أثر قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات والبدء ببيع الدولار للشركات المستوردة على سعر السوق، بخلق حالة من البلبلة في البلاد. وأعلن البنك المركزي اللبناني عدم قدرته على دعم أسعار الوقود مرة أخرى، ودخول القرار حيز التنفيذ اعتبارا من أمس الخميس. وعقدت سلسلة لقاءات واجتماعات في القصر الرئاسي اللبناني، وبعدها في مقر رئاسة الوزراء لدراسة اتخاذ قرارات تحد من التداعيات الكارثية للقرار أو إيقافه.
ولكن بقيت جميعاً دون صيغة تنفيذية ولم تدفع حاكم مصرف لبنان إلى التراجع عن قراره، الذي يشترط الحصول على تشريع من البرلمان اللبناني يسمح له استعمال الاحتياطي الإلزامي للاستمرار بعملية الدعم. وبعدما اكتفت الرئاسة بمطالبة الحاكم بالتراجع عن قراره، و"التقيد بقانون البطاقة الإلكترونية وبالموافقات الاستثنائية المتعلقة باستعمال جزء من الاحتياطي الإلزامي لفتح اعتمادات المحروقات على سعر 3900 ليرة للدولار في أي إجراء يتخذه وبعد التنسيق مع السلطة الإجرائية التي أعطاها الدستور حق وضع السياسة العامة للدولة في جميع المجالات".
حمّل الاجتماع الوزاري الذي عقد في مقر رئاسة الحكومة حاكم مصرف لبنان والمجلس المركزي مسؤولية القرار وتوقيته، خاصة أن المصرف يتحمّل ما آلت إليه سياسته المالية والنقدية". وطالبوا الحاكم بالاستمرار في سياسة الدعم وترشيده وتحميل الجهات الرقابية والأمنية المسؤولية لإيصال الدعم إلى المواطن، واتخاذ الإجراءات كافة لحماية المجتمع من مثل هذه القرارات التي تحدث نكبة اجتماعية.
ولكن في الواقع لم يقدم أحد على إرسال مشروع قانون إلى مجلس النواب يسمح للحاكم بالتصرف في الاحتياطي الإلزامي، وبقي ما صدر مجرد بيانات إعلامية شعوبية، لا تقدم ولا تؤخر. واليوم شهدت الأزمة تطورات جديدة، عندما دعا الرئيس اللبناني ميشال عون مجلس الوزراء للانعقاد بصورة استثنائية للضرورة القصوى بالاتفاق مع رئيس الحكومة، إلا أن حسان دياب رئيس مجلس الوزراء رفض هذه الدعوة.
ووفقا للحساب الرسمي للرئاسة اللبنانية على موقع تويتر: "ستخصص الجلسة لمعالجة التداعيات والذيول الخطيرة لأسباب أزمة عدم توافر المشتقات النفطية على أنواعها في السوق المحلية وانقطاعها". وأضاف الرئيس اللبناني في رسالته على تويتر: "حاكم المركزي مصر على موقفه رغم القوانين والقرارات التي تمكنه من العودة عن قراره وإعادة توفير الدعم للمشتقات النفطية، لا سيما قانون البطاقة التمويلية والموافقة الاستثنائية لفتح اعتمادات لشراء المحروقات على أساس 3900 ليرة بدلا من 1500 ليرة للدولار الواحد".
وأوضح: "المصرف المركزي هو شخص من أشخاص القانون العام، والحكومة هي التي تضع السياسات العامة في كل المجالات وفق المادة 65 من الدستور، وتصريف الأعمال بالمعنى الضيق لا يحول على الإطلاق دون انعقاد مجلس الوزراء عند توافر عناصر الضرورة القصوى". من جهته رفض حسان دياب، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، دعوة الرئيس عون لاجتماع حكومي لبحث أزمة المحروقات.
يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن حاكم مصرف لبنان يهدف من وراء مطلبه بتشريع من مجلس النواب للتصرف بالاحتياطي الإلزامي إلى حماية نفسه، وعدم تعرضه للملاحقة القانونية بالاستناد إلى بيان نقابة المحامين، الذي أكد أن أموال المودعين الموجودة في المصارف وبالتالي لدى مصرف لبنان هي ملكهم، والملكيّة الخاصّة مصونة في المادة 15 من الدستور. فليس لمصرف لبنان أن يستعملها على هواه، كما يُمنع على مصرف لبنان استعمال الاحتياطي الإلزامي إلا في أهدافه المحددة (أي رد الأموال لأصحابها).
