تورّط وزير التعليم العالي والبحث العلمي حسين الشهرستاني، في أكبر فضيحة رشوة شهدها العالم، بسبب عقود نفطية شملت عدد من المسؤولين العراقيين رفيعي المستوى، من بينهم وزير النفط السابق عبد الكريم لعيبي، وآخرين من كبار مسؤولي وزارة النفط وشركة "نفط الجنوب"، لتمرير صفقات لصالح شركات عالمية مختلفة.
وكشفت صحيفة "هفنغتون بوست"، في تقرير لها الخميس، أن تحقيقات أجرتها مؤسسة "فيرفاكس ميديا" الإسترالية للإعلام، و"فنغتون بوست الأميركية"، أثبتت فضيحة فساد كبرى، تتعلق بصفقات النفط العراقية، محورها الرئيسي شركة "يونا أويل"، التي تتخذ من إمارة موناكو مقرًا لها، مشيرة إلى أن المتورطين الرئيسيين في القضية هم مدير شركة "يونا اويل" في العراق باسل الجراح، والمدير التنفيذي للشركة سايروس احسني، ومن الجانب العراقي الموظف في وزارة النفط عدي القريشي، ونائب رئيس الوزراء ووزير النفط السابق حسين الشهرستاني، إضافة إلى مسؤولين آخرين بينهم وزير النفط السابق عبد الكريم لعيبي".
وأكدت الصحيفة أن التحقيق في عشرات الآلاف من رسائل البريد الإلكتروني السرية، كشفت أن مندوب شركة "أونا اويل" في العراق باسل الجراح، كان محور أكبر عملية رشوة على المستوى العالمي، مولت في بعض الأحيان بعلم من قبّل عشرات الشركات الأميركية والبريطانية والأوروبية والأسترالية متعددة الجنسية، لافتة إلى أن تلك الشركات دفعت مبالغ ضخمة إلى "اونا اويل"، لتسهل الأخيرة حصولها على صفقات حكومية تُقدّر بمليارات الدولارات، من خلال أصدقائها المتواجدين في مناصب مرموقة في العراق".
وأضافت "هفنغتون بوست"، أنّ الجراح كان المسؤول عن إقامة تلك العلاقات والصداقات في العراق، منذ عام 2003، واستخدم نفوذه لتمرير عقود ضخمة لصالح زبائن شركة "اونا اويل"، مبينة أن الجراح كان حذرًا في تمرير صفقاته، وكان يستخدم غرف الفنادق لعقدها ليلًا، ورموز مبهمة في اتصالاته. وأوضحت الصحيفة الأميركية، أن مراسليها قضوا أشهرًا من التحقيقات بشأن رحلات الجراح عبر دول أوروبا، ليكشفوا عن كنز من المعلومات في رسائل بريده الإلكتروني ومذكراته الخاصة، التي تُبيّن دوره الرئيسي في صفقات الرشاوي.
وأشارت إلى أن مراسليها كشفوا عن استقدام الجراح مسؤولين حكوميين عراقيين بشكل دوري، لمقابلة زبائن شركة "اونا اويل" متعددي الجنسية، من الشركات النفطية العالمية وغيرها، منهم رولز رويس، بتروفاك، كلايد بامبس البريطانية، وشركات "ويذرفورك وكاميرون ناتكو وأف إم سي للخدمات التكنولوجية الأميركية العملاقة"، إضافة عن أخرى أوروبية مثل "سيبيم، واس بي إم، ومان تيربو".
