يكابد الشارع السوداني، أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، من جراء الارتفاع الكبير في سعر الدولار، فيما تشير أصابع الاتهام إلى شركات الاتصالات في البلاد ودورها المحتمل في مفاقمة الوضع.
ويقول خبراء إن شركات الاتصالات تلجأ إلى المضاربة والطلب الكبير، حتى تستطيع تحويل ما تجنيه من إيرادات يومية ضخمة إلى عملات أجنبية.
ويراهن السودانيون على الحكومة التي لم يمض على تشكيلها سوى نحو 50 يوما، حتى تتخذ إجراءات لأجل مواجهة الأزمة الاقتصادية التي كانت أبرز أسباب الانتفاضة ضد نظام عمر البشير.
من ناحيته، أكد وزير التجارة والصناعة السوداني، مدني عباس مدني لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن انخفاض الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية يشكل واحدا من عدة أسباب تؤدي إلى الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية.
وأضاف مدني أن الطلب الكبير على العملات الأجنبية من شركات الاتصالات وشركات وجهات أخرى يضغط على أسواق الصرف، وهذا الأمر يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.
وشدد مدني على الدور الكبير الذي يلعبه السماسرة في رفع الأسعار، مؤكدا العمل على تنفيذ إجراءات وسياسات صارمة لحماية المستهلك وضمان وصول السلع للأسواق دون عقبات.
أسعار ملتهبة
وواصلت أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية، ارتفاعها مع انخفاض حاد في قيمة الجنيه السوداني، حيث تم تداول الدولار الواحد عند 75 جنيها في السوق الموازي، في تعاملات (الأحد).
وتكمن خطورة ارتفاع الدولار أمام العملة السودانية، في الارتباط الوثيق للدولار بأسعار السلع الأساسية المستوردة، وحتى المنتجة محليا لأنها تعتمد بنسبة 90 في المئة على الاستيراد من الخارج.
"إرث ثقيل"
ويقتنع كثيرون في السودان بمدى ثقل الإرث الذي تركه النظام السابق، نظرا للتعقيدات المحيطة بالتعاملات المالية والتجارية مع الخارج وعدم مرور وقت كافي لاختبار قدرة الحكومة على مواجهة تلك الأزمات، لكن المنتقدين يرون تباطؤا في اتخاذ إجراءات كان يتوقع أن تسهم بشكل مباشر في تخفيف حدة الأزمة.
ومن بين أهم تلك الإجراءات ضبط الإنفاق الحكومي المرهق لخزينة الدولة.
المضاربات والنقل
ويعزو المدير العام لمجموعة "كوفتي"، صديق محمد صالح، أسباب انخفاض الجنيه إلى المضاربات ومشاكل التصدير. وهو ما يتطلب الإسراع في تنظيم أسواق صرف العملات.
وتتم المضاربة على الدولار، عبر شبكة مكاتب داخلية وخارجية لا تحمل صفة قانونية للاتجار بالعملة، إضافة إلى "صرافات" تمارس في الكثير من الأحيان أنشطة اتجار بالعملات الأجنبية بعيدا عن رقابة البنك المركزي.
وإلى جانب تأثير أسعار الصرف، فإن ارتفاع كلفة النقل من مناطق الإنتاج إضافة إلى التغيرات الموسمية التي تحدث ندرة في بعض السلع تعد من العوامل المهمة التي تفاقم من أوضاع السوق، وفقا لصالح.
وفيما يقول صالح إن هامش الربح في نقاط البيع يتراوح بين 10 و15 في المئة، تعمد بعض النقاط إلى رفع هامش الربح. ويرى صالح أن انخفاض قيمة الجنيه يؤثر مباشرة على أسعار السلع المستوردة، وبدرجة أقل على المنتجات المحلية.
تدابير إصلاحية
ويطالب أحمد الشيخ مصطفى الأمين، رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات الشيخ مصطفى الأمين، بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف تدهور العملة المحلية، وبالتالي تخفيف الضغط على الأسعار، من خلال إصلاح هياكل الاقتصاد ومكافحة الفساد والتركيز الكلي على الإنتاج.
ويمضي اللأمين في رؤيته إلى حد المطالبة بإلغاء خصخصة شركات الاتصالات والسيطرة على أنشطتها المالية.
فوضى الأسواق
ويرى رئيس المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، عبد القيوم عبد السيد، أن وقف فوضى أسعار الصرف والأسواق تتطلب إجراءات واسعة النطاق تتضمن تقليص الإنفاق الحكومي، وتنظيف مؤسسات الدولة من بقايا النظام السابق لأنها ما زالت تتحكم في جزء كبير من مفاصل الدولة، بما في ذلك المنافذ المرتبطة بالاحتياجات اليومية للمواطن.
ويشير عبد القيوم إلى ضرورة العمل على إعادة التوازن للجنيه السوداني، عبر سياسات صارمة تستهدف هيكلة القطاع المصرفي وتنظيم قطاع التصدير بالطريقة التي تضمن الاستفادة من عائدات الصادرات لدعم قيمة الجنيه.
معالجات عاجلة
ويربط محمد عصمت، الخبير المصرفي ورئيس الحزب الاتحادي الديموقراطي الموحد، بين انخفاض قيمة الجنيه من جهة، وما يحدث من ارتفاع حاد في أسعار السلع الأساسية، من جهة أخرى. ويؤكد على ضرورة معالجة مشكلة تدهور قيمة الجنيه، من خلال ضبط عائدات الصادر وزيادة الإنتاج واتخاذ إجراءات محكمة لوقف المضاربات.
ويقول عصمت إن وجود عناصر النظام السابق في المراكز الحساسة في الوزارات والمحليات والجهات الحكومية الأخرى المعنية بضبط الأسواق، يساهم بشكل مباشر في الفوضى الحالية.
سياسات لا محيد عنها
ويرى أبو القاسم مجمد النور، أستاذ الاقتصاد في جامعة الخرطوم، أن الضرائب والرسوم العالية التي تفرضها السلطات تتسبب أيضا في ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
ويقترح أن تتم معالجة أزمة الأسعار عبر سياسات تركز على تقليص الإنفاق الحكومي وزيادة الإنتاج والتركيز على الصناعات التحويلية.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
الشارع السوداني يترقب الاتفاق وتراجع أسهم حمدوك لمصلحة الدقير والفضل لتولِّي "رئاسة الوزراء"
أرسل تعليقك