الرياض - عبد العزيز الدوسري
كشف تقرير صادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي أن الصين تعاني تباطؤا في النمو الآن، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق نموا في 2016 بنسبة 6.3 %، مما يعني أن العام المقبل هو عام الصين بامتياز سلبا وإيجابا، حيث سيتابع العالم كيف أن البلد الذي قاد النمو الاقتصادي العالمي إلى أكثر من عقد يمكنه أن يتحول إلى مصدر للصدمة الاقتصادية العالمية القادمة.
منذ عقد كامل، والصدمات المتتالية للاقتصاد العالمي تصدر عن الدول الغنية: أزمة الرهن العقاري في أميركا، وأزمة اليورو في الاتحاد الأوروبي، وخيبات الأمل المتلاحقة في الاقتصاد الياباني، ومع ذلك فإن العام 2015 كان مختلفا، رغم المخاوف من خروج اليونان من منطقة اليورو، حيث جاءت الصدمة الكبري من "الصين" في الصيف المنصرم مما أثار موجة عارمة من التوتر والقلق وعدم الثقة في الاقتصادات الناشئة الأخرى من جهة، وتأجيل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة في سبتمبر الماضي، من جهة أخرى.
في التقرير الصادر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، بشأن الاقتصاد العالمي في العام 2016، بتوقيع كل من "سيباستيان مالابي"، "بول فولكر" 22 ديسمبر 2015، فإنه: مثلما أثار هبوط سوق الصين مخاوف الأسواق العالمية في عام 2015، فإن عدم اليقين في الاقتصاد العالمي يأتي من الصين أيضا في العام 2016.
وإذا كانت توقعات صندوق النقد الدولي بالنسبة لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2016 هي (3.6 %) فإن هذا الارتفاع الطفيف عن العام المـاضي 2015 الذي شهد نموا بنسبة 3.1 %، لن يغير شيئا من النتيجة المتوقعة بالنسبة للتعامل مع الاقتصادات الغنية.
وحسب جميع مراكز النمو الاقتصادي في العالم، فإن اقتصاد الولايات المتحدة الذي حقق نموا بمقدار 2.6 % في عام 2015، من المتوقع أن ينمو بنسبة 2.8 % في العام 2016 وهو ارتفاع طفيف جدا في النهاية لا يشكل اختلافا كبيرا عما كان في السابق، ذلك أن ارتفاع معدلات التضخم لا تزال دون المستوى المطلوب والمستهدف لبنك الاحتياط الفيدرالي، وهو ما يفسر لماذا رفع البنك المركزي سعر الفائدة بحذر شديد حتي لا يعرض الاقتصاد الأميركي لخطر الصدمات المفاجئة.
وشهدت كل من أوروبا واليابان نموا أكثر بطئا من الولايات المتحدة علي الرغم من أنهما تواجهان مشاكل اقتصادية عميقة الجذور ولكنها لا تشكل تهديدا وشيكا: حققت اقتصـادات منطقـة اليـورو نمـوا بنسبة 1.5 % في عام 2015، بعد أن كان يزيد قليلا عن 1 % في العام 2014، ومن المتوقع أن توفر اقتصاداتها في العام 2016 نفس النسبة مع العام الماضي مع تعزيز صادراتها بفعل انخفاض أسعار النفط وانخفاض سعر الفائدة وضعف العملة.
اليابان في موقف مماثل من حيث الضعف الاقتصادي، ولكنها أكثر خطورة من أوروبا، بسبب: عبء الدين الحكومي المخيف مع تزايد عدد سكانها من الشيوخ، وهو ما يؤثر سلبيا علي النمو، حيث تسعى السلطات الحكومية لمعالجة هذه المشكلة العاجلة. ويبذل بنك اليابان المركزي جهودا مضنية لتقديم الحوافز ومحاولة التعويل على الشراكة عبر المحيط الهادئ كآلية ومخرج ضروري للإصلاحات الاقتصادية من أجل النمو. ومع ذلك لا يتوقع أحد أن تحقق اليابان المعجزات في العام 2016، حيث سيبلغ النمو مع أفضل التقديرات 1 %، أي أقل بكثير من معدلات النمو في الولايات المتحدة، وأقل قليلا من منطقة اليورو.
ونأتي إلى معدلات النمو في "الصين" وأثرها على الاقتصاد العالمي، حيث شهدت تباطؤا كبيرا، وبعد أن حققت نموا بنسبة 10 % تقريبا بين عامي 2006 – 2014، بلغ النمو في العام 2015 نسبة 6.8 %، ومن المتوقع أن تبلغ نسبة النمو 6.3 % في العام 2016 أي بإنخفاض 3. % عن العام الماضي. وحتي نضع هذه النسب في سياقها فقد تراجع معدل النمو إلي (الثلث) في سنتين ( 2014 – 2016) على نحو مشابه لما حدث للاقتصاد الأميركي في السبعينيات من القرن العشرين، حيث نتج عن ذلك حالة من التضخم والركود وعدم الثقة في الأداء الحكومي. لكن القلق الحقيقي هو أن التباطؤ في حالة الصين يمكن أن ينشأ عنه بسهولة المزيد من "التباطؤ"، ولهذا السبب أصبحت الصين هي المصدر الأكثر وضوحا (الذي لن يفاجئ العالم) بالنسبة لتوقعات (وصدمات) الاقتصاد العالمي في العام 2016.
في الربع الأخير من القرن الماضي، قامت الصين ببناء ديناميتها على عوامل غير مستدامة أو مستقرة، وعلى رد الفعل وليس المبادرة (نسخ التقنيات الغربية) حيث ترى أن ارتفاع الإنفاق على الاستثمار يمكن أن يرفع معدل النمو ويحفز المزيد من الاستثمار، بينما (الاستثمار المستدام) لا يتوفر على الوجه الصحيح إلا إذا وجد مستهلكين حقيقيين وسوقا استهلاكيا قادرا على استيعاب هذه القدرات الإنتاجية. في الماضي كانت الصين تطبق النظرية القائلة بأن فائض الإنتاج يمكن تصديره للخارج أما الوضع في المستقبل فهو أن: الأسر الصينية سوف تصبح هي المستهلك الأول للقوة الإنتاجية في الصين.
المتفائلون يعتقدون أن الصين سوف تدير هذه المرحلة الانتقالية بسلاسة، لكن مع الأسف، هذا سيكون صعبا، لأن الإنفاق الاستثماري أكثر تقلبا من الإنفاق الاستهلاكي وهو عرضة للسقوط أسرع من الإنفاق الاستهلاكي ولا يمكن تجنبه أو منعه.
وعلي سبيل المثال فإن الإنفاق الاستثماري مثل حصة كبيرة من الاقتصاد وفقا للبنك الدولي، فقد كانت حصة الإنفاق الاستثماري هي 48 % عام 2013، مقارنة مع 36 % بالنسبة للاستهلاك.
والنتيجة هي أن الصين تعاني تباطؤا في النمو الآن، وعلى حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق الصين نموا في العام المقبل 2016 بنسبة 6.3%، هناك احتمال أقل من ذلك بكثير من قبل بعض مراكز النمو الأخرى، حيث تتوقع انخفاضا للنمو في الصين إلى 4 % أو نحو ذلك. ما يعني أن العام 2016 هو عام "الصين بإمتياز سلبا وإيجابا"، حيث سيتابع العالم عن كثب: كيف أن البلد الذي قاد النمو الاقتصادي العالمي لأكثر من عقد من الزمن، يمكن أن يتحول إلى مصدر للصدمة الاقتصادية العالمية القادمة.
أرسل تعليقك