وبيّنت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بمدير شركة "يونا اويل" في العراق باسل الجراح، أن كبار مسؤولي صناعة النفط العراقيين، ومنهم نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني، كانوا ضمن دائرة الفساد من دون محاسبة تحت نظر السلطات العراقية والبريطانية والأوروبية والأميركية وبعلمها، وكشفت التحقيقات أن الهدف الرئيسي وراء سفر الجراح عبر أوروبا والشرق الأوسط في أوائل عام 2011، محاولة استمالة أكثر شخصين نفوذًا في العراق والتأثير عليهما بالنيابة عن شركة وافقت على دفع رشاوى تصل إلى 40 مليون دولار". وأوضحت رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالجراح عام 2005، قيامه بالكتابة لزبائن "اونا اويل" عن لقاء في مطار شارل ديغول، في العاصمة الفرنسية باريس، مع مدير كبير في "أف إم سي" الأميركية للخدمات التكنولوجية، للاتفاق على الحصول على نسبة تتراوح بين خمسة إلى عشرة في المائة من أي عقد تفوز به الشركة في العراق أو الكويت، مبينة أن الجراح فاتح حينها مسؤول رفيع المستوى في وزارة النفط العراقية، يدعى كفاح نعمان، لمساعدة الشركة الأميركية للفوز بالعقود التي كانت شركات أخرى مناسفة لها وعدت بها سابقًا".
وتابعت الصحيفة أن الجراح تعهد لشركة "أف إم سي" بمحاولة استمالة كفاح نعمان، بكل الوسائل، ليغير مجرى العقود لصالحها، مستطردة أن نعمان أصبح في عام 2008 يشغل منصب المدير العام لشركة "نفط الجنوب"، المسؤولة عن معظم مشاريع الحقول ذات القيمة العالية مع بنيتها التحتية. وأضافت أن الجراح كان حينها يفاتح نعمان في دبي بالنيابة عن شركة "رولس رويز البريطانية"، إحدى زبائن شركة "اونا اويل"، التي كانت تسعى للحصول على عقود تجهيز العراق بمولدات تبلغ قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، وأبلغ الجراح شركة "رولز رويس" أن السيطرة على نعمان تساعد في الحصول على العقود التي تتنافس عليها بقية الشركات، وأن إنفاق مليونين و684 دولار كهدايا لشخص، تعادل مائة مرة قيمة ذلك المبلغ، إذا بدونه لم يكن بالإمكان الحصول على العقد".
وأعلنت الصحيفة في رسالة أخرى أن الجراح كتب أن نعمان ينصح أن تدخل روس رويس الصفقة، لأن قيمة تكلفة العقد لن تشكل أي عائقًا، مؤكدًا أنه يفضل أن يكون الربح الصافي لكل مولد كهرباء مليوني دولار باستثناء التكاليف الأخرى. وقالت هفنغتون بوست، إن "اونا اويل"، هي شركة أهلية لعائلة، أسسها رجل الأعمال الإيراني السبعيني عطا احساني، الذي غادر طهران عند اندلاع الثورة الإسلامية، وفي العام 1991 أسس شركة استشارات نفطية في لندن، ومن ثم موناكو، وهناك نصّب أولاده سايروس وسامان مدراء في الشركة لمساعدته، وبعدها توسعت شركة "اونا اويل" لتضم 200 منتسب، مشيرة إلى أن الشركة قامت بأعمال دنيئة تمثلت بدفع رشاوى للمسؤولين في أنحاء العالم.
وواصلت أن الجراح كتب لشركته قائلًا، "إنه منذ استمالتنا لأصدقاء جدد في وزارة النفط هذا العام، حولت خمسة ملايين دولار من حصة جاسم وأعطيتها لأشخاص في الوزارة، وبذلك يكون المبلغ الكلي المدفوع هو 13 مليون دولار برغم أنني أود زيادة حصة منار، "جعفر الموسوي" من مليون إلى مليوني دولار، كونه الشخص الأكثر فائدة بالنسبة لنا". ومع صعود نجم ضياء جعفر الموسوي، زادت شركة "اونا اويل" من دفع الرشاوى، وكان أولها رحلة إلى موناكو، وفي النهاية دفع رشاوي بملايين الدولارات للحصول على استثمارات، وفي العام 2009، عين ضياء جعفر مديرًا عامًا لشركة نفط الجنوب، وفي العام 2015 أصبح نائبًا لوزير النفط العراقي.
