الخرطوم - محمد إبراهيم
أصدر مصرف السودان المركزي، قرارًا قضى بمنع الصرافات والمؤسسات الرسمية من التعامل مع أي عملة ورقية تعرضت للتلف المتعمد بالكتابة عليها بأي شكل من الأشكال، وأشار مدير إدارة الخزينة في المصرف المركزي أن إدارته لاحظت تعرض عدد من العملة الورقية للتلف بكتابة بعض الشعارات السياسية عليها، وحذّرت إدارة المصرف المواطنين من التعامل مع العملة المكتوب عليها لأنها تعتبر غير صالحة للتداول وأنها لن تُقبل في المعاملات الرسمية، وجاءت رسالة المركزي بعدما كتب مواطنون وناشطون سياسيون على بعض العملات الورقية عبارات ورسائل تدعو الشعب للمشاركة في العصيان المدني المحدّد له 19 ديسمبر/كانون أول الجاري.
نشطت خلال الأيام الماضية في السودان الأيام حملة جديدة على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى تنفيذ عصيان مدني في التاسع عشر من ديسمبر/كانون أول الجاري، بعد أن تمت هذه الوسيلة قبيل فترة بسيطة، غير أن المستجد هو دعوات للترويج للعصيان في العملات الورقية، من خلال نشر دعوات ورسائل سياسية، وبعد نشر صور لعملات ورقية بفئات مختلفة تدعو إلى العصيان، خرج مصرف السودان المركزي بتوجيه منع بموجبه التعامل مع أي عملة ورقية عليها كتابات أو شعارات، في التعميم خصّ به الصرافات والمؤسسات الرسمية مما يعني أنه سيتنزل على العامة والسوق ليحد من هذه الظاهرة التي أصبحت تهددّ العملة الورقية.
ووصف مراقبون الخطوه بأنها ثقافة جديدة لأشكال العصيان الجديدة تتفاوت بين بين إيجابياتها وسلبياتها، وأشاروا إلي أنه من المعلوم في الأضابير الرسمية أن الكشط والكتابة في العملات الورقية يجعلها غير مبرئة للذمة، ولكن اللوائح حلّت العادة السودانية، وبات من غير المُستهجن رؤية أرقام أو اسماء مخطوطة على العملات النقدية، وبموجب ذلك تتطرأ أسئلة حول تماشي إقدام الشباب على هذا السلوك السياسي ومدى تماشيه مع القانون.
من جهته أوضح الخبير الإقتصادي الأستاذ المشارك في جامعة المغتربين د. محمد الناير لـ "العرب اليوم" أن الكتابة على العملة ممنوعة بالقانون، لأنها تغيّر الشكل الذي طُبعت به، لافتاً إلى أن طباعة النقود مكلّفة جدًا خاصة في الأمور التأمينية للعملة التي تتطلب مواصفات معينة، وأشار الناير إلى أنه من حق مصرف السودان أن يتمسك بالرفض من استلام أي عملة مكتوب عليها حتى وإن لم تكن شعارات سياسية، وزاد الناير بأن هنالك قانونًا يلزم مصرف السودان باستلام أي عملة تالفة واستبدالها بأخرى، مضيفًا أن القوانين موجودة ومن الممكن أن يفعلها مصرف السودان بإصدار قرار يمنع بموجبه استلام أي عملة في التعامل العادي في الأسواق والتداول، لافتًا إلى أن ذلك سيجعل القرار يتنزل على التداول العادي، وتصبح العملة المكتوب عليها غير مبرئة للذمة.
ويصبح كل من يستلم نقودًا عليها كتابة تحت طائلة القانون، وعن المعالجات الممكنة التي يجب اتخاذها من مصرف السودان يرى "محمد الناير" أنه من الممكن أن يعمم مصرف السودان المركزي منشورًا يحدده بزمن معين يطلب من خلاله كل من يملك عملة عليها كتابة أن يأتي إلى مصرف السودان ويستبدلها، مشيرًا إلى أنه بذلك سيكون الأمر مرفوضًا، وبذلك تُحارب الظاهرة، ويضيف الناير بأن قرار المنع يجب أن يكون بروح القانون لمنع ظاهرة مرفوضة قائلاً: "يجب أن لا يكون رفض الكتابة مقصودًا به رفض الدعوة للعصيان فقط حتى لا يكون الأمر سياسيًا، مضيفًا أن الأمر مرفوض لأنه ممنوع بالقانون لإهانته العملة الوطنية.
ووصف أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية الكاتب الصحافي البروفيسور" عبد اللطيف البوني" الكتابة علي العملة بأنه يأخذ منحى آخرًا يحمل شيئاً من الطرافة بأن ما حدث من كتابة على العملة هو نوع من السخرية على العملة الوطنية بسب التدني الذي حدث فيها، وأردف البوني في حديثه مع "العرب اليوم" إن الداعين للاحتجاج بالكتابة على العملات الورقية كأنما أرادوا القول إن العملة لا تصلح لغير الكتابة عليها بسبب ما وصلت إليه من تدنِّ مقابل العملات الأجنبية.
وأضاف البوني أن ما يحدث هذه الأيام من كتابة على العملة الوطنية عبارة عن ظاهرة جديدة كغيرها من مستجدات هذه الأيام، لافتًا إلى أنها لم تكن معروفة من قبل وهي جزء من الابتكارات الشبابية الجديدة، والشباب مغرم بالابتكارات، ناعتًا ما حدث "بالهذر الثوري" من الشباب مع احتمالية تحوله إلى حقيقة بسبب المطالب السياسية التي يُعبر الشباب عنها بأسلوب جديد علي "حد تعبيره".
وعن الإجراءات التي أصدرها بنك السودان لإيقاف الظاهرة أشار البوني إلى أن من حق مصرف السودان أن يرفض استلام الأموال المحتوية على شعارات أو أرقام، وعن الحل الذي اقترحه الخبير الاقتصادي دكتور الناير بتحديد فترة زمنية لاستلام الأموال التي كُتب عليها على أن تكون بعدها أي عملة مكتوب عليها في السوق غير مبرئة للذمة، يرى البوني أن هذا الحل غير مناسب لأنه من الممكن أن تشهد الفترة ما قبل تحديد المركزي إغراقًا للسوق بالعملة المكتوب عليها مما يتسبب في خسائر كبيرة جدًا بسبب غلاء طباعة العملة، وقال البوني "إذا حدّد مصرف السودان أجلاً محددًا لتغيير العُملة المكتوب عليها فستتعرّض كل العملة الموجودة في السوق للكتابة عليها"، مشيرًا إلى أن هذا الحل لن يحل الأزمة بل سيعقِّدها.
أرسل تعليقك