دخلت الأزمة المالية، التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، مرحلة تهديد بانهيارها وعدم استمرارها؛ جراء مواصلة سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز أموال الضرائب، ولا زالت شبكة الأمان المالية العربية غائبة ولم تفِ الكثير من الدول العربية بدفع ما عليها من مستحقات مالية للسلطة.
كان مؤتمر القاهرة الدولي لإعادة إعمار غزة، المنعقد في القاهرة خلال تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انتهى بتعهدات دولية بتوفير مبلغ 5.4 مليار دولار، منها نحو 2.6 مليار دولار لإعادة إعمار غزة، و2.8 مليار دولار يخصص للموازنة والحكومة الفلسطينية على مدار 3 سنوات مقبلة.
وفي حين لم تجد المناشدات التي وجهتها الحكومة الفلسطينية أيّة استجابة عملية من الدول العربية لتوفير شبكة أمان مالية للسلطة، صرَّح صندوق النقد الدولي بأن الأزمة المالية التي تواجهها السلطة بسبب وقف إسرائيل تحويل إيرادات المقاصة (الضرائب والجمارك) تهدد وجود السلطة وقدرتها الاقتصادية على البقاء، متوقعًا عجزًا نسبته 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 بارتفاع 3% تقريبًا مقارنة بعجز العام 2014.
وإيرادات المقاصة تشتمل على أموال الضرائب والجمارك التي تقوم بتحصيلها "إسرائيل" نيابة عن الفلسطينيين، على البضائع والسلع الواردة أو الصادرة من وإلى فلسطين عبر الحدود الدولية، والبالغ متوسط قيمتها الشهرية 175 مليون دولار.
وتواصل "إسرائيل" للشهر الثالث على التوالي حجب إيرادات المقاصة (التي تشكل ثلثي الإيرادات الفلسطينية)، ما دفع الحكومة الفلسطينية للاقتراض من البنوك لتوفير 60% من رواتب موظفي القطاع العام، إلى جانب بعض الإيرادات المحلية (الإيرادات الضريبية وغير الضريبية).
وأضاف الصندوق، خلال تقرير صدر عنه الخميس الماضي، إنه نتيجة للحرب الإسرائيلية على القطاع الصيف الماضي، انهارت الأنشطة الاقتصادية في غزة، وتشير البيانات الأولية إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في القطاع بنسبة 32 % في الرُبع الثالث من 2014، مع توقعات بانكماش الاقتصاد العام 2014 في قطاع غزة بالكامل بنسبة 15%.
ولم يعطِ الصندوق تقديرًا لمعدلات نمو الاقتصاد الفلسطيني العام 2015، لكنه توقع انكماشًا قدره 1% خلال العام الماضي، مقدرًا معدل النمو في الضفة الغربية خلال 2014 بنحو 4.5% مع تباطؤٍ حادٍ في الرُبع الثالث.
وأشار تقرير الصندوق إلى أن معدل البطالة يبلغ في الضفة الغربية نحو 20%، بينما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 60% من الشباب في غزة يعانون من البطالة.
وأوضح الصندوق أن هناك معوقات متنوعة تحول دون حدوث تعافٍ اقتصادي في الأراضي الفلسطينية العام 2015، من بينها وقف تحويل أموال المقاصة، وهو ما سيؤدي إلى ضغوط مالية عنيفة على السلطة الفلسطينية، والتأثير على الاقتصاد بشكل عام، مشيرًا إلى أن الدفع الجزئي للرواتب وكذلك خفض الإنفاق العام، سيقود إلى تراجعٍ حادٍ في الاستهلاك الخاص، كما أن تأثر معدلات الثقة بسبب الأزمة المالية ستقود إلى محدودية الاستثمار الخاص.
وأضاف التقرير أنه "بالإضافة إلى وقف تحويل إيرادات المقاصة، فإن عملية إعادة إعمار غزة تشكل معوقًا للتعافي، لاسيما أنها تسير بشكل أبطأ مما كان متوقعًا، ما يعكس في الغالب عدم وفاء المانحين بتعهداتهم التي قطعوها في مؤتمر إعادة إعمار غزة، الذي عقد في القاهرة العام الماضي، تزامنًا مع عدم إحراز تقدم في ملف المصالحة بين حركتي فتح وحماس".
