كشف خبراء وعاملون في صناعة التأمين أنَّ قطاع التأمين على الطيران التجاري مازال بعيدًا تمامًا عن محفظة أعمال الشركات الإقليمية، سواء المحلية في الإمارات أو في الدول العربية.
وأوضح الخبراء أنَّ "هذا القطاع يمتاز بتعقيدات متنوعة وخبرات فنية لا تمتلكها شركات المنطقة، ومنها الشركات المحلية في الدولة، حيث تقوم مجمعات تأمينية ضخمة في لندن والولايات المتحدة بالتأمين على معظم أساطيل شركات الطيران، بما فيها شركات الطيران الإقليمية".
وأضاف الخبراء أنه "على الرغم من تنافسية القطاع وأسعار أقساطه المعتدلة خلال الأعوام الماضية، إلا أن دخول شركات التأمين العربية، لاسيّما الإماراتيّة لهذا القطاع بقي محدودًا جدًا، في مجالات صغيرة، تقتصر أحيانًا على عمليات إعادة التأمين لبعض أقسام التأمين".
ووفقًا لبيانات الاتحاد العربي للنقل الجوي فإن أسطول شركات الطيران العربية يضم أكثر من 1000 طائرة، وجميعها يتم التأمين عليه خارج المنطقة العربية.
وواقع الحال يشير إلى أنَّ صاحب العلاقة أو شركة الطيران تفضل عادة الشركات الكبرى التي تستطيع تغطية قيمة التأمين العالية، والتي تتم عادة من خلال وسطاء تأمين عالميين، وهو الأنسب بالنسبة لشركات الطيران، وحتى في هذه الحالة، فإن شركات التأمين العالمية تحتفظ بجزء وتعيد تأمين الجزء الآخر لتوزيع المخاطر، وتجنب خسائر كبيرة في حال الحوادث أو الكوارث الجوية.
وأكّد الأمين العام لهيئة التنسيق لشركات التأمين وإعادة التأمين الخليجية فريد لطفي أنَّ "عملية التأمين على أساطيل شركات الطيران تتم عادة من خلال مجمعات تأمينية ضخمة، مقرها لندن، بالنسبة لمعظم شركات الطيران العربية، وهي شركات ضخمة تمتلك الخبرات الفنية والإدارية اللازمة إضافة إلى السيولة الملائمة التي يمكنها التعامل مع حجم التغطية التأمينية الكبيرة".
وأوضح لطفي أنَّ "هذه الشركات تمتلك أيضًا القدرة على امتصاص الخسائر الكبيرة التي يمكن أن تنشأ عند حدوث الكوارث أو أي حوادث أخرى وهي في مجملها ذات كلفة عالية وتعقيدات كبيرة تبقي شركات التأمين بعيدة عن هذا القطاع".
وأشار لطفي، إلى أنَّ جزءًا كبيرًا من عمليات التأمين تتم أيضًا عبر شركات وساطة عالمية ضخمة، مثل "أيون"، وهذا لا يقتصر فقط على أساطيل شركات الطيران بل يشمل أيضًا الطائرات الأخرى الصغيرة والطائرات المروحية، وحتى طائرات رجال الأعمال، وجميعها تتجه إلى خارج المنطقة للحصول على التغطية التأمينية لمختلف عملياتها.
وبيّن لطفي أنه "إضافة إلى المخاطر العالية لهذا النوع من التأمين فإن أرباحه قليلة في المقابل، وفي حال الحوادث فإن الخسائر التي تواجهها شركات التأمين تكون ضخمة جدًا".
وأضاف "شركات التأمين تنظر عند توفير التغطية التأمينية للشركات إلى سمعة شركة الطيران وسجلها في السلامة والأمان وعملياتها ونموها ليس فقط لعام واحد، بل لأعوام ماضية عدة، وبالتالي تقديم التأمين لها وربما بعض المعاملة التفضيلية للشركات الخالية من الحوادث"، مشيرًا إلى أنَّ "وقوع أي حادث لأي شركة طيران يتطلب إجراءات فنية معقدة، وهناك مكاتب وفرق خاصة في شركات التأمين تتولى هذه المسألة التي تنعكس على أقساط التأمين عند التجديد للشركة في العام الذي يليه، والذي قد يرفع الأقساط بنسب تزيد على 300 % في بعض الحالات".
وتابع أنَّ "بعض شركات إعادة التأمين العربية الكبيرة تشارك بنسبة ضئيلة في عمليات وأقسام إعادة التأمين على الطيران التجاري من خلال مجمعات التأمين، أي توفير تغطية تشارك بها شركات إعادة تأمين متعددة، تلافيًا لأي خسائر وتوزيع أكبر للمخاطر في حين أن الشركات الصغيرة لا يمكنها العمل في هذا القطاع، نظرًا لحجم الخسائر في أوقات الحوادث التي قد تسقط الشركة نهائيًا".
