لم يكن إعلان الحكومة البريطانية عن تخفيف قيود الحجر الصحي بفتح المتاجر والباحات الخارجية للمقاهي والمطاعم، مجرد إيذان بعودة تدريجية للحياة، بل كان بمثابة انعتاق من سجن كتم الأنفاس طويلاً، وعبر عنه الناس بالحفلات الجماعية وطوابير التسوق المجنونة أمام المحال ولائحة انتظار طويلة بالصالونات لصبغ الشعر... وهلم جرا. لكن المدهش أن هذا الحماس شمل أيضاً حقن البوتوكس وبعض التدخلات التجميلية الأخرى. سبب هذا الانتعاش يعود إلى مقابلات الفيديو التي فرضها الوباء منذ شهر مارس (آذار) 2020 تقريباً.
فالعمل من البيت تطلب تقنيات ووسائل جديدة مثل «زووم» وغيرها من المنصات التي أصبحت جزءاً من حياتنا حالياً، وربما ستبقى معناً طويلاً. ورغم ما كان لهذه المنصات من مزايا سهلت مجرى العمل، فإنها أيضاً خلقت نوعاً من الاضطراب وعدم الثقة لدى البعض. فالصورة التي تظهر على الشاشة ليست هي الصورة التي تظهر أمام المرآة أو رسموها في مخيلتهم.
فجأة صُدموا بتفاصيل غير مرغوب فيها لم ينتبهوا لها من قبل ولم تستطع مستحضرات التجميل ولا الإضاءة إخفاءها، بدءاً من ترهل البشرة، إلى الهالات السوداء وبروز التجاعيد.
الطريف بالنسبة لكندة جونسون، وهي فتاة في الـ30 من العمر، وتعمل في مجال العلاقات العامة، أن مشكلتها مختلفة وربما مضحكة. تقول إنها لاحظت أن مظهرها على الشاشة وهي تتكلم كان نشازاً؛ «كان كل شيء في وجهي يتحرك بشكل مبالغ فيه.
أمر لم أنتبه له أبداً من قبل، خجلت من نفسي وشعرت أنه عليّ أن أجد حلاً سريعاً إن أردت الاستمرار، فاقترحت عليّ صديقة أن أجرب البوتوكس لتجميد حركات جبيني على الأقل».
وإذا كانت المشكلة بالنسبة لكندة أنها تقوم بحركات مبالغ فيها بوجهها، فإن البعض الآخر، وهم الغالبية، صُدموا بأنهم يظهرون أكبر من أعمارهم على الفيديو فضلاً عن ترهلات في أجزاء من الوجه كانت خافية عنهم. لهذا ليس غريباً أن تسجل بريطانيا زيادة بنسبة 70 في المائة في طلب استشارات تجميلية عبر الفيديو منذ عام 2020.
وبينما لا ينكر الأطباء أنهم شهدوا زيادة في الإقبال على عمليات غير جراحية وسريعة، بسبب مقابلات «زووم» وغيرها من المنصات المرئية التي جعلتنا نُمحص وندقق أكثر في التفاصيل، فإنهم يشيرون إلى فوائد أخرى لهذه العمليات «على رأسها أهميتها في تحسين الحالة النفسية» حسب قول عواطف مندور، صاحبة «كلينيك دورماندا (Dermanda clinic)» في «هارلي ستريت» بلندن.
تقول: «يجب علينا ألا نستهين بهذا الجانب، فبعد نحو عام ونصف من الخوف والقلق، أصبح الكل يحتاج إلى أي شيء يرفع من معنوياته، وآخر شيء يريد أن يراه أنه شاخ 10 سنوات في سنة واحدة». وتتابع: «كثير من الناس عانوا ولا يزالون من مشكلات نفسية نتيجة الحجر الصحي وعدم القدرة على التواصل مع الأهل والأصدقاء. وما زاد الطين بلة أن فترة الحجر ولّدت أسلوب حياة جديداً، استغله البعض لصالحهم، وتهاون فيه البعض الآخر بعدم الاهتمام بمظهرهم؛ إما ببقائهم بملابس المنزل طوال اليوم، وإما بإهمال العناية ببشرتهم أو شعرهم، ونحن نعرف جيداً أن المظهر الجميل يساعد على تعزيز الثقة بالنفس، لهذا ليس غريباً أن يقبل العديد من الناس على حلول سريعة يوفرها البوتوكس والفيللر على سبيل المثال».
ما تؤكده عواطف مندور والعديد من الأطباء من خلال ملاحظاتهم، أن مقابلات الفيديو ساعدت على خلق حاجة أكبر للخضوع إلى العمليات غير الجراحية للجنسين. بريطانيا مثلاً، التي لم تكن في السابق تُرجح ثقافة المظهر على حساب الجوهر، تعدّ حالياً أكبر سوق للتجميل في العالم، وتقدر بمليار جنيه إسترليني في السنة.
ونشرت «منظمة أطباء التجميل» فيها مؤخراً تقريراً جاء فيه أن تحسين المظهر وملامح الوجه لم يعد حُكراً على الجنس اللطيف. فالرجل، خصوصاً من يفرض عليه عمله إجراء مقابلات فيديو، أصبح لا يتورع عن طلب تدخلات تجميلية مثل البوتوكس وتحديد الفك بالفيللر والتخفيف من الذقن المزدوج. هؤلاء لا يريدون أن يحصلوا على نسخة منقحة من وجوههم فحسب؛ بل يأملون أيضاً التخفيف من علامات التقدم في السن بحكم أن عملهم تحت الأضواء، مثل المذيع البريطاني الشهير جيمي كار، الذي أثار جدلاً بعد ظهوره بشكل «مُعدل» نتيجة خضوعه لعمليات زرع شعر وتجميل أسنان.
أما في الولايات المتحدة الأميركية، التي تنتشر فيها ثقافة الجمال والشباب أكثر، فإن اهتمام الرجل بعمليات التجميل ليس خبراً جديداً، وإن جاء هو الآخر نتيجة ضغوطات العمل وثقافة تفضيل الشباب وتهميش من تجاوزوا الأربعين. حسب «منظمة أطباء التجميل» الأميركية؛ فقد شهدت عمليات التجميل غير الجراحية ارتفاعاً بنسبة 99 في المائة بين الرجال خلال الـ20 سنة الأخيرة بسبب ضغوطات العمل والرغبة في البقاء في الواجهة أو الحصول على ترقيات.
بيد أن المثير في العديد من الدراسات الأخيرة أن البوتوكس ليس لتجميد تعابير الوجه أو لتحسين الوجه كما تتمنى كندة جونسون فحسب؛ بل له فوائد طبية ونفسية لا يستهان بها. فقد أفادت دراسة قامت بها جامعة كاليفورنيا مؤخراً، بأنه يخفف أيضاً من الشقيقة وآلام الفك التي يمكن أن تؤدي إلى إتلاف الأسنان، كما يخفف من التوتر النفسي. والأهم من هذا كله أنه يخفف من حالات الاكتئاب بنسبة 40 في المائة وأحياناً 88 في المائة، وهذا هو عز الطلب في الوقت الحالي.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
تطور كبير يشهده عالم التجميل في الآونة الأخيرة
خبيرة بريطانية تجميل تكتشف فعالية بدائل البوتوكس على وجهها
أرسل تعليقك