بغداد - نجلاء الطائي
تواجه العراق أزمة اقتصادية طاحنة هي الأعنف والأشد وقعا وتأثيرا منذ حالة الحصار الدولي التي فرضت في العام 1990، ولكن إفلاس المرحلة الجارية يختلف كثيرا عن إفلاس الماضي القريب، فالعراق كان وحتى وقت قريب يتربع على قمة إنتاج بترولي هائل وفر له موازنة خرافية لم تحدث أبدا في تاريخه منذ ثلاثينات القرن الماضي.
ويعيش العراقيون حكومة وشعبا وضعا اقتصاديا بائسا لا يُحسد عليه، بعد مخاوف من إعلان إفلاس الدولة وخزين البنك المركزي العراقي، أو "سرقته" من قبل أحزاب سياسية متنفذة، بحجج باتت مكشوفة لدى أغلب العراقيين من النشطاء والمثقفين، وسط احتجاجات شعبية مستمرة تطالب بمحاكمة الفاسدين الذين سرقوا أموال الشعب، وتحذيرات من عدم "نجاح" تلك الاحتجاجات.
أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، الدكتور إحسان الشمري، أنه "ليس خافيا على أحد أننا نمر بأزمة اقتصادية كبيرة، وواحدة من الحلول أن الدولة ستتجه لبيع أملاكها وممتلكاتها والمشكلة أن من سيشتري طبعا ليس المواطن المغلوب على حاله، بل أن المشتري هم الأحزاب السياسية التي هي وحدها من تمتلك الأموال حاليا وعملية الشراء لن تكون بالأثمان الحقيقية"، مضيفا أن "الذهاب كل جمعة إلى ساحة التحرير لم يعد مجديا".
وأضاف الدكتور أثير الرماحي أن "البنك المركزي سيُسرق. وزير النفط عادل عبد المهدي صرح بأن هناك 50 مليارا في البنك وهذه إشارة إلى أن الحكومة ناوية على أن تستخدم الخزين الاستراتيجي الموجود في البنك لغرض تجاوز الأزمة".
سرقات تعيقها قوانين
وأوضح الرماحي أن "العائق الوحيد أمام هذه المسألة هو قانون البنك المركزي الذي وضعه بول بريمر عندما كان حاكما مدنيا للعراق"، مبينا أن "هذا القانون يمنع أن تقترض الحكومة من البنك إلا في حال توقف موارد الدولة العراقية بشكل كامل، والموارد لم تتوقف هي انخفضت بشكل كبير فقط".
وتابع أن "هذه النقطة الخلافية هي المشكلة التي حصلت بين محافظ البنك المركزي السابق سنان الشبيبي وبين نوري المالكي عندما كان رئيسا للحكومة"، مذكرا بأنه "في العام 2008 انخفضت أسعار النفط والحكومة أرادت أن تستخدم الخزين الموجود في البنك، لكن الشبيبي قال إن القانون لا يسمح وأنا لن أشارك في عملية سرقة علنية".
ويزيد الرماحي نقلا عن الشبيبي أن "المبالغ التي ستأخذها الحكومة ستذهب في موازنة تشغيلية ليست استثمارية ليس فيها أي بعد استثماري، ما معناه أن المبالغ سوف تُحرق وتنتهي وأن العراق ليس لديه القدرة على تعويض المواد بشكل سريع ونتعرض للخطر"، مشيرا إلى أن "الشبيبي اضطر بعد ذلك إلى مغادرة العراق واتهموه بالفساد".
تغيير القوانيين لمصلحة السراق
ونوه أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إلى أن "السلطة التي تحكمنا الآن هي نفسها التي كانت مسيطرة على زمام الأمور منذ 2006"، محذرا من أن "الحكومة الحالية تريد الاقتراض وسحب الخزين الموجود في البنك وستعمد إلى تغيير القانون، وستسبقها بحملة إعلامية يخرج فيها المتملقون من الأكاديميين والاقتصاديين والسياسيين حتى يروجون إلى أن الخزين يجب أن يستخدم للخلاص من الأزمة".
وتوقع الرماحي أن "المتملقين سوف يروجون إلى أن كل الدول تستخدم الخزين في حال تعرضها لأزمات مالية"، منبها أن "تلك الدول والسلطة التي موجودة فيها ليست سارقة كسلطتنا، مضيفا "حكامنا يسرقون أنفسهم".
ويتساءل أنه "في حال أعطيت الأموال هل السلطة قادرة على أن تنهض بها بشكل جيد؟ وهل سيقدم وزير المالية هوشيار زيباري مصلحة العراق على مصلحة حزب بارزاني أم أن وزير التخطيط سلمان الجميلي سيقدم مصلحة العراق على مصلحة المكون السني"، محذرا بالقول "هؤلاء كلهم سيقولون فليذهب العراق إلى الجحيم".
سرقة علنية
ويحذر نشطاء وخبراء اقتصاديون من سعي الأحزاب السياسية العراقية إلى شراء أملاك الدولة بعملية "سرقة علنية"، هذه التحذيرات تأتي بعد مناقشة مجلس الوزراء خلال اجتماعه الأربعاء الماضي مع ممثلين من مجلس النواب بيع عقارات الدولة وأراضيها بغية تعظيم الموارد بسبب الأزمة المالية التي تمر بها البلاد، بحسب ما صرح به عضو اللجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية أحمد الكناني.
