استقبلت الوحدة السويسرية التابعة لبنك "إتش.إس.بي.سي" البريطاني، إيداعات لحوالي 100 ألف عميل، بقيمة 180 مليار يورو، في الفترة من تشرين الثاني/ نوفمبر 2006 إلى آذار/ مارس 2007، ما سمح لهم بالتهرب من دفع الضرائب عن هذه الأموال، التي أودعت في حسابات سرية.
جاء ذلك في تحقيق استقصائي، شاركت فيه وسائل إعلام دولية، من بينها صحيفة "لوموند" الفرنسية، و"الغارديان" البريطانية و"بي. بي. سي."، فضلاً عن 50 وسيلة إعلامية أخرى، وبتنسيق من طرف الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين.
وساهم التحقيق في الكشف عن هذه الفضيحة المالية، التي أطلق عليها اسم "سويس ليكس"، متضمنُا في ذلك تفاصيل الآلية التي اعتمدها بنك "إتش.إس.بي.سي"، لمساعدة عدد من عملائه على إخفاء أموالهم، بطريقة غير قانونية.
ومن جانبه، اعترف بنك "إتش.إس.بي.سي" البريطاني، بمسؤوليته عن إخفاق الوحدة التابعة له في سويسرا في الالتزام بقواعد الامتثال المصرفية.
وأضاف البنك، في بيان نشرته وسائل إعلام غربية، أنّ "الوحدة، التي اشتراها في عام 1999، أجرت تغييرات جذرية، منذ عام 2008، بغية منع استخدام خدماتها للتهرب من الضرائب أو لغسيل الأموال".
وأشار إلى أنّ "الوحدة السويسرية لم تندمج في البنك بالكامل، بعد الاستحواذ عليها، مما سمح بوجود معايير أقل صرامة بكثير من حيث الامتثال للقواعد"، مشيرًا إلى أنه "قام بعدد من الإصلاحات لنشاط الأعمال المصرفية الخاة،ه مما خفض عدد الحسابات في الوحدة السويسرية بواقع 70%، عام 2007".
وكشف البنك أنّ "بعض الأشخاص تمكنوا من الاستفادة من مبدأ سرية الحسابات، الذي يوفره البنك، لعدم الإعلان عن تلك الحسابات".
وأكّدت الوثائق، التي حصلت عليها صحيفة "لوموند" الفرنسية، أنّ "هذه الحسابات السرية تضمنت أسماء سياسيين عرب، أبرزهم العاهل المغربي الملك محمد السادس، ونظيره الأردني الملك عبدالله بن الحسين، وكذلك عدد من المسؤولين في تنظيم (القاعدة)، فضلاً عن عدد من مشاهير الرياضة والفن، إلى جانب تجار سلاح، ومهربي نساء في شبكات الدعارة، ومهربين للألماس".
واعتمد التحقيق على وثائق سرية، سربها خبير في تكنولوجيا المعلومات يدعى هيرف فالشياني، الذي كان يعمل لدى البنك في جنيف. تتضمن بيانات أكثر من 100 ألف عميل للبنك في مختلف أنحاء العالم، وذلك في نهاية عام 2006 ومطلع عام 2007.
وظلت المعلومات التي حصل عليها فالشياني، لأعوام عدة حكرًا على الجهات القضائية في عدد من الدول.
وأبرزت الصحيفة الفرنسية، أنه بعد حصولها على البيانات المصرفية المسربة من بنك "إتش.اس. بي.سي"، وضعت هذه المعلومات تحت تصرف "الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين" في واشنطن، الذي قام بدوره بمشاركتها مع وسائل إعلام دولية أخرى، ليشارك في التحقيق نحو 154 صحافيًا من 47 دولة، في خطوة وصفتها "لوموند" بأنها "جاءت لضمان معالجة أكثر شمولاً وصرامة لقضية الفساد المالي".
وأضافت "لوموند"، أنّ من أبرز الشخصيات العربية التي شملتها لائحة عملاء "إتش.إس.بي.سي"، رامي محمد مخلوف ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد، والوزير المصري الأسبق للتجارة والصناعة رشيد محمد رشيد، الذي حكم عليه في حزيران/ يونيو 2011، بالسجن 5 أعوام، بتهمة إهدار المال العام.
وأبرزت صحيفة "لوموند" أنّ "حساب الملك محمد السادس، الذي تم فتحه في 11 تشرين الأول/أكتوبر 2006، تلقى، حتى 31 آذار/مارس 2007، إيداعات بقيمة نحو 8 ملايين يورو، مع العلم أن القانون المغربي يمنع على المواطنين المقيمين في المغرب فتح أي حسابات مصرفية خارج البلاد".
وتابعت "من الشخصيات الفرنسية الشهرية التي تضمنتها اللائحة الفنان الكوميدي الفرنسي المعروف جاد المالح، الذي كان يملك حسابًا صغيرًا في البنك، بلغت قيمة المبالغ المودعة فيه 80 ألف يورو، بين عامي 2006 و2007".
ويوجد على القائمة أيضًا الفرنسي مؤسس سلسلة صالونات تصفيف الشعر الشهيرة جاك ديسانج، الذي كان يملك، حسب البيانات التي اطلعت عليها "لوموند"، حسابًا في الفرع السويسري لمصرف "إتش.اس. بي. سي" بقيمة وصلت إلى 1.6 مليون يورو.
وأشارت "لوموند" إلى أنّ "القائمة شملت 6200 حساب لإسرائيليين، ومن أبرزهم الحاخام الشهير دافيد بينتو، الذي يمتلك حسابات أودع فيها ما يقارب من 2.3 مليون دولار".
وبدورها، أعلنت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أنَّ "إسرائيل حلّت سادسًا في قائمة الدول التي يحتفظ مواطنوها بحسابات سرية في بنك (إتش.إس.بي.سي) في سويسرا، تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار".
ولفتت الصحيفة الإسرائيلية، في عددها الصادر الإثنين، إلى أنّه "حلّت سويسرا وبريطانيا وفنزويلا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا في قائمة الدول الخمسة الكبرى التي لدى مواطنيها حسابات سرية في بنك (إتش.إس.بي.سي)". وبيّنت أنَّ "من بين الأسماء الواردة في القائمة المسربة اسم تاجر الألماس الشهير بيني شتاينتس وعائلته". وذلك دون أن تتطرق إلى أسماء المسؤولين الإسرائيليين.
أرسل تعليقك