وضعت تحركات القوات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، والتحذيرات المتكررة من الولايات المتحدة بشأن غزو روسي وشيك لكييف، دول أوروبا في حالة تأهب واستنفار من نقص إمدادات أو توقف الغاز الروسي للقارة العجوز. وأعلنت روسيا تمديد التدريبات العسكرية التي تجريها بالقرب من الحدود الشمالية لأوكرانيا، الأحد، وسط مخاوف متزايدة من وقوع غزو في ظل القصف المستمر على طول خط التماس بين الجنود والانفصاليين المدعومين من موسكو شرقي أوكرانيا. وتستورد أوروبا كميات هائلة من الغاز الطبيعي، تتجاوز 560 مليار متر مكعب سنوياً، ثلثها تقريبا يأتي من روسيا. ويمر الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب الأربعة الكبرى من روسيا، وتشمل خط "نورد ستريم"، وخط "الترانزيت" عبر أوكرانيا، وخط "يامال" عبر بيلاروسيا وبولندا، و"ترك ستريم" عبر تركيا.
وتعهد الرئيس الأميركي، جو بايدن، في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز، مؤخرا، بأنه إذا غزت روسيا أوكرانيا فلن يكون هناك "نورد ستريم2" وهو الخط الروسي الذي يمتد مباشرة إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق. وبرز اسم مصر ضمن الحلول والبدائل الأوروبية المناسبة لتنويع بدائل إمدادات الغاز الروسي حال نقص الإمدادات أو توقفها، في ظل الارتفاع المستمر لأسعار الغاز الطبيعي عالميا. وقال محللون وخبراء في مجال الطاقة في حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية" أن أزمة نقص إمدادات الطاقة لأوروبا "فرصة لوضع مصر على خريطة الطاقة الأوروبية"، وتأمين جانب من إمدادات الغاز الروسي للقارة العجوز.
ونبه الخبراء في الوقت ذاته إلى إمكانية زيادة حصيلة تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى أوروبا على المدى المتوسط، في ظل الدور الذي تلعبه القاهرة ضمن "منتدى غاز شرق المتوسط"، علاوة على الاستفادة من خطوط الأنابيب المزمع تدشينها لاحقا بين مصر من جهة، واليونان وقبرص من جهة ثانية، لزيادة الكميات المصدرة لأوروبا.
لكن هؤلاء الخبراء عادوا للإشارة إلى أن "كميات الغاز المسال المصدرة من محطتي دمياط وأدكو من الصعب زيادتها حاليا"، خاصة بعد اتفاق القاهرة مؤخرا، على تحويل كميات من الغاز إلى لبنان عبر "خط الغاز العربي" الذي يمتد من الأردن إلى سوريا ثم لبنان.
أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس، دانيال ملحم، يقول في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، إن مصر تمتلك الإمكانات اللازمة لتصبح أحد البدائل بالنسبة للطاقة في أوروبا، بسبب الأزمة الأوكرانية في ضوء الدور الهام والحيوي الذي تلعبه بـ"منتدى غاز شرق المتوسط". ووقع ممثلو 6 دول تطل على البحر الأبيض المتوسط، في سبتمبر 2020، في القاهرة على ميثاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية.
وصدر إعلان مشترك عن وزراء دول المنظمة جاء فيه: "سيعمل منتدى غاز شرق المتوسط كمنصة تجمع منتجي الغاز ومستهلكيه ودول المرور، لوضع رؤية مشتركة وإقامة حوار منهجي منظم حول سياسات الغاز الطبيعي". ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة باريس، أنه على المدى المتوسط يمكن لمصر أن تلعب دورا هاما لا تستطيع دولة أخرى في المنطقة القيام به، بأن تحجز موقعها على طاولة خريطة الطاقة الأوروبية فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، لليونان ومنها لأوروبا.
لكن على المدى القصير، يقول ملحم إن إتاحة الغاز بالكميات المطلوبة وتطويره حتى يصبح سائل وبناء المحطات والشبكات الكهربائية لايطاليا واليونان ستستغرق وقتا. ويوضح الخبير الاقتصادي "ليست لدى القاهرة حاليا إمكانيات لتكون بديل الغاز الروسي؛ لأن أوروبا تحتاج عمليا إلى ما يتخطى 200 تريليون وحدة حرارية، كاستهلاك سنوي، وبالتالي لا تستطيع مصر تأمين هذه الكمية الكبيرة.
