أعلنت المملكة العربية السعودية ميزانياتها الجديدة لعام 2017 ، وذلك الخميس 22 ديسمبر/كانون الأول الجاري، وكشفت المملكة عن الأرقام الفعلية لميزانية العام 2016، وهو إعلان تضمن تغييرًا كبيرًا في طريقة عرض الميزانية، وصفه خبراء الاقتصاد بأنه "نقلة نوعية".
وتتبع المملكة العربية السعودية ميزانية تاريخية، والتي أعلنت عنها بوثيقة مفصلة مكونة من 84 صفحة، تكشف كيف يخطط أكبر اقتصاد على مستوى العالم العربي لتحقيق التوازن في ميزانيته بحلول عام 2020، وتتضمن الوثيقة خططًا للحد من الإنفاق الرأسمالي، وزيادة الإيرادات وتشجيع القطاع الخاص على التوسع في استثماراته داخل المملكة.
وأعلنت السعودية في الميزانية الجديدة عن إقامة العديد من المشروعات التي تقدر بنحو490 مليار ريال سعودي، وتأتي في مظلة 5 وزارات تمثل أعلى إنفاق رأسمالي، وبإجمالي إنفاق يقدر بنحو 270 مليار ريال تم إنفاقها بالفعل، وستكون المراجعة خاصة بتحديد التوفيرات المحتملة بقيمة 100 مليار ريال، وبالتالي من المتوقع أن تشهد المرحلة المقبلة دراسة الحكومة للإنفاق الرأسمالي لنحو 13 كيانًا بتكلفة تقدر بنحو 1.18 تريليون ريال، للسيطرة على تكاليف المشروعات، مما يستلزم على الحكومة إنشاء وحدة مشتريات إستراتيجية.
وتلجأ السعودية في خطتها الجديدة إلى إصلاح الدعم، من خلال التخفيض الإضافي المطرد في أسعار الطاقة والمياه بداية من عام 2017 وحتى عام 2020، مما يساعدها في توفير مبلغ يقدر بنحو 209 مليار ريال سنويًّا بحلول عام 2020، كما تتطلع الحكومة إلى زيادة أسعار الوقود من خلال ربطها بأسعار النفط القياسية والمتوسطة وأسعار البنزين ووقود الديزل في السوق الدولية، وستتغير الأسعار وفقًا لتقلبات السوق الدولية، وسيتم النظر فيها دوريًّا.
وتخطط المملكة لفرض مزيد من الضرائب والرسوم، ورفع الإيرادات الإضافية من 42 مليار ريال بحلول عام 2017، إلى 152 مليار ريال بحلول عام 2020، من خلال إقرار "ضريبة المغتربين"، للعمالة الأجنبية وعائلاتها.
وتبدأ الرسوم على العامالة الأجنبية بداية من 100 ريال في يوليو/تموز المقبل، وسترتفع كل عام لتصل إلى نحو 400 ريال شهريًّا، وذلك في يوليو/تموز 2020، ولكن لم يتم الإفصاح عن مدى تطبيق تلك الرسوم لكل فرد معول.
ومن المتوقع أن تشهد الإجراءات التي أعلنت عنها المملكة من استثمارات في القطاع الخاص، زيادة في النمو خلال الأعوام الـ 4 المقبلة، حسب التوقعات، رغم التضخم الكبير كل عام وارتفاع مستويات البطالة في المملكة.
وتوضح الميزانية الجديدة، العقبات التي لحقت بالاقتصاد السعودية، وحجم العجز الكبير الذي لحق به نتيجة خفض أسعار النفط العالمية لأكثر من عامين، بالإضافة إلى تراجع الإنفاق العام وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع تكاليف المعيشة داخل المملكة.
وأدى العجز في الميزانة عن كشف إصلاحات اقتصادية طموحة كانت قد كشفت عنها الرياض خلال العام الماضي، والتي سمحت لها بزيادة الإيرادات من المصادر غير النفطية وتسريع وتيرة النمو في القطاع الخاص في المملكة.