ومن جانبه، رأى مدير عام شركة الوثبة للتأمين بسام جلميران أنَّ "هذا النوع من التأمين يتطلب شروطًا ومعايير معينة وعالية لا تتوافر في شركات الطيران الإقليمية، ومنها الشركات المحلية، ذلك أن مبالغ التأمين المدفوعة أو المطالبات والتعويضات تكون ضخمة لا تستطيع شركات التأمين دفعها للعملاء، والمساهمة التي تقدمها شركات إعادة التأمين العربية ضئيلة للغاية، لا تكاد تذكر في حجم السوق".
وأردف جلميران "شدة التعقيد في قطاع التأمين على الطيران لا تشجع ولا تسمح لشركات التأمين الإقليمية بدخول السوق، فلو أخذنا مثلًا التأمين على هياكل الأسطول لكل شركة، فإننا نرى أنَّ التغطية تكلف بالنسبة لشركات الطيران الكبيرة ملايين الدولارات، وهنا تبرز مسألة السيولة التي تستطيع أي شركة طيران إقليمية التعامل معها".
وأبرز أنَّ "هناك عددًا محدودًا من شركات التأمين العالمية تتعامل مع التأمين على الطيران التجاري، وهي في الغالب تتمركز في لندن إضافة إلى عدد من الشركات الأميركية التي توافر التأمين للناقلات الأميركية ومعظمها شركات طيران ضخمة أساطيل بعضها يصل إلى 500 طائرة".
وأشار مدير عام الوثبة للتأمين إلى أنَّ "عوامل الخبرة الفنية والإدارية تشكل أسبابًا إضافية تحول بين الشركات المحلية والإقليمية الذي يحتاج أيضًا إلى شركات الوساطة الضخمة وذات التاريخ الطويل والخبرات العالمية مثل لويدز وايون وغيرهما".
وبدوره، استبعد استشاري وخبير التأمين محمد شواهين دخول الشركات الإقليمية والمحلية لسوق التأمين على الطيران في المستقبل القريب، نظرًا إلى حاجتها إلى الوقت والخبرات اللازمة التي تكتسب من خلال التعامل المباشر، فضلًا عن تنوع المخاطر وحجمها حتى مع وجود عوامل تنافسية مغرية لدخول الشركات.
واعتبر أنَّ "اختفاء الطائرة الماليزية مثلًا يشكل أحد محاور التعقيد في هذا القطاع، إذ إن شركة التأمين تحتاج إلى الكشف عن بدن الطائرة لدفع قيمة التأمين، والركاب غير موجودين، ودفع التعويضات لذويهم يتطلب إجراءات فنية طويلة لتسوية هذه القضية".
ولفت إلى أنَّ "أحداث 11 أيلول/سبتمبر في الولايات المتحدة سببت خسائر هائلة للشركات، وهكذا فإن الحوادث التي ترافق صناعة الطيران المدني تجعل الكثير من الشركات تتردد قبل دخول مثل هذا السوق الذي يشهد نموًا متسارعًا في مناطق آسيا والمحيط الهادئ والشرق الأوسط مع دخول الطائرات الجديدة".
وأضاف شواهين أنه "رغم أن صناعة الطيران هي أعمال مخاطر إلا أنها لا تستطيع المغامرة بدخول مجالات وحقول لا تمتلك فيها المعرفة والخبرة الكافية"، مشيرًا إلى أنه "على سبيل المثال فإن دخول شركات التأمين الوطنية إلى قطاع التأمينات الشخصية بما فيها التأمين على الحياة، احتاج إلى وقت كبير، ومازالت حصة الشركات المحلية حتى الآن أقل مقارنة مع الشركات العالمية التي تعمل في سوق الإمارات".
واستطرد "ساهم النمو المتسارع لقطاع الطيران في العالم، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، مع دخول طائرات جديدة لصناعة الطيران المدني، في خلق سوق تأمينية كبيرة، لكنه لايزال حكرًا على شركات التأمين العالمية الكبرى".
وتعد الأسواق الناشئة وعدم استقرارها والإرهاب، أبرز التحديات التي تواجه تأمين الطيران التي تتطلب خبرات وكفاءات عالية. يحمل التأمين على الطائرات معامل مخاطرة كبيرًا، ومازالت مساهمة التأمين على الطيران أقل من 1% من إجمالي صناعة التأمين، رغم أنه أكثر مجالات التأمين تخصصًا.
