تحيي الجزائر الجمعة، الذكرى الـ70 لمجازر الثامن من أيار/مايو 1945، التي وقعت في مدن سطيف، وقالمة، وخراطة، أثناء الاستعمار الفرنسي.
وتثير القضايا التاريخية حساسية كبيرة بين الجزائر وفرنسا، لأن الكثير من الخلافات بشأنها لا تزال عالقة، ومنها ما حدث في نهاية الحرب العالمية الثانية من اضطرابات خلفت آلاف القتلى في أيام معدودة.
عندما كانت أوروبا تحتفل بانتصار الحلفاء على ألمانيا النازية، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، كان الجزائريون يأملون في التعبير عن حقهم في الحرية والاستقلال، إذ ساهموا في محاربة النازية وتحرير باريس من الاحتلال الألماني.
وشارك أكثر من 150 ألف جزائري في الحرب ضمن الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال شارل ديغول، وكان حزب "الشعب" الجزائري، المحظور منذ 1939، يحضر لمسيرات ومظاهرات ضمن الاحتفالات بانتصار الحلفاء ونهاية الحرب العالمية، للمطالبة بالإفراج عن زعيمه، مصالي الحاج، وبحق الجزائريين في الحرية والاستقلال.
وخرج في ذلك الحين، نحو 10 آلاف جزائري في مدينة سطيف، شرقي البلاد، يحملون أعلام بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، ولافتات تطالب بتحرير مصالي الحاج وبحق الجزائريين في الحرية والاستقلال، لكن سرعان ما تحولت المسيرات الهادئة والاحتفالات إلى اشتباكات ومواجهات دامية، بعدما أطلقت الشرطة الفرنسية النار على شاب من الكشافة الإسلامية، بعدما رفع العلم الأبيض والأخضر، رمز السيادة الجزائرية والاستقلال.
وقتل سعال بوزيد، (22 عاما) في الميدان، مسجلا اسمه في قائمة رموز المقاومة الجزائرية الطويلة ضد الاستعمار الفرنسي، وحاولت شرطة الاستعمار الفرنسي مدعومة بالجيش قمع الاحتجاجات مستخدمة الهراوات والذخيرة الحية، لكن تدخلها زاد من اشتعال الغضب وانتشاره إلى مدن مجاورة، منها قالمة وخراطة، شهدت بدورها اشتباكات عنيفة.
ولقي مئات الجزائريين حتفهم برصاص الشرطة والجيش، وكذلك على يد مليشيا المستعمرين الأوروبيين، المعروفين باسم "الأقدام السوداء"، كما هاجمت مجموعات من الجزائريين الأحياء التي يقيم بها الأوروبيون، فقتلت العشرات منهم، أغلبهم طعنا بالأسلحة البيضاء.
وبعد 5 أيام من القمع تمكن قوات الشرطة والجيش، بدعم مليشيا "الأقدام السوداء"، من إحكام السيطرة على المدن المضطربة، ولكن الغضب الشعبي كان قد وصل القرى والأرياف، التي بدأت تعتمل فيها الانتفاضة.
ولجأت سلطات الاستعمار إلى القوات الجوية التي أفرغت نحو 40 طنا من القنابل ما بين 9 أيار/ مايو و19 أيار/ مايو على المناطق الريفية التي كانت تحضر رجالها للتصدي لأي تدخل والانتقام لقتلى المسيرات في المدن، فيما أغارت السفن الحربية أيضا على المدن الساحلية التي شهدت اضطرابات.
وتبين الأرقام الفرنسية الرسمية أن الأحداث خلفت 100 قتيل بين الأوروبيين، وما بين 1500 و2000 من الجزائريين، ولكن المسؤولين الجزائريين يؤكدون أن نحو 45 ألف جزائري قتلوا على يد قوات الاستعمار ومليشيا "الأقدام السوداء" في سطيف، وقالمة وخراطة.
ويفيد المؤرخون الفرنسيون، استنادا على إفادات شهود، وتقارير الشرطة والاستخبارات، بأن عدد القتلى الجزائريين يتراوح ما بين 15 ألفا و20 ألفا، في سطيف وقالمة وخراطة وحدها، وبعد عمليات القمع العنيفة، كان على المتظاهرين مواجهة التهم الموجهة لهم في محاكم الاستعمار، التي قضت بإعدام 28 منهم، بينما حكمت بفترات سجن طويلة على 60 آخرين.
وأنشأ السياسي البارز، ورئيس مجلس الأمة السابق، بشير بومعزة، في نهاية الثمانينات، جمعية "8 مايو 1945" بهدف مطالبة فرنسا بالاعتراف بمجازر سطيف وقالمة وخراطة، والاعتذار وتعويض ضحاياها الجزائريين.
ولكن فرنسا لم تعترف أبدا بهذه "المجازر"، وكان أول مسؤول فرنسي يتحدث رسميا في هذه القضية، سفير فرنسا في الجزائر، هوبير مولين دي فيردريار، الذي زار موقع الأحداث في سطيف، ووصفها بأنها "مأساة لا تغتفر".
أرسل تعليقك