من جانبه قال وزير التجارة والاستثمار السعودي، ماجد القصبي، في تصريحات صحفية، إن المملكة تعتزم إنفاق نحو 200 مليار ريال على مدى الأعوام الـ 4 المقبلة؛ لتعزيز القطاع الخاص، وستركز على إزالة العقبات البيروقراطية والتنظيمية، بالإضافة إلى الخصخصة في بعض مرافق القطاع العام والرعاية الصحية.
وأكد مدير أبحاث في مؤسسة مركز الخليج في الرياض، ومستشار اقتصادي سابق للحكومة السعودية، جون سفاكياناكيس، أن العديد من السعوديين يرسلون رسالة تتضمن رغبتهم في إعادة الثقة والنمو، وخلق حوافز داخل القطاع الخاص.
وأضاف سفاكياناكيس أن تقليل الاعتماد على النفط هو الهدف الرئيسي لخطة الرياض على المدى الطويل؛ وذلك لإعادة تشكيل الاقتصاد، والمعروفة باسم رؤية 2030، وهي المهمة التي أوكلها العاهل السعودي لابنه محمد بن سلمان، موضحًا أنه على مدى عقود كانت أموال النفط هي مصدر الحكومة لتلبية منافع مواطنيها الذين لا يدفعون الضرائب.
وبينما رحب بعض المحللين بعرض الميزانية المفصلة، يرى آخرون أنها موضع شك، حيث يلقي الشك بظلاله على مصداقية الأرقام المعروضة، لأن الجهود التي تبذلها الحكومة لتحقيق التوازن في الميزانية على مدى الـ4 أعوام المقبلة لا تزال تعتمد على ارتفاع أسعار النفط.
وتعكس الميزانية أيضًا الرياح المعاكسة التي تواجه أكبر اقتصاد عربي، يعمل غالبية سكانه في القطاع العام والشركات السعودية التي تعتمد على العمال الأجانب غير المكلفين، حيث تنامى الاقتصاد غير النفطي في السعودية بشكل بطيء، كما توسع القطاع الخاص أقل من 1%.
وفي هذا السياق أكدت العضو المنتدب في مؤسسة تينو في لندن، كرسبين هاويس، رغبة المسؤولين لمعالجة المشاكل الهيكلية، لتكشف الميزانية عن استعداد المملكة لاستخدام عائدات تصدير النفط الخام لتعزيز الإنفاق التوسعي، وبالتالي من الناحية النسبية، ستظل عائدات النفط الخام في الحسابات المالية في المستقبل.
ومن جانبه قال ديفيد باتر، وهو زميل مشارك في تشاتام هاوس في لندن، إن الهدف الحاسم في هذه الميزانية هو زيادة الإيرادات غير النفطية، والتي هي ليست موجودة بالأساس، ففي ميزانية 2017 الزيادات غير النفطية متواضعة جدًّا، تصل فقط إلى 7%".
وأكد وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن الوزارة كشفت عبر الميزانية معلومات جديدة، بهدف تعزيز الشفافية، وهذه الشفافية ستمكن كل متابع للتفاصيل المالية السعودية من قياس أداء الأجهزة الحكومية وتحقيقها للأهداف المعلنة في رؤية المملكة 2030، وتضمن الإعلان عن معلومات مفصلة تتعلق بالإيرادات غير النفطية.
وأكد الجدعان أن المملكة لن تفرض أي رسوم إضافية جديدة تؤثر على القطاع الخاص، مشددًا على أن الحكومة لن تقر أي ضرائب أو رسوم جديدة حتى عام 2020، وإن باستطاعة القطاع الخاص التخطيط وممارسة أعماله دون التخوف من أي رسوم جديدة حتى ذلك الحين.
أرسل تعليقك