انتشرت في الآونة الأخيرة، ظاهرة اغتيال الأطباء وابتزازهم من قبل بعض العصابات والعشائر وحتى المواطنين، جاهلين قيمة الطب ومهنة الطبيب وبُعدها الإنساني، وبدا أن التعامل بقسوة مع الأطباء من قبل هذه الفئة المتخلفة يدل على بداوة عقولهم، رغم أن انتشار مهنة الطب في بلد ما يدل على تقدمه وتطوره في مجال التنمية والسلامة الصحية، لكن عندما تتقلص هذه المهنة في بلد ما فهي دليل على تخلفه في مجال تقني مهم هو الطب.
واضطر عدد من الأطباء العراقيين إلى السفر إلى الخارج لسلامة حياتهم أو اضطر بعضهم الاستعانة بحماية شخصية، لدرء الأخطار المحدقة بهم جرّاء أعمال عنف مسلحة توجه نحوهم تتمثل غالبيتها أغراض الابتزاز، والأخرى تهديدات بسبب خطأ طبي أدى إلى موت مريض أو تدهور حالته الصحية.
وبحسب التقارير الإخبارية، فإن ظاهرة ابتزاز الأطباء والتهديد باختطافهم وقتلهم لغرض الحصول على الأموال لم تتوقف منذ 2003، وكلما قلّت أعداد الحوادث في فترة زمنية معينة، ارتفعت أعدادها في مرحلة أخرى، وهذا القلق المستمر بين الأطباء جرّاء ذلك، أدى إلى تفكير الكثير منهم في الهجرة من العراق كحل نهائي لمشكلة الأمن التي تهدد حياتهم.
ويعد أحد الأمثلة على هذه الظاهرة الخطرة المقلقة للمجتمع العراقي وليس الأطباء فحسب، إعلان نقابة الأطباء في البصرة، في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، عن أن الطبيب الجرّاح نزار المحفوظ تعرض إلى تهديدات عشائرية بالتصفية الجسدية تضمنت مهاجمة عيادته ومنزله نتيجة وفاة مريض بعد ثلاثة أيام من إجراء عملية جراحية له.
وأكدّ الطبيب طالب الزبيدي من ذي قار أن الاعتداءات المستمرة من قبل المواطنين والعشائر وحتى المليشيات، يسيء إلى الخدمات الصحية في العراق، ويترك آثارا عكسية على قدرة الطبيب وموظفي الصحة على أداء عملهم وفق المطلوب، مضيفًا أنه تعرض إلى الابتزاز حين رفض إصدار شهادات وفاة مخالفة للتعليمات والضوابط.
وأضاف: "دفع دية أو فصل عشائري، لأهالي المتوفي الذي قضى أجله في عملية جراحية أو بسبب تناول دواء معينة هو الحل في الكثير من الحالات حيث يضطر الطبيب إلى دفع آلاف الدولارات كتسوية للمشكلة.
ويعتقد الزبيدي أن توفير الحماية الشخصية لكل طبيب أمر غير عملي، لاسيما وأن أغلب الأطباء يعيشون في مدن ومناطق تتسم بالطابع العشائري.
وبحسب الممرض رفعت سلام من المسيب فإن الكادر الطبي في المستشفيات يتعرض في الكثير من الأوقات إلى الاعتداءات من قبل مواطنين.
وأفاد نقيب الأطباء في البصرة الدكتور مؤيد جمعة بأن "الطبيب الجراح نزار المحفوظ تعرض إلى تهديدات بالقتل من قبل إحدى العشائر، حيث هاجم بعض أفرادها عيادته الخاصة، ومن ثم منزله الذي يقع في منطقة البراضعية، وتم خط عبارات تهديد بالدهان الأحمر على السياج تفيد بأن صاحب المنزل مطلوب دم"، وهذه ليست المرة الأولى يتعرض فيها الأطباء إلى التهديد فقد تعرض العديد منهم في غضون الأعوام الماضية إلى تهديدات عشائرية مشابهة وحالات اعتداء بالضرب بسبب وفاة مرضى خلال معالجتهم، وليس التهديدات العشائرية فقط هي من تشكل خطرًا على الأطباء، فهناك أيضا الاغتيالات الغامضة التي يتعرض لها بعض الأطباء بين الآونة والأخرى، وكذلك حالات الاختطاف.