ويستطرد دانيال ملحم أن "مصر تتطلع لأبعد من تصدير الغاز المسال لأوروبا إلى إنتاج الكهرباء وتصديره بالشكل الذي سيسهم بشكل كبير في حل الأزمة، وتنويع مصادر إمدادات الطاقة للقارة العجوز". ويواصل "من الناحية العملية، فإن السياسة الأوروبية أدخلت في برامجها الغاز والطاقة النووية كطاقة نظيفة، وهذا يسمح لأوروبا أن تعتمد بـ 2040 حتي 2050 على هذه الطاقة، ولذلك فمصر لديها مساحه هامة لتكون ضمن الشركاء الأساسيين لتصدير الطاقة بشقيها الغاز والكهرباء إلى أوروبا".
المهندس تامر أبو بكر، رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات المصرية، يؤكد في حديث خاص لـ"سكاي نيوز عربية" أن مصر تقوم حاليا بتصدير الغاز لأوروبا في حدود الطاقة القصوى الحالية لوحدات الإسالة بأدكو ودمياط، وحتى لا يكون على حساب الاستهلاك المحلي، واستخدامات الدولة. وبحسب ما ذكرته مؤسسة ستاندرد آند بورز جلوبال بلاتس في تقرير لها، وصلت أول شحنة من الغاز الطبيعي لأوروبا من مصنع دمياط لإسالة الغاز إلى محطة زيبروج البلجيكية في 21 مارس الماضي، بعد توقف 8 سنوات بسبب مشكلات حول تشغيل المصنع . وأبرز "أبو بكر" أنه بالإمكان وجود تنسيق وتعاون مع الدول الكبرى المنتجة للغاز فى المنطقة لزيادة انتاج الغاز، وإعادة تسييله وتصديره لأوروبا ضمن بدائل الغاز الروسي لأوروبا، لاسيما مع وجود وحدتي إسالة للغاز فى دمياط وإدكو.
وإزاء هذا الطرح، يضيف: "مصر مستعدة لاستقبال أي غاز يأتي من الخارج، سواء من قطر أو غيرها لإعادة تصديره من جديد في شكل غاز مسال، في ظل الطموح المصري للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة بمنطقة شرق البحر المتوسط"
وفي هذا الصدد، يتطلع الأوروبيون لـ"منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تلعب فيه القاهرة دوراً محورياً، خصوصا مع تبنّيها مشاريع ضخمة بإسالة وتصدير مخزونها الهائل من الغاز المكتشف حديثا. وبموازاة عملية نقل الغاز المصري لأوروبا بعد إسالته، يلمح رئيس غرفة البترول والتعدين باتحاد الصناعات، إلى أن هناك اتجاها لبناء خطوط أنابيب الغاز مع اليونان وقبرص، وهو ما يسمح بتعظيم الاستفادة من الغاز المصري. وقالت وزارة الطاقة اليونانية نوفمبر الماضي: "إن اليونان ومصر، اتفقتا على توسيع نطاق تعاونهما في إمدادات الغاز الطبيعي المسال ودراسة إمكانية بناء خط لأنابيب الغاز بين البلدين تحت سطح البحر".
كما وقعت مصر وقبرص اتفاقاً في مايو 2018 لمد خط أنابيب من حقل "أفروديت" القبرصي، الذي تقدر احتياطاته بين 3.6 تريليون و6 تريليونات قدم مكعبة تقريباً؛ بغرض تسييلها في مصر وإعادة تصديرها إلى أوروبا. ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من إنشاء الخط خلال العام المالي 2024 - 2025، وهو الوقت الذي تم وضعه للانتهاء من خطة تطوير وتنمية إنتاج حقل "أفروديت" القبرصي، وفقا ليورجوس لاكوتريبيس، وزير الطاقة القبرصي.
ولا يختلف المهندس أسامة كمال وزير البترول الأسبق، مع سابقيه، بشأن فرص مصر للاستفادة من أزمة طاقة وشيكة في أوروبا بسبب الأزمة الأوكرانية. ويشير كمال في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" إلى أن الغاز المصري المسال قد يوفر جانبا من الاحتياجات الأوربية من الطاقة، في ظل ارتفاع أسعاره عالميا. ويتابع "تستطيع مصر في الوقت الحالي زيادة إنتاجيتها يوميا لتصل إلى 7 ونصف مليار قدم مكعب غاز"، بعد أن بلغ إنتاجها من الغاز الطبيعي نحو 6.550 مليار قدم مكعبة يوميا في 2019-2020. وذكرت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس) أن إجمالي صادرات الغاز الطبيعي والمسال بلغت 3.5 مليون طن، خلال النصف الأول من العام المالي 2021-2022، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 7.5 مليون طن بنهاية العام المالي الحالي، بحسب وكالة أنباء "الشرق الأوسط" المصرية.
قد يهمك ايضا
وزير الخارجية الأميركي يصرح كل ما نراه يشير إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا بات وشيكا
بوريس جونسون يؤكد أن الحشود الروسية على حدود أوكرانيا تَهَدَّد أوروبا
أرسل تعليقك