تونس - حياة الغانمي
اعتمد المشعوذون قبل ثورة تونس، الترويج لأنفسهم بأنهم يشفون المرضى ويُسهّلون المكتوب ويعالجون العقم ويزيلون السحر وغيرها من الأمور بواسطة إما حشائش أو عبر القران. وبعد الثورة تغيّرت أمور كثيرة وأصبح مشعوذو الأمس شيوخ اليوم..ومن كان يدّعي أنه حكيم روحاني أو عرّاف أصبح رجل دين وفقيه وشيخ.
وصار المشعوذون ذاتهم يحترفون "الرقية الشرعية" أو العلاج بما أنزل الله من آيات قرآنية. هؤلاء يقومون بقراءة الآيات القرآنية أو الأدعية مع النفث على الموضع الذي يتألم منه الجسد (أو على المريض المراد رقيته).. وتُعتبر من أساليب العلاج الشائعة في العالم العربي والإسلامي. وأغلب المعالجين الرّوحانيين، ممّن يدّعون قدرتهم على معالجة أكثر الأمراض المستعصية والمميتة أحيانًا والتي عجز حتى الأطباء عن إيجاد علاج لها..والمثير للغرابة هو أن أغلب هؤلاء هم من الشباب المتديّن . إذ لم يعد هؤلاء يعتمدون على طرق الإشهار التقليدية للتعريف بأنفسهم للزبائن من خلال تلك الإعلانات التي كانت تملأ صفحات الجرائد، بل أصبحوا يعتمدون على طرق أكثر حداثة تأخذ بسبل التطوّر التكنولوجي. فيكفي أن تتصفّح "الإنترنت" لتطالعك يوميًا عشرات الصفحات المختصّة في المعالجة الروحانية باعتماد "الرقية الشرعية" عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة موقع "الفيسبُوك" التسويق الافتراضي .. التي تقرّ بجواز الرقية شرعًا، لمنظّر السلفية في الجزيرة العربية ابن عثيمين خاصّة لفتواه الشهيرة التي تتقاسمها أغلب الصفحات على "الفيسبُوك" والتي يقول فيها: "هذا العمل جائز، أي للإنسان أن يكتب القرآن بمداد يجوز شربه، ثم يوضع هذا المكتوب في ماء ويرجّ، ثم يشرب، وقد كان بعض السلف يفعلون ذلك". تلك الصفحات عادة ما تضع عناوين وأرقام هاتف المعالجين الروحانيّين، لتسهيل التواصل مع الزبائن.
وشجّعت وسائل الإعلام، هذا النوع من المعالجين، حيث عمدت بعض البرامج الاجتماعية في بعض قنواتنا الفضائية إلى تقديمهم في صورة "المنقذ" من السحر بأنواعه وخاصة ممّا يسمّى بـ"السحر المدفون" والذي تُسهب صفحات الرقية والمعالجة الروحانية على "الفيسبُوك" في الحديث عن أعراضه كوجع الرأس الشديد و"زغللة" العينين والضعف العام وعدم القدرة على القيام بالأعمال العادية أو عوارض أخرى كالاختناق أثناء النوم ورؤية المقابر والأموات في المنام !!! علمًا بأن هذه الأعراض قد تكون أعراضًا شائعة لأمراض نفسيّة وبدنية معروفة وليست بالضرورة عوارض لسحر مدفون.
وذكر رئيس"دارالحديث الزيتونية"، الشيخ فريد الباجي، بشأن ظاهرة انتشار "الرقية الشرعية" أو ما يسمّى بالمعالجين الروحانيّين في تونس خاصّة بعد الثورة، أنه يكاد يجزم أن 90 % من هؤلاء المدّعين بقدرتهم على المعالجة بـ"الرقية الشرعية" هم من المشعوذين الذين يستغلون سذاجة وبساطة بعض الناس لجني الأموال الحرام... ويضيف أنّ "الرقية الشرعية" علم واسع يحتاج إلى إتقان وحفظ للقرآن الكريم، ويُشترط أن لا نلجأ إليها إلا بعد أن يرفع الأطباء أيديهم عن المريض، فالإسلام و الشرع شجّعا على العلم والمعرفة". وقال الشيخ الباحي إن الإقبال المتزايد على "الرقية الشرعية" قد يتبيّن أحيانًا أن المريض يشكو من ضعف في علاقته الروحانية مع ربّه، والرقية هنا يمكن أن تعالج ذلك الضعف، وقد أكّد الشيخ الباجي على أنّ الانسان قد لا يحتاج إلى معالج إذ يمكنه أن يعالج نفسه بنفسه بالقرآن وبالآيات الكريمة.
وعن رأيه في الترّهات التي يأتيها البعض بدعوى العلاج الروحاني، قال الشيخ : إنه يعتبر ذلك من المحرّمات وهو مخالف للشريعة. وختم الشيخ فريد الباجي حديثه بالقول إن الشعب التونسي يميل إلى العلاج الروحاني ويقبل عليه بسبب كثرة الاضطرابات الروحية والنفسية التي يمرّ بها في هذه المرحلة لكن هناك من يستغلّ ضعف الناس للتحيّل عليهم وإيهامهم بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان وأولئك هم من يجب ردعُهم.
وحدث أكثر من مرة أن لفظ أحدهم أنفاسه بين يدي شيخ على غرار ما حصل أخيرًا في القيروان عندما توفي رجل يبلغ من العمر 40 سنة وهو متزوج وأب لثلاث أبناء في منزل أحد الشيوخ خلال خضوعه لحصة علاج بالرقية الشرعية. كما شهدت بنزرت في الفترة الأخيرة إيقاف شخص يبلع من العمر 27 سنة متورط في قتل زوجته. ووفق تصريحات مصدر أمني أبلغ المستشفى العام في بنزرت عن وفاة امرأة تبلغ من العمر 22 سنة جراء الاختناق. وعند إيقاف الزوج قال خلال التحقيق معه إن زوجته كانت تعاني من نوبات عصبية وارتأى أن يداويها بالرقية الشرعية بما أنه متدين وحافظ للقرآن، لذلك أقدم على تقييدها وتلاوة القرآن عليها وعندما لاحظ توقفها عن التنفس نقلها إلى المستشفى، أين تأكدت مفارقتها للحياة.
ونضيف إلى كل الوقائع الماضية، ما حدث في صفاقس وبالتحديد في الأسبوع الأخير من شهر رمضان المبارك.. شيخ لم يتجاوز 40 سنة من العمر واشتهر في المدينة بورعه وبقيامه بالمداواة بالرقية الشرعيّة اتصلت به عائلة طلبًا لمعونته علّه يخرج ابنتهم من الحالة النفسيّة السيئة التي تعيشها وفعلًا وفي ليلة رمضانية قصد منزلهم في طريق سيدي منصور وانطلق في أداء مهمّته ونظرًا للثقة الكبيرة التي ينالها أمثاله في العائلات التونسيّة تُرك وحيدًا معها فسوّلت له نفسه التحرّش بها غير أنها رفضت ذلك وأعلمت والدها ورفعت ضده قضيّة ويتم إيقافه بتهمة التحرّش الجنسي ومزاولة مهنة بدون ترخيص. حكايات عديدة تُلخص أن للشعوذة أسماء عديدة ولكن نتيجتها واحدة...خسارة أو موت...
أرسل تعليقك