وقالوا إن احتياطيات مصرف لبنان السائلة المقدرة بما يقارب 15 مليار دولار اليوم، والتي أصبحت توازي الاحتياطي الإلزامي للمصارف في مصرف لبنان، أي أن أي انخفاض في الاحتياطيات يضع الودائع بالعملات في القطاع المصرفي على المحك، ما يفرض على السلطات وقف أي استنزاف لهذه الاحتياطيات مهما كانت الوجهة. وشددوا على ضرورة عدم المساس تحت أي ظروف بالاحتياطي الإلزامي، كونه يشكّل جزءاً لا يتجزأ من ودائع الزبائن لدى المصارف.
وأشار إلى أن الدولة تتحمّل مسؤولية استنزاف ودائع المصارف لدى مصرف لبنان خلال السنوات الماضية واستمرار هذه السلوكيات سيقضي على بعض الإمكانات التي تسهم في إعادة النهوض الاقتصادي والمالي متى تشكّلت الحكومة وأطلقت العجلة الاقتصادية. وأكدوا أن استنزاف الاحتياطي أبعد من كونه يستنزف أموال المودعين، فهو يقضي على إمكانية خروج البلد من كبوته. بدوره أكد مرجع قضائي: "أن نص المادة 77 من قانون النقد والتسليف أتى مطلقاً لناحية عدم تحديد الجهة الملزمة بموجب عدم إنقاص الأموال الاحتياطية عن النسب المئوية المحدّدة".
وأضاف: "أي أن هذا الموجب يقع على عاتق المصارف، وعلى عاتق مصرف لبنان على حد سواء. فكما أنه لا يحق لمصرف ما أن يمتنع عن إيداع أموال لدى مصرف لبنان أقلّ من النسب الدنيا المحدّدة، فإنه لا يحق لمصرف لبنان أن يستعمل أموال المصارف المودعة لديه إلزامياً بشكل يؤدي إلى إنقاصها عن النسب المئوية الدنيا المحددة للاحتياطات الفعلية والاحتياطات الإلزامية". وشدد على أن النص واضح، وهو أن مصرف لبنان لا يستطيع منفرداً اتخاذ أي قرار بصرف الاحتياطي أو التوظيفات الإلزامية، لافتاً إلى أن مجلس النواب وبحكم القوة الضاغطة بإمكانه تعديل القانون وتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي وبالتالي توفير السيولة اللازمة إن كانت للدعم أم لغيره، ولا يستطيع الحاكم أو المجلس المركزي لمصرف لبنان مخالفة القانون".
وإلى حين إيجاد مخرج دستوري أو سياسي رفضت اليوم الشركات المستوردة للنفط لليوم الثاني على التوالي تزويد السوق بالمواد، بانتظار اتفاق بين أركان الدولة والمصرف المركزي واستصدار تسعيرة موحدة يتم على أساسها تسليم المواد، ما أدى إلى تفاقم الأزمة بشكل كبير، وسط فقدان البنزين والمازوت من السوق، وتوقف أغلبية المؤسسات الخاصة والعامة عن العمل.
ومساء الأربعاء، أعلن مصرف لبنان أنه سيبدأ تأمين اعتمادات استيراد المحروقات بسعر صرف الدولار في السوق، اعتبارا من الخميس. وقال: "مصرف لبنان أرسل للحكومة منذ شهر أغسطس/آب 2020 أي منذ حوالي السنة"، مؤكداً أنه "لا يمكن قانوناً المساس بالتوظيفات الإلزامية بالعملات الأجنبية لديه، وقد أكد ذلك مرارا بمراسلات أخرى وفي الاجتماعات كافة التي عقدها مع المراجع المعنية بسياسة الدعم".
أخبار تهمك أيضا
رياض سلامة ينكب على "شرعنة" تدابير المصارف اللبنانية لمنع ملاحقتها قضائيًا
سلامة يطالب بصلاحيات لتنظيم إجراءات المصارف اللبنانية
أرسل تعليقك