منذ تسرّب خبر احتمال قيام «ستاندر أند بورز» بخفض تصنيف لبنان، انطلقت حملة تهويل مبنية على ضرورة تقديم التضحيات تفادياً للانهيار، وبدأ العمل على استغلال هذا «الاحتمال» لترويج وصفة ضرائب أعدّها صندوق النقد مسبقاً تصيب الشرائح الأقل قدرة وتضرب القطاع العام وتحيّد المصارف من دفع ثمن الإصلاحات، رغم أنها جنت الكثير من الأرباح من إقراض الدولة ومصرف لبنان
احتمال خفض تصنيف لبنان من قبل وكالة تصنيف ثانية (بعد وكالة «موديز») صار أمراً وارداً جداً. والحديث عن تداعياته يشمل، كما دائماً، تسويق الوصفة المعلّبة التي يتبعها صندوق النقد الدولي، والقائمة على زيادة الضريبة على استهلاك البنزين، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15% وتقليص إنفاق الخزينة على المتقاعدين. هذه الطروحات التي تظهر من حين لآخر ويتبناها سياسيون ورجال أعمال ومصرفيون وتجار وصناعيون، عادت إلى السوق مجدداً متكئة على ما تسرّب عن احتمال قيام وكالة «ستاندر أند بورز» بخفض تصنيف لبنان في تقريرها المرتقب في 23 آب الجاري. يجري استغلال مسألة خفض التصنيف بهدف الترويج لأجندة صندوق النقد التي تعمل على تحييد المصارف عن المساهمة في عملية التصحيح المالي وفرض عبء التصحيح على الشرائح الأقل قدرة في المجتمع من خلال رفع الضريبة على الاستهلاك. ما يقال للناس هو أن الخيارات المتاحة أصبحت ضيّقة إلى درجة أن زيادة الضرائب على البنزين والقيمة المضافة هي الحلّ الوحيد. حصر الخيارات بأجندة صندوق النقد هو ما يروّج له حالياً. وهو أمر كانت بعض قوى السلطة قد حاولت فرضه أثناء مناقشة مشروع موازنة 2019، وهي ستحاول مجدداً فرضه أثناء مناقشة مشروع موازنة 2020.
في الواقع، إن خفض تصنيف لبنان من قبل «ستاندر أند بورز» لن يشكّل انحداراً إضافياً في تصنيف الديون اللبنانية، بل هو خطوة مكمّلة لما قامت به «موديز» في مطلع السنة الجارية عندما خفضت التصنيف من (B3) إلى (Caa1). فمن الوارد أن تقوم ستاندر أند بورز بخفض مماثل لتصنيف لبنان من الدرجة الحالية (-B) إلى درجة (+CCC) التي توازي (Caa1) لدى «موديز». خفض التصنيف بحسب تعريفات «موديز»، يعني الانتقال من درجة «المخاطر الائتمانية المرتفعة» إلى «المخاطر الائتمانية المرتفعة جداً»، أما بحسب تعريفات «ستاندر أند بورز»، فهذا يعني الانتقال من درجة «هشاشة تجاه عدم السداد مع وجود قدرة على الإيفاء بالالتزامات المالية» إلى «هشاشة أكثر تجاه عدم السداد مع انعدام القدرة على تغطية الالتزامات المالية في ظل ظروف اقتصادية ومالية معينة».
انحدار تصنيف الديون اللبنانية ليس حدثاً بحدّ ذاته، بل هو يعكس مستوى التدهور الذي بلغته الأزمة، أي أنه ليس مسبباً للأزمة كما يجري تسويقه اليوم بين المصرفيين ورجال الأعمال. هؤلاء لديهم أهداف أخرى من وراء الترويج تتقاطع مع ما يحاول صندوق النقد الترويج له منذ فترة طويلة، أي زيادة الضرائب على الاستهلاك وإعفاء أصحاب الرساميل منها.