وأشار التقرير إلى إنه بينما يقدم انخفاض أسعار النفط بعض الدعم للمستهلكين في الأراضي الفلسطينية، فإنه من المتوقع أن يرتفع الناتج الإجمالي المحلي الحقيقي بشكل متواضع العام 2015، وأن الناتج الإجمالي المحلي في قطاع غزة سيرتفع 10% مقارنة بمعدل انكماش قدره 15% خلال 2014، بينما سيصل معدل النمو في قطاع غزة إلى 2%.
وذكر التقرير إلى أن النمو على المدى القصير سيبقى غير كافٍ لاستيعاب قوة العمل المتزايدة، وستستمر البطالة في الارتفاع ما لم يكن هناك تحسنًا في المناخ السياسي، الذي من شأنه أن يؤدِ إلى رفع القيود "الإسرائيلية" في الضفة الغربية، والحصار على غزة، والأزمة المالية الحالية الناتجة عن وقف تحويل إيرادات المقاصة، من المرجح أن تزداد خلال الأشهر القليلة المقبلة، لافتًا إلى أن السلطة الفلسطينية تعتقد أن "إسرائيل" ستستأنف تحويل أموال المقاصة في نيسان/ أبريل أو أيار/ مايو المقبل، إلا أن تحليل بعثة صندوق النقد للتدفقات النقدية الشهرية يشير إلى تفاقم تدريجي في أزمة السيولة خلال هذه الأثناء.
وأشار التقرير إلى أن السيناريو الأساسي، الذي وضعه الصندوق، يفترض استئناف تحويل إيرادات المقاصة خلال الربيع، وأن التوقعات الأولية تشير إلى حدوث عجز في موازنة السلطة الفلسطينية بنسبة 15% من الناتج المحلي الإجمالي في 2015 بارتفاع 3% تقريبًا مقارنة بالعجز العام 2014، ولافتًا إلى أن الفجوة التمويلية لدى السلطة قد تصل إلى 450 مليون دولار، بافتراض أن إجمالي الدعم الخارجي بلغ 1.5 مليار دولار، متضمنًا 400 مليون دولار مخصصة لإعادة إعمار غزة.
وأكد الصندوق أنه يجب على السلطة الفلسطينية، بجانب تحديد زيادات الأجور عند 2%، خفض دعم الوقود وصافي الاقتراض، بينما يجب ربط الإنفاق على التنمية في قطاع غزة بتوافر مساعدات المانحين التي تم التعهد بها خلال مؤتمر القاهرة.
وأشار الصندوق إلى أن الأزمة المالية في فلسطين تمثل تهديدًا لوجود السلطة الفلسطينية إذا تركت دون حل، وأن الجهود الضخمة التي تبذلها السلطة الفلسطينية قد تستطيع احتواء الأزمة لأشهر عدة فقط، وصرف دفعات فقط من رواتب الموظفين الحكوميين قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية واعتصامات، كما أن ترشيد الإنفاق قد يقوض قدرة السلطة الفلسطينية على توفير الخدمات العامة، وفي نهاية المطاف قدراتها المالية على البقاء.
واختتم الصندوق بأنه "حال استمرار وقف تحويل أموال المقاصة لمدة أطول من الشهور القليلة المقبلة، أو فشل دعم المانحين في تلبية التوقعات الأساسية المتواضعة للاقتصاد الفلسطيني، فإن السلطة الفلسطينية يجب أن تبحث اتخاذ تدابير أقوى بما في ذلك تجميد صرف الأجور والبدلات والترقيات، وترشيد التحويلات النقدية للأسر الفقيرة، ووقف دعم الوقود بشكل فوري، وإجراء مزيدٍ من الخفض للحوافز الضريبية، وزيارة الرسوم الحكومية".
أرسل تعليقك