إقليم لا بوليا الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية
آخر تحديث GMT21:18:03
 العرب اليوم -

دخوله كمن يدخل إلى معبد وسط حقول الزيتون

إقليم "لا بوليا" الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - إقليم "لا بوليا" الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية

إقليم "لا بوليا" الإيطالي
روما - العرب اليوم

عزيزي المسافر... لا تقل إنك جئت إلى هنا، وإنك تنزّهت على أجمل شواطئ إيطاليا التي يختصر هذا الإقليم كلَّ سحرها ومفاتنها. احفظ السر... لأنه لم يعد سرّاً أن «لا بوليا» La Puglia تستحقّ أن تبقى في عالم الأسرار، رغم كثرة الذين يريدون لها أن تكون توسكانة الجنوب التي تخفي جمالها وراء كروم الزيتون، أو صقلية الأدرياتيك، أو إيطاليا التي لا ينضب فيها معين الدهشة والانبهار. أنها الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية، والذي لن يطول الوقت حتى يدخل في الدائرة التي يتهافت عليها السيّاح حتى الاختناق.

يوماً بعد يوم يكثر عدد المشاهير الذين يختارون حنايا هذا الإقليم لعزلتهم، وتتكاثر أعداد السيّاح الذين يتوافدون على هذه الربوع. فهي ما زالت تحتفظ بأصالة عصيّة على الزمن والدساكر التي تفاخر بعمران أرستقراطي عريق يمتدّ من سفوح الهضاب المكسوّة ببساط لا نهاية له من النباتات العطرية إلى الشواطئ الرمليّة المتهالكة عند أقدام بحرٍ ينام ويفيق مع زوارق الصيّادين «لا بوليا» هي الأرض التي ينحبس عن سمائها المطر أكثر من أي منطقة أخرى في إيطاليا، والتي عاش أهلها قروناً في عزلة شبه تامة، يتحدثون لغة قدماء اليونان قبل أن ترى روما النور وتسطع إمبراطوريتها على العالم. وهي مملكة الحدود التي تصادم عليها الإسلام مع المسيحية كما تشهد على ذلك القلاع والحصون الكثيرة التي تسوّر معظم المدن والقرى الواقعة على سواحلها.

  أقرأ أيضا :

"كالابريا" أحد كنوز إيطاليا الخفية عن أعين السائحين

من هنا نبدأ جولتنا: لن نبدأ جولتنا من «برينديسي» التي ينزل السيّاح الأميركيون في مطارها، ومنه يهرعون إلى «ليتشيه» التي انحفرت مبانيها في ذاكرتهم من كثرة ما شاهدوا صورها. تعال نستهلّ مشوارنا في هذه الجنّة من «باري» عند أقصى الجنوب الإيطالي، ونتسلّق شوارعها اللولبية التي يفوح منها أريج البحر المالح، وتطالعك من شبابيكها بين الحين والآخر وجوه تذكّر بصوفيّا لورين أو آنّا مانياني.

على بعد أميال من «باري» يقوم مثلّث ذهبي تشكلّه قرى «مونوبولي» و«فازانو» و«آلبيروبلّو» حيث تجد أجمل المنتجعات ودور الإقامة في مزارع أو معاصر قديمة رممها أصحابها بمنتهى الذوق والأناقة. تستدرجك إلى ممارسة الرياضة المفضّلة عند أهل هذه البلاد: متعة الكسل il dolce far niente التي رفعها الإيطاليون إلى مقام المفخرة الوطنية. لكن الكنز الذي تفتخر به هذه القرى الثلاث هي الأكواخ الحجرية الشهيرة المعروفة باسم Trulli، وهي مخروطية الشكل في سقفها وتعود إلى حقبة ما قبل التاريخ مع بدايات العصر البرونزي. ونظراً للأهمية التاريخية والأنثروبولوجية لهذه الأكواخ، قررت منظمة اليونيسكو إدراجها على قائمة التراث العالمي في عام 1996، كما أدرجت عليها أيضاً «الوجبة المتوسطية» التي يشتهر بها هذا الإقليم الإيطالي.

