أطلق الملياردير المعروف جورج سوروس تحذيره حول صعوبة الهبوط الآمن للاقتصاد الصيني وأردفه بآخر قال فيه إن الصين على مشارف أزمة أشد من أزمة الأوعية المسمومة التي ضربت قطاع المصارف الأميركي عام 2008 وتطورت لتعم العالم.
وعلى الرغم من أن معدلات نمو الاقتصاد الصيني للربع الأول حظيت برضى كثير من المحللين وبثت شعوراً بالتفاؤل لدى الأسواق إلا أن الملياردير لم يأبه لها مؤكداً أن الهبوط المؤلم للصين مؤكد. وفي الوقت الذي تتكرر مثل هذه التحذيرات من النمو الذي تغذيه الديون حيث خفضت وكالتا تصنيف الائتمان «موديز» و«ستاندرد أند بورز» تصنيف الصين الائتماني في مارس/آذار الماضي، إلا أن الصين أثبتت أنها قادرة بشكل لافت على التعامل ببرودة مع الأزمات الساخنة.
وفي الرد على جورج سوروس يرى المحللون أن الصين تختلف عن الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات نظراً لحجمها الكبير وقدرة حكومة الحزب الواحد على فرض معايير ضبط اقتصادي استثنائية. وهذا معناه أن قواعد التحليل الافتراضية والمعادلات التقليدية في الحكم على أدائها ينبغي تحييدها.ونتيجة لذلك فإن الأزمات المالية والهبوط المؤلم لن يحدث طبقاً لمقاييسنا.
ولا شك أن هناك مؤشرات على تطور في الأزمة تظهر بين الحين والآخر رغم أن التدخل الحكومي لترميمها يتخذ طابعاً فورياً. ومن المخاطر التي ينبغي التركيز عليها حجم السيولة المصرفية باعتبار أنها كانت نقطة الضعف إبان أزمة 2008. فالأمور تبدو ظاهرياً تحت السيطرة لأن البنك المركزي يتدخل بسرعة كلما دعت الحاجة. وكانت آخر تحركاته الأسبوع الماضي عندما ضخ 870 مليار يوان لتخفيف أزمة شح السيولة. وهناك أيضاً التوترات التي تواجهها سوق السندات حيث تبدو سندات الشركات الحلقة الأضعف. وبعد أن سجلت عمليات إصدارها رقماً قياسياً مطلع العام الحالي، اضطرت نسبة 40% من الشركات التي أعلنت عن إصدارات جديدة لإلغاء إصداراتها منذ بداية مارس نظراً لشح السيولة. أما السندات السيادية فتأمل الحكومة في إقبال شديد عليها نظراً لإصدار حكومات الأقاليم كميات كبيرة.
وتبقى نقطة الضعف الصينية الأخطر في أسواق العملات. فتعويم الصين المحدود لأسعار صرف اليوان يتعرض لضغوط قوية ناتجة عن استنزاف 800 مليار دولار من احتياطياتها الأجنبية منذ بداية عام 2014. وفي نفس الوقت تجتهد السلطات المختصة للانتقال إلى معدلات صرف مرنة تتحرك تبعاً لمعطيات السوق حيث خفضت عملتها مرتين بنسب محدودة لكن النتائج لم تكن مرضية. فالمحاولتان أسفرتا عن موجات بيع للعملة الوطنية في الأسواق العالمية وعن مزيد من نزيف الاستثمارات الخارجية.
وهكذا وجدت الحكومة نفسها في مأزق. فلكي تدافع عن ربط عملتها بالدولار الأمريكي على نطاق ضيق لا بد من ضخ المزيد من الدولارات في السوق وهو ما يزيد من أزمة السيولة محلياً.كما أن تخفيف السياسة النقدية يزيد من تدفق الرساميل خارج البلاد.
وشهد مارس استقراراً نسبياً في استنزاف الاحتياطيات النقدية لكن مبررات القلق حول ضعف العملة على المدى البعيد لا تزال قائمة.وفي واقع الأمر هناك من المحللين من يعتقد أن الصين تواجه خطر تدهور سريع في عملتها سواء تعرضت لأزمة مالية أو لهبوط مؤلم أم لم تتعرض، وذلك بسبب عدم التوازن في تدفق الرساميل.
وأصدر بيت الاستثمار الصيني «سي إل إس إيه» تقريراً الأسبوع الماضي جاء فيه أن الصين لا تملك خياراً حيال تعويم عملتها بشكل حر عام 2017. ومثل هذا التجاوب التام مع متطلبات قوى السوق لا بد أن يفقد اليوان أكثر من 25% من قيمته في المرحلة الأولى حسب التقرير.
ونقطة ضعف الصين هنا هي حساباتها المالية حيث ينتج عن تصاعد موجة نزوح الرساميل تقزيم الفائض الحالي في ميزان الحسابات الجارية. ويقول التقرير إن سياسة الصين الحالية القائمة على الخفض التدريجي للعملة الوطنية لا تصلح لحل مشاكل حساباتها المالية وربما تزيد الأمور سوءاً باعتبارها تقوم على رهان أحادي الاتجاه.
وهذا يحشر بكين في الزاوية. فهي تعرض احتياطياتها من العملة الصعبة لمزيد من الاستنزاف كي تضمن الحفاظ على معدلات صرف تناسب حركة الأسواق، الأمر الذي لا بد أن يتسبب في «انكشاف سعري» قائم على توقعات الأرباح سواء لجهة مشتري اليوان أو بائعيه.وبما أن قيمة العملة الوطنية ستحددها قوى السوق فإن الخطر سيكون قاتلاً.
وجرياً على عادته، يبدو أن تحذير سوروس يجب أن يؤخذ على محمل الجد. فحجم الصين يؤكد أنها مختلفة. لكنه هذه المرة قد يعني أنها ستواجه اضطراباً ائتمانياً مختلفاً ربما يتمثل في أزمة مالية لا تقل خطورة عن حجمها.
أرسل تعليقك