وفي الشأن ذاته أصدرت المحكمة الجنائية المركزية في بغداد حكمًا بالإعدام على متهمين اثنين أدينا بخطف وقتل طبيب.
وقال القاضي عبد الستار بيرقدار إن "الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية المركزية نظرت دعوى خطف وقتل طبيب في أحد أحياء العاصمة بغداد"، وتابع بيرقدار أن "التحقيقات أثبتت أن اثنين من المتهمين نفذا عملية الخطف ومساومة ذوي الضحية على فدية مالية"، وزاد "برغم تسلم مبلغ الفدية لكن المتهمين قتلا الطبيب"، لافتًا إلى أن "المحكمة قررت إدانتهما وأن جميع الأدلة كانت كافية ومقنعة للمحكمة".
واستطرد أن "قرارًا صدر بالإعدام شنقًا حتى الموت وفق المادة الرابعة/ 1 وبدلالة المادة الثانية/ 1، 8 من قانون مكافحة الإرهاب"، ورغم إن أغلب حالات التهديد للأطباء تتركز في المناطق غير المستقرة أمنيًا والتي تنشط فيها الجماعات المسلحة مثل ديالى والموصل وكركوك، إلا مثل هذه الحالات تحدث أيضًا في المناطق المستقرة أمنيًا، وأكثرها من مصادر مثل العشائ .
وبحسب تصريح للناطق الرسمي لوزارة الصحة عبد الغني سعدون في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2014 فأن "عدد الأطباء الذين هاجروا من العراق وصل إلى 10.000 طبيب منذ 2003 ".
وأكد طبيب أخصائي في مجال الباطني فضل عدم ذكر اسمه، يتلقى الأطباء في الطوارئ تهديدات من قبل المواطنين أثناء العمل"، وتابع "نتعرض أيضًا إلى تهديدات لفظية على مدار اليوم بسبب رفضنا لبعض المطالب غير المحقة للمرضى والمراجعين".
ولا يقف الأمر على الأطباء من الرجال فقط، فالطبيبات يتعرضن إلى تهديدات وشتائم لفظية من المراجعين، وتقول طبيبة عراقية في حديث لـ"العرب اليوم "أتعرض بشكل مستمر إلى كلام بذيء من قبل بعض المراجعين، وأحيانًا اضطر إلى الاستعانة بالجهات الأمنية"، وتضيف "تعرضت إلى تهديد من أحدهم وحينما علم بأن أبي أحد وجهاء المدينة اضطر إلى الاعتذار وانسحب، لقد أنقذني اسم والدي من تهمة عشائرية ألصقت بي عمدًا".
وفي ذي قار وخلال العام الجاري، أضرب أطباء أحد المستشفيات عن العمل بسبب اعتداء تعرض له زميل لهم من قبل مراجعين، كما شهدت مدينة البصرة في 2008 اغتيال أحد أشهر أطباء الجراحة في الجملة العصبية.
وأكد إعلام وزارة الصحة في 28 آب/أغسطس الماضي عن اعتداء "ثمانية أشخاص بالضرب على طبيب خفر في شعبة الإنعاش في مستشفى (الإمام علي) أثناء تحريره شهادة وفاة لمريضة بعد إصابتها بـ حروق خطيرة، مما دفعه للاحتماء بقسم الطوارئ وقامت إدارة المستشفى بحمايته".
وكان مجلس النواب العراقي قد أرجأ في عام 2012 التصويت على مشروع قانون حماية الأطباء، حيث طالب النواب بأن يكون تشريع قانون حماية الأطباء متزامنًا مع قانون ضمان حقوق المريض، فيما وقّعت وزارة الصحة في عام 2011 ميثاق شرف مع جميع العشائر العراقية، يتضمن عدم تهديد الأطباء والكادر الصحي في حالة حدوث وفاة.
وفي العام 2013 صدر قانون لحماية الأطباء وأقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية جاء في بعض مواده، "حماية الأطباء من الاعتداءات والمطالبات العشائرية والابتزاز".
ومنحت وزارة الداخلية الطبيب إجازة حيازة سلاح شخصي، ومعاقبة بالحبس لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار كل من يدعي بمطالبة عشائرية أو غير قانونية ضد طبيب عن نتائج أعماله الطبية.
أرسل تعليقك