أكد تقرير عمالي أن شروط العمل في الأردن مما زالت في حالة تراجعية في مختلف مؤشرات العمل اللائق ، سواء توفير فرص العمل اللائق ، أو الأجر اللائق، أو الحماية الاجتماعية أو الحق في التنظيم النقاي والمفاوضة الجماعية أو احترام معايير العمل الأساسية.
جاء ذلك في تقرير أصدره المرصد العمالي الأردني التبابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية ، بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية ، وأكد التقرير على أن تراجع شروط العمل في الأردن نتيجة حتمية لجملة سياسات اقتصادية واجتماعية وضعتها ونفذتها الحكومات المتعاقبة، حيث لم يساعد هذه السياسات عل خلق فرص عمل كافية لطالبيها من خريجي النظام التعليمي ، مما أدى إلى تعميق مشكلات القوى العاملة الأردنية وتعزيز اختلالات سوق العمل ، حيث أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية الأساسية الحالية تشير إلى استمرار صعوبة الأوضاع الاقتصادية، إذ إن معدل النمو الاقتصادي لم يتجاوز 2.0% في عام 2016، ومعدل العجز في الموازنة العامة قبل المنح والمساعدات ما زال مرتفعًا في نهاية 2016، وارتفع الدين العام إلى مستويات قياسية تجاوزت26 مليار دينار ، ليصل 94.8% من الناتج المحلي الإجمالي ، وهو مؤشر كبير وخطير ، وجاءت هذه النتائج بسبب تطبيق جملة من السياسات الاقتصادية اتسمت بالانتقائية .
فقد أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات ، حيث التوسع في الضرائب غير المباشرة إلا جانب أن نظام ضريبة الدخل يقوم على أسس غير تصاعدية ، كذلك أدت العديد من اتفاقيات التجارة الحرة إلى أضعاف العديد من القطاعات الصناعية الهامة ، بسبب تحرير التجارة الخارجية من دون ضوابط ، مجمل ذلك قاد إلى ضعف المشاركة الاقتصادية بشكل عام ، حيث لم تزد عن 25 %، ومشاركة المرأة منها، على وجه الخصوص، والتي لا تزيد عن 12.4%، واتساع أعداد العاملين في القطاع غير المنظم ، الذي أصبح السمة الغالبة لسوق العمل.
وشدد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية ، أحمد عوض ، على ضرورة أن يخرج المسؤولين الحكوميين من عقلية تهمش سياسات العمل وظروف العمل والمعاناة التي يعاني منها غالبية العاملين في الأردن ، فهي تشكل جوهر الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الأردن.
وأشار التقرير إلى التراجع الملموس في أعداد فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد الأردني ، فقد تراجعت أعداد فرص العمل المستحدثة خلال الأعوام الماضية ، من نحو 70 ألف فرصة عمل في عام 2007 إلى ما يقارب 48 الف وظيفة في عام 2015 .
في ذات الوقت الذي تزايدت به أعداد طالبي الوظائف من خريجي النظام التعليم الأردني المائة ألف سنويًا والتي تقارب 120 ألفا سنويًا ، وقد سجل معدل البطالة خلال الربع الرابع من عام 2016 رقمًا غير مسبوق منذ 11 عامًا حيث بلغ "15.8%" ، ولدى الإناث ضعفها عند الذكور ، وعند الشباب ما بين سن "16-24" من غير الجالسين على مقاعد الدراسة ما بين "32.0-40.0%" وهذه أرقام مفزعة.
وأوضح التقرير أن سوق العمل الأردني ما زال يعاني من انخفاض ملموس وكبير
في مستويات الأجور للغالبية الكبيرة من العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، إذا ما أخذ بعين الاعتبار مستويات الأسعار لمختلف السلع والخدمات ، مما أدى إلى اتساع رقعة العمالة الفقيرة ، حيث أن الغالبية الكبيرة من العاملين بأجر لا يحصلون على أجور توفر لهم الحياة الكريمة لقاء عملهم الأساسي، وهنالك فجوة كبيرة بين معدلات الأجور التي يحصل عليها الغالبية الساحقة، وبين قدرة هذه الأجور على توفير حياة كريمة لهم ، وحسب الأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، هنالك تدنٍ واضح في معدلات الأجور لغالبية العاملين بأجر.
