تجاهل المتسوقون في بريطانيا حالة عدم اليقين الناجم عن التصويت البريطاني بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لتشهد مبيعات التجزئة باستثناء وقود السيارات انتعاشة في يوليو (تموز) الماضي، وهذا دليل آخر على أن قرار بريطانيا بترك الاتحاد الأوروبي كان له تأثير محدود على وضع الاقتصاد البريطاني، بعد شهر من الاستفتاء، وأظهرت بيانات رسمية أمس الخميس، أن المستهلكين البريطانيين تخطوا صدمة التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو (حزيران)، حيث قفزت مبيعات التجزئة أكثر مما كان متوقعا الشهر الماضي.
وعززّ الطقس الدافئ مبيعات الملابس في الوقت الذي أغرى فيه انخفاض الجنيه الإسترليني المشترين في الخارج باقتناء سلع الرفاهية مثل الساعات والحلي.وأرقام الخميس هي البيانات الرسمية الأولى التي تلقي الضوء على أداء طلب المستهلكين منذ قرار الناخبين البريطانيين غير المتوقع بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في الاستفتاء الذي أُجري في الثالث والعشرين من يونيو/حزيران الماضي، وأظهرت بيانات نشرت في وقت سابق هذا الأسبوع تدهور محدود في سوق العمل نتيجة الأثر الفوري لاستفتاء الانسحاب البريطاني، لكن هناك إشارات على زيادة في الضغوط التضخمية بعد انخفاض سعر الإسترليني، وهو ما قد يؤدي إلى تقلص إنفاق الأسر في الفترة المقبلة.وزاد حجم مبيعات التجزئة بنحو 1.4 في المائة في يوليو/تموز، مقارنة مع يونيو/حزيران الذي شهد انخفاضًا بنحو 0.9 في المائة، حسب ما ذكر مكتب الإحصاءات الوطنية بما يجاوز جميع التوقعات التي جاءت في استطلاع للرأي أجرته رويترز أشار إلى زيادة أقل تبلغ 0.2 في المائة.
وقفزت مبيعات الساعات والحليّ بنحو 16.6 في المائة في يوليو مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي مسجلة أكبر زيادة في نحو عامين، وبالمقارنة على أساس سنوي بلغ نمو مبيعات يوليو إلى 5.9 في المائة مسجلة أكبر ارتفاع منذ سبتمبر (أيلول) العام الماضي بما يتجاوز بكثير التوقعات لنمو نسبته 4.2 في المائة، وأشار بيان مكتب الإحصاء أمس، إلى أن الاقتصاد البريطاني بدأ الربع الثالث بشكل قوي، واستفاد أصحاب المتاجر في بريطانيا من موجة السياح الأخيرة، وذلك بفضل تراجع الجنيه الاسترليني.
حيث قال المستشار الاقتصادي لمكتب الإحصاء الوطني جو جرايس، "إن هذه أرقام قوية تظهر زيادة واضحة في المبيعات مقارنة مع شهر يونيو، الراجعة لتحسن الأحوال الجوية هذا العام، ما تسبب في تحسن مبيعات الملابس والأحذية بشكل جيد للغاية"، مضيفًا أن من شملهم الاستطلاع أشاروا لاستفادتهم من ضعف الجنيه الإسترليني، الأمر الذي شجع الزوار الأجانب على مزيد من الإنفاق في المتاجر ولدى تجار التجزئة خاصة المجوهرات التي شهدت شهرا جيدا.بينما أفاد أحدث استطلاعات معهد ايبسوس موري للاستطلاعات الرأي، بأن 43 في المائة من الجمهور توقع تدهور الاقتصاد البريطاني خلال الاثني عشر شهرًا المقبلين، منخفضًا من 57 في المائة قبل شهر.
وارتفعت نسبة من يتوقعون تحسن الأوضاع إلى 28 في المائة من 23 في المائة.وأوضح الاستطلاع أن الناخبين المحافظين متفائلين بشكل خاص هذا الشهر، وفسره المعهد على أنهم سعداء في ظل رئيس الوزراء الجديد تيريزا ماي، وارتد الجنيه الإسترليني أمام الدولار من أدنى مستوياته الأسبوع الماضي في صباح الخميس، ففي الحادية عشرة صباح الخميس بتوقيت غرينتش ارتفع الإسترليني ليتخطى حاجز 1.30 دولار إلى 1.3167 دولار، أي بنسبة 0.96 في المائة، وارتفع أمام اليورو بنحو 0.74 في المائة ليصل إلى 1.1638 يورو.
