يبدأ البنك المركزي الأوروبي تنفيذ خطته المقرّة للإنعاش النقدي، لاسيما في منطقة اليورو، والتي تتضمن ضخّ 60 بليون يورو شهريًا، الاثنين.
وتهدف هذه الخطة، إلى تحقيق أمرين، الأول شراء سندات حكومية من دول منطقة اليورو، لاسيما من الدول المتعثرة لمساعدتها على الحصول على قروض دون فائدة، والثاني مكافحة تراجع الأسعار في أوروبا منذ أكثر من سنة، ما يهدد الاقتصاد على المدى المتوسط والطويل بالاختناق في حال استمراره، ويؤدي إلى تراجع الأرباح وتوقف الشركات عن الاستثمار وارتفاع البطالة.
وأشارت مصادر البنك المركزي الأوروبي في فرانكفورت إلى أنَّ رئيس البنك ماريو دراغي يتوقع استمرار الخطة حتى أيلول/ سبتمبر المقبل على الأقل، ومستعد لضخ تريليون يورو في الأسواق والمؤسسات المالية من أجل تحقيق الهدفين المذكورين.
وأضافت المصادر أنَّ ألمانيا ستحصل تبعًا لذلك على 230 بليون يورو، أي على الجزء الأكبر منها.
وبعد قرار الخطة أخيرًا، سجّل اليورو تراجعًا كبيرًا أمام الدولار والعملات الصعبة الأخرى، لتستفيد شركات دول منطقة اليورو المصدّرة، وعلى رأسها ألمانيا.
ورأى خبراء مال، بينهم الخبير الألماني هنريك موللر، أنَّ هذه الخطة في شقها الأول ستساعد دولًا متعثرة في منطقة اليورو مثل البرتغال وإيطاليا وإسبانيا، ولكن السؤال يبقى ما إذا كان مفعولها سيؤدي إلى تحقيق ما يأمله البنك المركزي ورئيسه دراغي.
ولفت موللر إلى خطر تحوّل الأمر إلى نوع من شد حبال بين البنك والأسواق والمؤسسات المالية يمكن أن تتمخّض عنه في النهاية أزمة مالية جديدة.
والمعروف أنَّ رئيس البنك المركزي الألماني أكسل فيبر ورئيس معهد "إيفو" للبحوث الاقتصادية في ميونيخ هانس فرنر زن من أشد المعارضين لخطة دراغي ويعتبران أنَّها تتجاوز صلاحيات البنك المركزي الأوروبي، إلا أنَّ الأخير أكد أكثر من مرة أخيرًا أنه مصمم، إلى جانب تقديم المساعدة المالية للدول الأوروبية المتعثرة، على رفع معدل التضخم في منطقة اليورو على المدى المتوسط إلى أقل من 2% من جديد، وهو الحدّ الذي يعتمده البنك ويعتبره الأفضل من أجل ضمان النمو المستدام في منطقة اليورو، ويؤكد أنه لن يوفر أي مسعى أو تدبير ممكن لتحقيق هذا الهدف.
ومن خلال ربطه بين الهدفين المعلنين، شدد دراغي في كلمته التي ألقاها أخيرًا أمام البرلمان الأوروبي على أنَّ طة التسييل المالي ستستمر بالتأكيد ضمن المهلة الزمنية المطلوبة حتى إرساء التوازن في معدل التضخم.
وأظهرت الإحصاءات الأخيرة أن معدل التضخم هبط الشهر الماضي إلى 0.6%، وتشير التجارب السابقة إلى أنَّ إغراق أسواق المال والاقتصاد بالنقد يقود إلى زيادة الاستهلاك على السلع والخدمات، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي أكده أيضًا دراغي في بروكسيل.
ومع ذلك، يشكك خبراء في نجاح هذه الخطة ويرون أن معدلات التضخم تواصل الانخفاض في كل العالم على رغم خطط الإنعاش النقدي. ويعطي هؤلاء مثَل الولايات المتحدة، حيث ضخ مجلس الاحتياط الفيديرالي 4.5 تريليون دولار دون أن يحقق هدف رفع معدل التضخم إلى أقل من 2%.
ويجد هؤلاء أنَّ البنك المركزي الأوروبي يأخذ على عاتقه مسؤولية يمكن أن تتجاوز قدراته على التحكم بالأمور حين يفشل مسعاه هذا، إنما بعد أن يكون ساهم في فقاعة مالية ضخمة ستنفجر في أي لحظة يعلن فيها فشله أو تراجعه عن التسييل المالي، ما يقود في النهاية إلى أزمة مالية أشد وقعًا من تلك التي حصلت العام 2008.
ولتفادي الانفجار، يصبح البنك المركزي عمليًا سجين إستراتيجيته هذه، ما سيضطره إلى مواصلة التسييل المالي، ما سيوصل إلى حلقة مفرغة مخيفة.
ولكن الداعمين لخطوة المركزي الأوروبي يعربون عن ثقتهم بقدرته على معالجة الوضع المالي والاقتصادي في منطقة اليورو، ويعتبرون أن التحسن الاقتصادي الحاصل حاليًا يشجع على مواصلة هذه الطريق الصعبة التي تفتقد حلولًا أخرى أفضل
أرسل تعليقك