وأوضح الكناني أن "ما طُرح في الاجتماع هو عدة مواضيع أهمها النظر إلى جباية أموال الدولة وتعظيم موارد الدولة من الأملاك والعقارات والأراضي عن طريق بيعها وإيجارها"، مبينا أن "أكثر الرؤى ذهبت إلى بيعها".
وأضاف أن "هناك أكثر من 20 مقترحا و20 رؤية معظمها تصب في النهوض بالاقتصاد العراقي"، مشيرا إلى أنه "سيتم عقد اجتماعات متكررة ومصغرة للجنة في غضون هذه الأيام لأخذ بعض المقترحات وبعد دراستها يتم رفعها إلى مجلس الوزراء ليتم تنفيذها".
وشكلت لجنة النزاهة البرلمانية مع هيئة النزاهة لجانا لمتابعة المخالفات التي رافقت عملية بيع وتمليك عقارات الدولة بنحو غير أصولي وخلافا للقانون.
وأنهى مجلس النواب جلسته الخميس الماضي، القراءة الأولى لمشروع قانون التعديل الأول لقانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم ٢١ لسنة ٢٠١٣.
وأكد مجلس محافظة بغداد أن هناك أكثر من 500 عقار تابع للدولة ما زال "تحت تصرف" الأحزاب، مطالبا مجلس الوزراء بتفعيل اللجنة العقارية التي شكلها سابقا.
العراق يدرس بيع قصور صدام لسد عجز الميزانية
وتدرس الحكومة العراقية مقترحات لبيع 600 ألف عقار، منها أكثر من ألف من قصور صدام حسين، بهدف توفير إيرادات لسد عجز الموازنة، وبخاصة في ظل التدني الكبير والمستمر في أسعار النفط.
ونقلت صحيفة عراقية، الخميس، عن نواب في اللجنة المالية بالبرلمان، أن الحكومة يمكنها الحصول على 150 مليار دولار من بيع هذه العقارات.
وأكد النائب مسعود حيدر عضو اللجنة أن على الحكومة "وضع آليات للبيع بطريقة لا تسمح للأحزاب والشخصيات المتنفذة بالاستحواذ على تلك الأملاك بأثمان بخسة، وذلك من خلال حصر هذه الأملاك وتقييمها قبل بيعها في مزادات علنية".
وأضافت النائبة ماجدة التميمي عضو اللجنة أن الحكومة مطالبة "بإصدار قوائم بعدد العقارات وعن طبيعة الأشخاص الذين يشغلون بعضها بالإيجار".
وتوقع النائب حسام الغرابي عضو اللجنة أن "تحرك المبالغ المتحصلة من بيع ملاك الدولة المصارف وتساعد على إخراج الأموال المكتنزة لدى المواطنين".
وترى عضوة لجنة الاقتصاد واستثمار النيابية أن نقص الكفاءة الإدارية للحكومات العراقية المتعاقبة، ولأن العملية السياسية العراقية ولدت كسيحة مشوهة، وكانت مدخلا لسرقة البلد وتحطيم هياكله الإدارية وسطوة أحزاب التخلف واللصوصية، ومساهمة الشركات الغربية في أساليب السرقة والنصب والاحتيال، وتهاطل شلة من السراق واللصوص على محاور السلطة، وغياب مبدأ المحاسبة والعقاب والثواب بسبب الحساسيات والحسابات الطائفية المريضة، فقد نهب البلد بالكامل، ورجع إلى العصور الوسطى.
وتكمل عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية نورا البجاري في تصريح إلى "العرب اليوم"، أن المعالجات سطحية ولن تحقق الهدف، وتحرير الموصل والأماكن الخارجة عن سيطرة الحكومة العراقية أمر مستحيل طالما كان المخربون والمتسببون في الخراب طلقاء يعيثون في الأرض فسادا.
وأضافت أن الإصلاح يبدأ من متابعة اللصوص وبعكسه سيفشل العبادي بشكل كامل لكونه استسلم لأباطرة الفساد وتخوف من ملاحقتهم، والخطوات الجريئة والشجاعة وحدها كفيلة بإصلاح الأمور، أما سياسة دفن الرؤوس في الرمال والمداراة لأسباب طائفية محضة فهي الوصفة الأسرع للخراب.
وتشدد البجاري وهي نائبة عن محافظة نينوى بقطع يد السراق واللصوص واسترداد ما سرقوه تكمن الخطوة الأولى في الإصلاح، مبينة أن العراق في طريقه للتحول لدولة متسولة رسميا.
ونفى رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي إشغاله أو امتلاكه لأي من القصور الرئاسية، وقال مكتبه في بيان إنه "في إطار ما يتم تداول عن امتلاك بعض المسؤولين الحكوميين أو السياسيين والمحسوبين عليهم لقصور حكومية، فقد أوردت جهات معينة بشكل غير صحيح اسم علاوي، ونضع أمام الشعب العراقي والرأي العام حقيقة أنه لا يملك أو يشغل أيا من القصور الرئاسية".
وأشار إلى أن "علاوي خصص مكتبا رسميا له فقط، يعود لرئاسة الجمهورية، لممارسة مهامه نائبا للرئيس، ومع ذلك فإنه لم يداوم في هذا المكتب واستمر بإدارة مهامه من خارج المنطقة الخضراء، رغم المخاطر الأمنية التي كانت ولا تزال تهدد حياته، لاسيما مع تقليص حماياته".
أرسل تعليقك