ومع ذلك، ما زال هناك بعض الاقتصاديين يقولون إن الأمر سيستغرق وقتًا طويلاً لتقييم أثار قرار ترك الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد كشف البنك المركزي البريطاني عن حزمة الحوافز المالية في وقت سابق هذا الشهر، لتخفيف أي تباطؤ نسبي، وشملت هذه التدابير خفض أسعار الفائدة إلى مستوى قياسي منخفض بنحو 0.25 في المائة إضافة إلى شراء الأصول.ويبدو أن الاقتصاد البريطاني ما يزال حتى الآن يخالف التوقعات رغم اختيار خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، لكن محللون يحذرون من أن السماء قد تصبح ملبدة بالغيوم في الأشهر المقبلة.وتجمع آخر الإحصاءات الرسمية تقريبًا على إظهار أن الاقتصاد ما يزال يتمتع بالحيوية منذ استفتاء 23 يونيو/حزيران، الأمر الذي يفاجئ المحللين الذين بنوا توقعاتهم على تباطؤ الاقتصاد.
وقد أعلنت غالبية كبيرة من الاقتصاديين والمنظمات الدولية وحتى وزارة الخزانة وبنك إنجلترا (البنك المركزي البريطاني)، عن خشيتهم من تداعيات مرتبطة بالبريكست، بدءً من إطالة أمد المفاوضات، الأمر الذي لا يفضي إلى طمأنة أوساط الأعمال.وقال ليث خلف المحلل لدى "هارغيفيز لانسدون": حتى الآن، لم يؤثر البريكست في المؤشرات الاقتصادية الرسمية، ما يزال الوقت مبكرًا، لكن من الواضح أنه لا يوجد تراجع في الثقة لدى المستهلكين والشركات.
وأضاف: "إن الاقتصاد البريطاني في وضع جيد، على غرار مبيعات التجزئة التي صدرت أرقامها الخميس وانتعشت بشكل واضح أكثر مما توقعه المحللون، ما يعني أن المستهلكين لم يغيروا من عاداتهم، كما أن بإمكان المخازن الاعتماد على إنفاق السياح الذين تزداد قوتهم الشرائية بفضل ضعف الجنيه الاسترليني".
من جهته، توقع الخبير الاقتصادي في شركة "اي إتش إس" هوارد آرتشر، استمرار هذا الاتجاه في أغسطس (آب) بفضل الطقس الجيد والأثر الناتج عن الأداء الممتاز للفريق البريطاني في الألعاب الأولمبية. وتبعث أرقام أخرى في يوليو/تموز، أول شهر كامل منذ الاستفتاء، على الاطمئنان، وضمنها انخفاض معدلات البطالة، وتسارع طفيف في التضخم، أو استقرار مبيعات السيارات الجديدة.بدورها، أعلنت "كينغ فيشر" الشركة العملاقة لبيع أدوات التصليح والتحسين المنزلي الخميس أن الاستفتاء ليس له تأثير واضح على الطلب في سلسلة متاجرها.
وقال الخبير الاقتصادي في مصرف يونيكريدت دانيال فيرنازا، "إن البطالة في مستوى قياسي منخفض ويبقى مؤشر ثقة المستهلك مرتفعًا، معظم الذين صوتوا مع الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يفكروا في أن النتيجة ستثقل كاهل الاقتصاد، وبالتالي، فإنه من غير المتوقع أن يقللوا من الإنفاق على المدى القصير".ويعم التفاؤل بين المستثمرين أيضًا، مع تسارع أبرز مؤشرات بورصة لندن بشكل كبير منذ بداية أغسطس/آب، مدفوعة بشكل رئيسي بالتدابير الجديدة التي كشف عنها مصرف إنجلترا "المصرف المركزي البريطاني"، لكن عددًا من المحللين يحافظون على تشاؤمهم بالنسبة للأشهر المقبلة، ويحذرون من أن الاقتصاد البريطاني قد يكون في آخر أيام ازدهاره، فنتائج آخر استطلاعات للرأي حول معنويات الشركات والمستهلكين توحي بقدر أقل من الاطمئنان مقارنة مع الأرقام الرسمية.
وتسود مخاوف كبيرة لدى المحللين من أن تصيب حركة الخروج من أوروبا الشركات بشلل فتقوم بخفض استثماراتها وتكاليفها والوظائف في نهاية المطاف. ويوضح ارتشر: ستكون القدرة الشرائية للمستهلكين أقل في حين يتسارع التضخم مع هامش محدود لزيادة أرباح الشركات بسبب التحكم في التكاليف، وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن البطالة ستزداد في الأشهر المقبلة.وبالمثل، يتوقع أرباب العمل في بريطانيا مستقبلاً أقل إشراقًا، حيث قالت الاقتصادية في منظمة أرباب العمل البريطانيين آنا ليتش : "إن الانخفاض الأخير في سعر صرف الجنيه الاسترليني سيزيد من تكاليف المعيشة العام المقبل، ما سوف يؤثر على قدرة الأسر على الإنفاق". وبالتالي، فإنها تدعو الحكومة إلى وضع برنامج وجدول زمني واضحين للمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجل تبديد الشكوك والحفاظ على ثقة الشركات والمستهلكين.وذكرت صحيفة "صنداي تايمز" إن حكومة المحافظين بزعامة تيريزا ماي لا تريد الخروج من الاتحاد الأوروبي قبل نهاية 2019.
أرسل تعليقك