شباب في عمر الزهور يضيعون عمرهم، بفعل جرعة خبيثة أو حقنة ملعونة أو حتى "سجائر" مغرية. شباب غرتهم نشوة المواد المخدرة فتناسوا الهلاك وراحوا يستنشقون السموم، وهم يعتقدون انها منسيات الهموم. ولعل ما يؤلم أكثر من اي شيئا اخر هو أن تعرف أن نسبة كبيرة من المدمنين هي من فئة الشباب، وهم غالبا من التلاميذ والطلبة ويوجد من بينهم من هم من الأطفال.
أطفال عوض أن يحملوا الكتاب والقلم وينصرفوا إلى تحقيق أحلامهم من خلال الانكباب على الدراسة، التي وحدها تضمن تحقيق الحلم، وراحوا يبحثون عن مخدرات تعبث بعقولهم وتوهمهم أن أحلامهم تحققت، لكن يقتصر ذلك على برهة من الزمن، ليستيقظوا بعدها على واقع مختلف للذي عاشوه لحظة انتشائهم، فيعاودون الانتشاء مرة اخرى وثالثة ورابعة، إلى أن يدمنوا على المخدرات وتصبح جزء من حياتهم.
المخدرات في المدرسة
قال مستشار وزير التربية والباحث في علم الاجتماع السيد منذر العافي عن مسالة انتشار ظاهرة استهلاك المخدرات بين تلاميذ التعليم الأساسي والاعدادي والثانوي، أنه لا بد أن تكون الدراسات في هذا الخصوص مهيكلة وأن تكون العينة المعتمدة ممثلة حقا للمجتمع الأصلي. ولا بد للقائمين بهذه الدراسة أن يكونوا على اطلاع باهم خصائص هذا المجتمع المدرسي، وعلى نوعية وتركيبة التلاميذ وأوضاعهم وأوضاع عائلاتهم. ولا بد لهؤلاء أن يسالوا لماذا يلجا التلاميذ إلى المخدرات؟ من هي الجهة التي تمولهم وتوفر لهم تلك المادة ؟.
وأضاف أنه يجب أن تكون الدراسة شاملة وعلمية وموضوعية وتستند إلى مؤشرات ومرجعيات واضحة حتى لا يقع الالتباس في بعض الدراسات التي تعتبر تجريبية. وأكد منذر العافي أنه لا يمكن باي حال من الأحوال نفي وجود ظاهرة تعاطي المخدرات في الأوساط المدرسية، موضحا أنه ليس لديهم احصائيات واضحة ورسمية في هذا الصدد.
وقال إن دور وزارة التربية في هذا الخصوص هو التصدي لظاهرة المخدرات المنتشرة ومنع تسربها إلى المؤسسات التربوية مع التوعية والوقاية، وذلك بالتعاون مع وزارات الصحة والداخلية والثقافة والرياضة. وأكد مستشار وزير التربية على أن مؤسسات وزارة التربية هي مؤسسات المجتمع وهي مفتوحة وليست منغلقة وهي متفاعلة مع محيطها ولهذا يجب ان يكون هذا الاخير متعاونا في الحد من الافات التي تتهدد التلاميذ.
وزارة الصحة .."ظاهرة الإدمان لا يمكن نكرانها "
ولتسليط الضوء أكثر على هذا الموضوع اتصلنا بوزارة الصحة، فأفادنا مصدر مسؤول فيها أن حقيقة ظاهرة الإدمان وثبوت تواجدها في المحيط التربوي وخارجه في صفوف الشباب لا يمكن نكرانها، وأن الوزارة قد قررت القيام بدراسة لتحديد مدى انتشارها. ونبّه محدثنا إلى أن ظاهرة الإدمان ينبغي أن تعالج وتطرح في إطار مجتمعي عام يشمل الأسرة بالخصوص. وأن يتم ذلك في كنف الشفافية والتعاطي مع واقع الظاهرة بعيدا عن محاولات الطمس أو التقليل من خطرها. وتجنب التعامل معها كأنها مشكلة تهم الآخر ولا تعنينا وهو ما من شانه ان يهدد بتمادي أخطبوطها.
ويشير نفس المصدر الى انه نظرا إلى افتقاد تونس كما ليبيا لدراسات إحصائية علمية حول ظاهرة تعاطي المخدرات في صفوف الشباب، لا سيما التلمذي منه ضمن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط حسب مصدرنا طبعا فانه تم بالتعاون بين وزارتي الصحة والتربية إنجاز هذه الدراسة.
وافادتنا رئيسة جمعية "أتيوس"دكتورة جودة عبيد المتخصّصة في هذا المجال أن ظاهرة الإدمان على تعاطي المخدرات انتشرت في مفاصل المجتمع التونسي. وتؤكد الدكتورة أن أكثر المواد المخدّرة انتشارا في تونس حاليا هي "الزطلة" (الحشيش) وأقراص "السيبيتاكس" التي يتم إدخالها إلى البلاد بصفة غير شرعية وتداولها لا كعلاج بل كمادة مخدّرة.
وحذرت الدكتورة جودة من أن هذه المادة انتشرت بحدّة في تونس منذ الثورة، بسبب استغلال المهربين للوضع المضطرب في البلاد. وقالت إن استهلاك مواد مخدّرة عبر الحقن يتسبب في تفشي أمراض ذات كلفة ثقيلة أهمها "السيدا" و"البوصفير"، ذلك أن مرض "السيدا" لوحده يكلف سنويا كل مريض نحو 10 آلاف دينار أي حوالي8 الاف دولار وتتكفل بعلاجه "الكنام"، في حين أن علاج الإدمان يكلف المريض أكثر من ألف دينار في أقصى الحالات ومع هذا ترفض "الكنام" التكفل به، رغم أن ذلك سيقلص من انتشار أمراض عديدة في بلادنا كالتعفّنات والرئة والقلب.
الصوبي تدخل عبر التهريب:
وافادنا اطار مسؤول بالمكتب الوطني للمخدرات، أن بعض التلاميذ في المدارس تم امساكهم في حالة تلبس باستهلاك مواد مخدرة، ولكن هذا لا يمنع أن الحصول على احصائيات ثابتة صعب للغاية، خاصة وأن الدراسة التي تحدثت عنها اطراف من وزارة الصحة غير مكتملة. وأما فيما يتعلق باستهلاك المخدرات في تونس بصفة عامة فقال إن مادة الزطلة هي الاكثر انتشارا في تونس وهي التكروري الزهيدة الثمن. أما بالنسبة إلى الأنواع الأخرى على غرار اقراص الصوبي او الصوبيتاكس فانها في تقلص اذ ليس لها رخصة ترويج في تونس، وانما تدخل إلى بلادنا عبر القنوات غير الشرعية وتحديدا من ليبيا والجزائر وحتى من فرنسا عن طريق مسافرين.
ونفس الشيء بالنسبة إلى "الكيتا" وهو دواء بشري بيطري .واستعمال الكيتا نادر ونادر جدا وهو غير موجود في تونس .واكد محدثنا أن المواد المخدرة لها انعكاسات سلبية عديدة تؤثر على المخ والقلب وتصل خطورتها إلى حد توقف القلب عن النبض وبالتالي الوفاة ولهذا نتحدث عن حالات وفاة نتيجة "OVER DOSE ".
وقال الاطار المسؤول بمكتب المخدرات إن دورهم يتمثل بالأساس في التوعية والتحسيس بالإضافة إلى متابعة الاستعمال المشروع للأدوية المخدرة على غرار مادة التبنيج وأدوية الأمراض العصبية كالارتال وغيرها. وأوضح أن تلك الأنواع من الأدوية المخدرة تحظى برقابة دولية صارمة وإجراءات جلبها معقدة للغاية. وعلى المكتب متابعة المخزون من هذه الأدوية ومتابعة توزيعها وما إلى ذلك.
حلول :
وللحد من تلك الظاهرة التي استفحلت بشكل ملفت للانتباه صدرت منذ سنوات تعليمات بمنع بيع أنواع الكحول إلا بشروط، وعدم ترويج هذه المادة في المحلات التجارية العامة. وكما تم أيضا التوقي التام عند بيع أنواع "الكولة"، أي المواد اللصقية، وذلك للحد من ترويجها بشكل واسع، وبيعها إلا لأغراض مهنية واضحة، وحسب مواصفات محددة للمشتري تتصل حتى بسنه.
أما بالنسبة لأنواع أقراص الأدوية فقد اتخذت جملة من التدابير على مستوى وصفها للمرضى، وتسليمها والحفاظ عليها داخل المؤسسات الصحية بشكل لا يجعلها في متناول الجميع. ولكن على الرغم من هذا فإن تسربها ووصولها إلى الفئات الشبابية مازال متواصلا، ويعكس تسربها بأساليب مختلفة، وبطرق ملتوية يعتمدها هؤلاء في الحصول على تلك المواد المخدرة.
أرسل تعليقك