أقرأ أيضاً :
الأزمة السورية تكلف الاقتصاد اللبناني 18 مليار دولار
وبحسب مصرفيين مطلعين، فإن خفض التصنيف من قبل وكالة تصنيف ثانية، يفرض على المصارف جملة إجراءات منصوص عليها في تعاميم مصرف لبنان المتعلقة بنسب الملاءة المالية والمؤونات التي يجب اتخاذها تجاه التسليفات والتوظيفات. فالمادة السابعة من القرار الأساسي 12713 المتعلق بتطبيق المعيار الدولي للتقارير المالية رقم 9 (IFRS9) تفرض على المصارف والمؤسسات المالية «أن تجري تقييماً دورياً، فصلياً على الأقل، وكلما دعت الحاجة، لمخاطر الائتمان لكل نوع من الأصول المالية داخل الميزانية والالتزامات خارج الميزانية التي تنطوي على مخاطر ائتمانية، ولا سيما لجهة التأكد من احتمال حصول ارتفاع ملحوظ في مستوى هذه المخاطر ومن مدى هذا الارتفاع».
ويحدّد القرار الأساسي رقم 6939 وعنوانه «الإطار التنظيمي لكفاية رساميل المصارف العاملة في لبنان»، أوزان مخاطر الائتمان لمحفظة التوظيفات في السندات الحكومية التي يجب أن تتبعها المصارف انسجاماً مع التصنيفات المعتمدة. فعلى سبيل المثال، وفي حال خفض تصنيف لبنان من قبل «ستاندر أند بورز» أو من قبل شركتي تصنيف، فإنه بات يترتّب على المصارف أن تزيد أموالها الخاصة إلى المستويات المحدّدة من مصرف لبنان لنسب الملاءة المالية. «خفض التصنيف مرتبط بمستوى المخاطر على توظيفات المصارف» وفق أحد المصرفيين الذي يفسّر الأمر بالآتي: «إن ارتفاع المخاطر يقاس بأوزان لكل بند من بنود الأصول المصرفية، سواء كانت هذه الأصول تسليفات للقطاع الخاص أو تسليفات للدولة. القرار الأساسي 6369 يشير إلى أنه ضمن درجة تصنيف -B أو أدنى يترتّب على المصارف أن تحتسب مخاطر الائتمان على سندات الخزينة بالدولار بنسبة 150% بدلاً من 100%، أما مخاطر الائتمان على شهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان بالدولار فترتفع من 50% إلى 75%». وبالتالي، فإنه في حال خفض التصنيف، ستنخفض قدرة المصارف على تغطية التزاماتها المالية، ما يوجب عليها أن تزيد اموالها الخاصة. هناك خيارات لهذه الزيادة: زيادة الرساميل من المساهمين، أو اقتطاع مبالغ من الأرباح وضخها في الرساميل.
هذه المسألة المعقّدة تقنياً، تنطوي على مؤشّر أساسي، وهو أن الأزمة تتدحرج أكثر فأكثر، لكنه لا يعني بأي شكل من الأشكال أن الانهيار حاصل ونهائي، بل يعني أن احتمالات حصوله صارت أكبر تبعاً لتطورات الأزمة. لكن بحسب مصادر اقتصادية «يجري استغلال هذا الأمر من أجل الترويج لمجموعة من الإجراءات المرفوضة لأنها تصيب شرائح فقيرة ومتوسطة في مقابل العمل على تحييد المصارف من إمكانية المساهمة أكثر كونها معنية أكثر بهذا الأمر. على المصارف أن تدفع لأنها هي التي حققت الأرباح من الدين العام على حساب الشرائح الفقيرة والمتوسطة التي يجري العمل على تدفيعها الثمن».
على أي حال، يشير أحد المصرفيين إلى أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، يعمل على إجراء تعديلات على نسب أوزان المخاطر الائتمانية وعلى نسب الملاءة انسجاماً مع احتمال خفض تصنيف لبنان من قبل «ستاندر أند بورز» وهو طلب إلى الجهات المعنية إعداد سيناريوات عن الأثر الذي سيتركه خفض التصنيف على المصارف ونسب الملاءة لديها.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
ماكرون يعلن توفير11 مليار دولار لدعم الاقتصاد اللبناني في "سيدر"
خوري يؤكد أن الاقتصاد اللبناني بحاجة للحفاظ عليه
أرسل تعليقك