل عقد، إذ بلغت المديونية ما يقارب 38 مليار دولار أميركي عام 1986. وقال الرئيس الجزائري إن أزمة أسعار النفط ما زالت مستمرة ويجب على الحكومة التحكم في التجار الخارجية بهدف الحفاظ على احتياطي الصرف من الخزينة العمومية.
أرسل تعليقك