واستمالت "اونا اويل" مسؤول آخر في شركة "نفط الجنوب" هو عدي القريشي، الذي كان الجراح يرمز له في خطاباته بالرمز "ايفان"، إذا كتب لشركته أن "عدي سيكون ذا فائدة بالنسبة لنا في شركة نفط الجنوب، لأنه عُيّن من قبل الوزارة كمدير مشروع للتفاوض بينها وشركة جي دي بي الأميركية، ودفعت "اونا اويل" عدي القريشي، راتبًا شهريًا ونسبة من كل عقد بقيمة عدة ملايين من الدولارات، يحسمه لصالح زبائن الشركة.
وكتب الجراح لمديره قائلًا، "التقيت بايفان "عدي القريشي"، وينبغي أن نقدم له عربونًا بحسب ما تمت المناقشة به، وهو راتبًا شهريًا قدره ستة آلاف دولار، منها خمسة آلاف دولار له، وألف أخرى يحتاجها لتقديم هدايا لأشخاص يعملون معه، لاسيما أنه يعرف حصته من الأموال التي ستدفعها الشركات إذا حصلنا على تأكيد بالفوز بعقود مشاريع معينة في حقول النفط". وجعلت "اونا اويل" من ضياء جعفر وعدي القريشي رجال أغنياء، إذ جاء في رسالة بريد الكتروني بعثها الجراح، من الشركة في عام 2010، أن عدي طلب منه مرافقته هذا الصباح لرؤية شقة في مدينة جيلسي البريطانية، يريد شراؤها".
وأكدت الصحيفة، أنّ "حجم الفساد الذي كشفته رسائل البريد الإلكتروني المكتوبة بالرموز، التي تتحدث عن الرشاوى التي يرمز لها هوليداي، المدفوعة لضياء جعفر، يساوي مليون دولار، لافتة إلى أن سايرس احساني كتب في اقترح في إحدى رسائله الإلكترونية أن يعطي لضياء جعفر والقريشي نصف هوليداي "رشوة"، بعد مطالبتهما بهوليداي كاملة لتأمين أحد العقود". وأشارت إلى أن "الجراح يراعي الحذر الشديد في الكشف عن هوية هذين الشخصين في خطاباته، إذ رمز لهما بالرمز M". واتضح لاحقًا أن الرمز يعود لوزير النفط السابق عبد الكريم لعيبي، في حين كان الرمز Teacher "المدرس" يعود لنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة، حسين الشهرستاني، وكان الاتصال بهما يتم في العاصمة الأردنية عمان، عبر وسيط يدعى أحمد الجبوري، كان رمزه Doctor "الدكتور".
ووصف الجراح في سلسلة رسائله الإلكترونية، "كيفية تمرير عقد بقيمة مائة مليون دولار لصالح شركة "هوينداي"، من قبّل المدرس، إذ كتب الجراح لهوينداي بأنها ستضمن الحصول على العقد إذا ما دفعت إلى "اونا اويل"، عمولة تتراوح بين خمسة إلى سبعة ملايين دولار، وأن جزءًا من المبلغ سيدفع من قبل الشركة للجبوري، الذي سيقدمه بدوره للرمز M "لعيبي"، والمدرس "الشهرستاني".
واستطردت الصحيفة الأميركية، أن "الجراح وافق في عام 2010 على دفع أكثر من مليون دولار للجبوري، قبل أن يقلل المبلغ إلى نصف مليون دولار، لدفعه لأصدقائه في بغداد لتسوية عقود في حقل الغراف النفطي، لصالح شركتي بتروفاك البريطانية وأس بي إم الهولندية". ووافق الجراح في العامين 2010 و2011 على دفع رشاوى تزيد عن 20 مليون دولار إلى الجبوري للتأثير على الشهرستاني ولعيبي، إذ كانت "اونا اويل" تريد مساعدتهما لتأمين حصول شركة "لايتون اوفشور" للفوز بمناقصة مشروع مد أنبوب نفط بقيمة ملياري دولار.
أرسل تعليقك