«ليتشيه» الفاتنة أصبحت على بعد ستين ميلاً من هنا، لكن السرعة في الوصول إليها ليست مستحسنة لأنها ستفوّت عليك فرصة التوقّف في قرية «أوستوني» التي تتنافس فيها قصور النبلاء مع بيوت العائلات العريقة، وحيث لا بد للعابر أن يتذوّق الحلوى التي اشتهرت بها، والتي تتحدّى من يأكلها أن يسلم شاربه من القشدة المحشوّة بها. وفي هذه البلدة أيضاً سوق شهيرة للحرفيّات.

نصل إلى «ليتشيه» Lecce كمن يدخل إلى معبد يرتفع وسط حقول الزيتون وبساتين الفاكهة وكروم العنب المترامية حتى البحر. مدينة بارّوكيّة بامتياز، تقول لك إن إيطاليا ليست روما وميلانو والبندقية وفلورانس... فحسب، وإن هذا الجنوب الذي سقط من دفاتر السيّاح فيه ما يغني عن كل الجمال المنثور على صدر شبه الجزيرة الإيطالية.

عندما بدأ مؤسس الحركة البارّوكية النحّات فرانشيسكو بورّوميني مسيرته الفنّية مطالع القرن السابع عشر تحت شعار (التغيير هرباً من الرتابة)، كان أساتذة النحت في هذه المدينة قد قطعوا شوطاً بعيداً في ترصيع عشرات القصور بمنحوتات جريئة على أشكال فاكهة وطيور وحيوانات داجنة أصبحت عنواناً لأسلوب بارّوكي انفردت به «ليتشيه» بين كل الحواضر الأوروبية.

لست بحاجة إلى دليل سياحي أو كتاب تقرأه عن هذه المدينة لزيارتها. يكفي أن تستسلم لحواسك وتترك لها القياد، تمشي وراءها في الشوارع المرصوفة بحجارة القرن السادس عشر بين القصور والدور الحجرية التي هي أقرب إلى المنحوتات الضخمة، تستظلّ عبق التاريخ في أفنيتها الفسيحة وتذهب بعيداً وراء الجمال الطالع من معمارها الأنيق والمكدّس في كنوزها الفنيّة. تتنقّل بين ساحاتها من مفاجأة إلى ذهول إلى انبهار، ويُخيَّل إليك أنك على خشبة مسرح طالع من أعماق التراجيديا الإغريقية التي ما زالت أصداؤها تتردد بين المباني الصامدة.

التجوال فيها رحلة عبر الزمن، من عصور ما قبل التاريخ إلى العهد الوسيط وفن البارّوك الذي بلغ هنا إحدى قممه على يد أمهر الحرفيين. والبحر هنا... بحران، يحيط كل منهما بإحدى خاصرتَي هذه المدينة المحشورة عند «كعب الجزمة» الإيطالية، حيث تكثر المحميّات الطبيعية النائية عن الإسمنت والأسفلت، والخلجان الصغيرة التي يرتادها عشّاق الغطس والتمتع بالمفاتن المغمورة تحت المياه. ولعلّ أجمل ما في هذه الشواطئ هو بعدها عن الطرقات المطروقة، وغابات الصنوبر التي تكاد تغسل جذوعها بالأمواج التي تموت في ظلالها.

لكن «ليتشيه» ليست مجرّد تحفة معمارية ينطق فيها الحجر، بل هي، منذ سنوات، مختبر فريد للسياحة البيئية التي تعجز أفخم الفنادق عن مجاراة الأجواء الفريدة التي تقدّمها بأسعار لا تضارب، ومدرسة عالمية الشهرة للمأكولات الطبيعية والصحيّة يشهد عليها مركز الطهي الذي يتهافت عليه كبار الطهاة من كل أنحاء العالم يتدرّبون على أيدي الجَدّات اللواتي يحفظن أسرار الأطباق التقليدية والأطعمة اللذيذة.

ثمّة جاذبية لا تقاوَم في هذه المدينة تدفعك إلى الاستغناء عن متابعة الرحلة والبقاء بين جدرانها أطول فترة ممكنة. إنه شعور بالأمان والسكينة العميقة في هذا العالم المضطرب، اللاهث وراء كل شيء ولا شيء، ورغبة دفينة في الانسياق وراء هذه الحياة المتهادية ببطء وبساطة خارج حدود الزمن.