وحسب أرقام المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي فإن متوسط الأجر الشهري للمشتركين ، فيها في عام 2015 بلغ "489" دينار ، حيث بلغت لدى الذكور
"512" دينار شهريًا، ولدى الإناث "442" دينار شهريًا، ولا تبتعد أرقام دائرة الإحصاءات العامة عن هذه المؤشرات ، وعند مقارنة هذه الأرقام بمستويات الفقر في الأردن نلحظ المستوى المتدني لمعدلات الأجور هذه، وتشير الأرقام الرسمية إلى مستويات الفقر المطلق في الأردن إلى اقترابه من 450 دينار شهريًا للأسرة المعيارية المكونة من ما يقارب "5.0" ، وعند التعمق في شرائح الأجور التي يحصل عليها العاملون بأجر، نلحظ الوضع الكارثي، إذ أن 50.3% ، تبلغ أجورهم الشهرية 400 دينار فأقل، وكذلك 72.2% منهم أجورهم 500 دينار فما دون.
وكذلك الحال بالنسبة للحد الأدنى للأجور، والذي ارتفع في مارس/آذار الماضي من 190 دينار شهريًا ، إلى 220 دينار شهريًا ، وهو يقل بشكل كبير عن خط الفقر المطلق، الصادر عن قبل الجهات الرسمية ذات العلاقة، بشكل كبير ولافت.
وأكد التقرير على استمرار القيود غير مبررة على حرية التنظيم النقابي، والتي تعد سببًا أساسيًا في اتساع رقعة الانتهاكات التي تتعرض لها قطاعات واسعة من العاملين ، فعندما يغيب التنظيم النقابي العمالي المستقل والديمقراطي والفعال، لن يتمكن العاملون من الدفاع عن مصالحهم وتحسين شروط عملهم، سواء كان ذلك على مستوى التشريعات أو السياسات أو الممارسات.
ولم تمنع مختلف هذه القيود من أن تقوم قطاعات واسعة من العاملين بتنظيم أنفسهم في تجمعات وهيئات خارج إطار الهيئات النقابية المعترف بها رسميًا حسب القوانين المعمول بها، فعندما يضيق الإطار القانوني على الحراك المجتمعي فإن المجتمع يخلق قوانينه الخاصة به، وهذا ما فعله عشرات الآلاف من العاملين بتنظيم أنفسهم في أطر نقابية خارج إطار النقابات الرسمية المعترف بها، ومن منع عمال الأردن من تنفيذ ما يقارب 3800 احتجاجًا عماليًا خلال الأعوام الماضية.
وأشار التقرير إلى استمرار ضعف منظومة الحماية الاجتماعية في الأردن، حيث
أن نسبة المشمولين في الضمان الاجتماعي ما زالت قليلة نسبة إلى مجمل القوى العاملة، فهم يشكلون ما نسبته 50% من مجمل القوى العاملة البلاغة ما يقارب 2.5 مليون ، إذ يبلغ عدد المؤمن عليهم الفعالين ، على رأس عملهم ما يقارب "1.22" مليون عامل، وحتى لو أضفنا لهم الأعداد المحدودة للعاملين المشمولين بأنظمة تقاعدية وتأمينية أخرى ، مدنية وعسكري ، تبقى هنالك قطاعات عمالية كبيرة غير مشمولة بأي نظام تأميني ، حيث أن العاملين في الأردن وفقًا لأسس غير نظامية وفي الاقتصاد غير المنظم تتسع باستمرار.
ولفت التقرير إلى استمرار اتساع رقعة الانتهاكات التي يتعرض لها قطاعات واسعة من العاملين بأجر، والتجاوزات على التشريعات والسياسات ، وعلى وجه الخصوص ، قانوني العمل الأردني والضمان الاجتماعي، إذ ما زالت عمليات التفتيش التي تقوم بها وزارة العمل غير قادرة على وضع حد للتجاوزات والمخالفات التي تقوم بها فئات كبيرة من أرباب العمل ، وخاصة في المؤسسات
المتوسطة والصغيرة، وكذلك العاملين في الاقتصاد غير النظامي "غير الرسمي".
أرسل تعليقك