ولتأكيد التعقيدات الكثيرة في هذا السوق وخسائره الضخمة في حال الكوارث، أعلنت الحكومة البريطانية بعد أحداث أيلول/سبتمبر، عن موافقتها على تأمين الشركات الجوية البريطانية ضد أي هجمات إرهابية.
وكانت 12 شركة طيران بريطانية حذّرت من أنها قد تتوقف عن العمل كليًا بسبب قرار شركات التأمين سحب التغطية التأمينية ضد الحرب فوق 50 مليون دولار.
ومن بين تعقيدات السوق أيضًا أن وثائق تأمين الطيران قد تستثني بعض الأخطار من التغطية، وتختلف تلك الاستثناءات باختلاف التغطية ذاتها. فعلى سبيل المثال تشمل استثناءات تغطية جسم الطائرة البلى والاهتراء، بينما تستثني الوثيقة موظفي المؤمن له من تغطية المسؤولية المدنية تجاه الركاب أو تجاه الغير.
وتوجد بعض الاستثناءات العامة، منها خروج الطائرة عن مسارها الجوي دون سبب واضح، والهبوط في مدرجات غير مرخصة، واستخدام الطائرة في أغراض غير النقل مثل رش المحاصيل. كما أن الضرر العمدي والإضرابات العمالية وأعمال الشغب والحروب والمسؤوليات التعاقدية تعد أيضًا من الاستثناءات العامة لوثيقة تأمين الطيران.
وتشمل التغطيات الأساسية في قطاع تأمين الطيران الخسائر المادية، وهي الوثيقة التي تغطي الخسارة المادية لجسم الطائرة نتيجة حادث في الجو أو حريق أو تصادم على الأرض أو أي من الأخطار المغطاة.
وهناك وثائق تغطي المسؤولية القانونية تجاه الركاب وهذه التغطية تشمل المسؤولية القانونية للناقل الجوي الناتجة عن إصابة أو وفاة أحد الركاب أو فقد الأمتعة ولحد أقصى متفق عليه.
وثالث هذه الوثائق تنحصر في المسؤولية القانونية تجاه الغير التي تنتج عن تعرض الغير للإصابة أو الوفاة أو تلف ممتلكاته بسبب حادث تسببت فيه الطائرة التابعة للمؤمن له.
وأشار تقرير لشركة "أيون" العالمية المتخصصة في تأمينات الطيران إلى أنَّ "سوق التأمين على الطيران شهد خلال الأعوام الماضية استقرارًا كبيرًا بفضل قلة حوادث الطيران، وتحسين معايير وسجلات السلامة لشركات الطيران".
وأوضح التقرير، الذي شمل واقع السوق خلال الربع الثاني من العام 2013، أنَّ "أسعار التأمين على الطيران شهدت تراجعًا بنسبة 3 % عن العام 2012"، مبيّنًا أنَّ "المناطق الستة في العالم وهي أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وآسيا الهادئ وأوروبا وأفريقيا، إضافة إلى الشرق الأوسط جميعها شهدت تراجعًا في أسعار التأمين".
وأبرز أنَّ "مستويات الحوادث خلال هذه الفترة سواء للمسافرين أو الطرف الثالث كانت الأقل منذ عام 1991 الأمر الذي أثر في الأسعار التي استمرت في التراجع والذي انعكس أيضًا على حجم المنافسة القوية بين شركات الطيران المزودة للخدمة".
وكانت أحوال السوق في العام 2012 مشابهة للعام 2013 من حيث قلة الحوادث، حيث كانت تكاليف الخسائر أقل بنسبة 40 % مقارنة مع العام 2011 كما أن التعويضات تراجعت بنسبة 20 % في الوقت الذي انخفضت فيه أسعار التأمين بنسبة 11 %. وارتفعت قيمة الأساطيل المؤمن عليها بنحو 5 % مع نمو أعداد المسافرين التي نمت 4%.
وبلغ حجم التعويضات الكلي 924 مليون دولار في العام 2012 مقارنة مع 1.1 مليار دولار، الأمر الذي يعكس التحسن في سوق التأمين وقلة حوادث القطاع. أما الخسائر فقد بلغت 324 مليون دولار مقارنة مع 522 مليون دولار في العام الذي سبقه بانخفاض نسبته 40%.
وتعدّ الفترة من 1995 إلى 2011 الأفضل لقطاع التأمين على الطيران من حيث قلة عدد الحوادث التي لم تتجاوز 24 حادثًا خطيرًا، في حين شهد العام 2012 ثلاثة حوادث فقط.
أرسل تعليقك