لكن على مرمى حجر من «ليتشيه» الجميلة ثمّة أيضاً ما يغري بالذهاب: إنها شواطئ الرمال الناعمة البيضاء والمياه البلّورية التي تذكّرك بجزر المالديف الساحرة، والتي تمتدّ هنا حول بلدة «غالّيبولي» التي تبدو طالعة من إحدى البطاقات السياحية، بقلعتها الحصينة من القرن الرابع عشر، وأسوارها التي تتكسّر عليها الأمواج منذ مئات السنين، وأزقّتها الحجرية الضيّقة المحفوفة بمطاعم عائلية صغيرة يزوّدها الصيّادون كل يوم بأشهى الأطايب البحريّة. وعلى أطراف هذه البلدة تمرّ «Appia Antica مليكة الطرق» التي شقّها أباطرة روما، والتي ما زالت أجزاء كثيرة منها تستخدم إلى اليوم إلى جانب الجسور التي تشهد على حسن تخطيطهم وعمرانهم.

لا تقل إنك جئت إلى هنا، واحفظ سرّ هذا الجمال قدر ما استطعت، ولا تنسَ قبل مغادرتها ما يردده أهلها منذ مئات السنين، بأن السعادة تكمن في قصعة خبز مغمّسة بزيت الزيتون وقيلولة في ظلّ صنوبرة عتيقة.

وقد يهمك أيضاً :

أفضل المناطق السياحية في إيطاليا لقضاء شهر العسل

"جزيرة صقلية" أيقونة الحضارات التاريخية في قلب إيطاليا

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إقليم لا بوليا الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية إقليم لا بوليا الكنز الجديد الذي اكتشفته السياحة الأوروبية



صبا مبارك تعتمد إطلالة غريبة في مهرجان البحر الأحمر

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - اكتشاف تمثال يكشف الوجه الحقيقي لكليوباترا في معبد تابوزيريس

GMT 15:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين
 العرب اليوم - حريق يطال قبر حافظ الأسد في القرداحة وسط غموض حول الفاعلين

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب
 العرب اليوم - تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 14:35 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم
 العرب اليوم - عادل إمام يكشف كواليس لقائه الوحيد بأم كلثوم

GMT 04:44 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا
 العرب اليوم - بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة
 العرب اليوم - روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 16:39 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

التأثير الإيجابي للتمارين الرياضية على صحة الدماغ

GMT 06:13 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

تجربة علاج جيني جديد تظهر تحسناً مذهلاً في حالات فشل القلب

GMT 06:09 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

روبوت كروي ذكي يُلاحق المجرمين في الشوارع والمناطق الوعرة

GMT 20:19 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

الفنان جمال سليمان يبدي رغبتة في الترشح لرئاسة سوريا

GMT 18:20 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

بشار الأسد يصل إلى روسيا ويحصل على حق اللجوء

GMT 02:54 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

480 غارة إسرائيلية على سوريا خلال 48 ساعة

GMT 22:09 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

داني أولمو مُهدد بالرحيل عن برشلونة بالمجان

GMT 08:24 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... محاولة في إعادة ترتيب الآمال والمخاوف

GMT 04:49 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الكينية تسجل 5 حالات إصابة جديدة بجدري القردة

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

استئناف عمل البنك المركزي والبنوك التجارية في سوريا

GMT 05:03 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

وزير الدفاع الكوري الجنوبي السابق حاول الانتحار في سجنه

GMT 12:06 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

إجلاء نحو 87 ألف شخص بعد ثوران بركان كانلاون في الفلبين

GMT 22:40 2024 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

الملك تشارلز والملكة كاميلا يصدران بطاقة الكريسماس

GMT 12:28 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

محمد رمضان يكشف أسباب تقديمه الأعمال الشعبية

GMT 05:43 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

سوريا: أفراحٌ... وهواجس

GMT 23:43 2024 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

عائشة بن أحمد وكريم فهمي يجتمعان في فيلم دماغ ألماظ

GMT 10:56 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

قطر تعلن عزمها إعادة فتح سفارتها في سوريا قريباً

GMT 12:51 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

العربية للطيران تستأنف رحلاتها بين الشارقة وبيروت 18 ديسمبر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab