يسقط ثمر الأركان الأصفر الناضج على أرض تعاونية أجديغو الخاصة بالنساء في قرية تدزي التي تبعد مسافة 25 كيلومتر جنوب مدينة الصويرة، ويستخدم مستخلص هذا الثمر في منتجات التجميل المصنوعة يدويًا.
وتعمل في هذه التعاونية امرأة تسمى كلثوم ألتا منذ عام 2005، ويقضى عملها بأن تكسر الثمرة الى نصفين بواسطة حجر وتزيل النواة المرة تخرج قلب الثمرة، وتقول "أنا المعيل الوحيد لعائلتي بعد وفاة والدي في عام 2011، وتسمح لي وظيفتي برعاية والدتي وأختي وأخي الصغير الذي سيذهب الى جامعة أغادير في ايلول/سبتمبر، ودون اجرتي لن أكون قادرة على رعايتهم، فهو يحتاج ما لايقل عن 500 درهم في الشهر ثمنا للايجار والطعام."
وتعني كلمة اجديغو باللغة الامازيغية البربرية الزهرة، وهي واحدة من شبكة تتكون من 30 تعاونية تأسست منذ عام 1996، وحولت الاركان الذي يلقب بذهب المغرب الى تجارة مزدهرة غيرت حياة النساء، فقد مكنت هذه التجارة النساء من الحصول على المال والوصول بمنتجاتهن الى الأسواق الدولية، وقدمت لهن فرص لتغيير الصورة التقليدية حول المرأة.
وتنتج ثمرة الاركان عند الضغط عليها زيتا فاخرا غني بالأحماض الدهنية مثل أوميغا 6 وفيتامين ايه، ويساعد هذا الزيت في علاج العديد من الامراض الجلدية والشعر، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية أسست حركة التعاونيات النسائية لجمع ومعالجة ثمار الاركان لاستخدامها في كل شيء من كريم لتدليك الوجه إلى الزبدة.
وقدر انتاج المغرب من زيت الاركان في عام 2015 بحوالي 4000 طن ما يغرب من ثلث هذه الكمية يصدر الى الخارج، ويبلغ سعر اللتر منه 25 جنيه استرليني، ولاقت التعاونيات نجاحا كبيرا، وتشتري الكثير من العلامات التجارية العالمية التي تعنى بالجمال منها مثل لوريا وافيدا، وتعمل العلامة التجارية ذي بودي شوب البريطانية مع شبكة تعاونيات حيث تستورد منها زيت الاركان العضوي لتصنع منه زبدة الجسم وكريمات الوجه وصابون الحمام.
وأوضحت المحاضرة في جامعة محمد الخامس في الرباط زبيدة شروف " ان افضل شيء حول الاركان هو امكانية استخدام جميع أجزاء الشجرة، وهو مجاني ومحلي وخاص بالمغرب دون غيرها." وأنهت زبيدة الدكتوراه الخاصة بها والتي تبحث فيها صفات شجرة الاركان في منتصف الثمانينات، وبدأت بالبحث عن وسائل لتسويق زيته والتي أسفرت عن التعاونيات.
وتابعت " وتتغذي الماعز فوق كل ذلك على أوراقه، وتستخدم الحبات التالفة للحصول على الوقود لأغراض الطهي، وبالفعل فان زيته لديه فوائد صحية ممتازة وهائلة"، ويعطي كل هكتار مزروع بأشجار الاركان حوالي 400 جنيه يورو سنويا، وهو مبلغ كبير بالنسبة للقرى النائية في منطقة أغادير، في الوقت الذي يبلغ فيه الدخل القومي للفرد في المغرب 3000 يورو سنويا، وتوضح التا " أستطيع اليوم شراء غاز الطهي، والكهرباء في منزلي، حتى أنني اشتريت ثلاجة."
وتستخدم التعاونيات أيضا كقاعدة لتثقيف النساء وتمكينهن، وأضافت زبيدة " في البداية لم يكن يريد الرجال لنسائهن أن يخرجن الى العمل، كان علينا ان نشجع النساء ونمنحهن الثقة في التعامل مع الميزانيات والأسعار ونعملهن التفاوض مع المشترين الدوليين."
وتعتبر التا واحدة من الكثير من النساء اللواتي حرمن من فرص الذهاب إلى المدرسة، ولكنها تعلمت في التعاونية القراءة والكتابة باللغة العربية والحساب الاساسي، وتتفاوض النساء باستمرار مع المشترين في فرنسا واليابان وكندا حول زيت الاركان المكرر، وتشير إحدى العضوات في التعاونية وتدعى بشرى امشير " وضعنا السعر، وبدأنا بالتفاوض وتلقي الطلبات عبر الهاتف أو عبر شبكة الانترنت، ثم حملناه وارسلناه مباشرة من مكتب البريد الى عملائنا، ليس هناك رجل في منصف العملية، فلا أحد يأتي ويأخذ منتجاتنا من دون مقابل، ونبيع منتجاتنا لعلامات تجارية تابعة لشركات عالمية.
وتشرف شروف على ثلاث جمعيات تعاونية من بينها اجديغو والتي أخذت رخصة في التجارة العضوية، وأنتجت النساء العام الماضي 16 طنا من زيت الاركان وكسبن حوالي 1.7 مليون درهم قسمت بين 60 امرأة في التعاونيات وفقا لكمية الزيت التي تنتجها.
وتلعب أشجار الاركان في ذات الوقت دورا حاسما في المعركة ضد التصحر في هذه المنطقة القاحلة حيث أصبح هطول المطر غير منتظم بسبب تغير المناخ، وأظهرت أبحاث زبيدة شروف ان فوائد غابات الاركان في الثمانينات ساعدت على استقرار التربة.
وفقدت الكثير من الأشجار منذ السبعينات بعدل 600 هكتار في السنة، ولكن بعد حركة التعاونيات أوقف ازالة الغابات، وهناك اليوم أكثر من 800 ألف هكتار من غابات الاركان في المغرب، وتخطط الحكومة لزراعة 200 ألف أخرى.
وتؤكد زبيدة " بالنسبة لي، كان أكبر نجاح هو تمكين المرأة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية، فالتعاونيات فيها عضوات عاديات من مجتمعات مهمشة استطعن أن يكتسبن مصداقية ويظهرن انهن يمكن أن يتعاملن مع كبرى الشركات العالمية، انهن يتحدثن الى الوزراء اليوم، والناس تكن لهن الاحترام."
أرسل تعليقك